(صفحه140)
ومقصوده السؤال عن صحّة هذا العمل ومشروعيّته.
ويرد عليه: أنّ حمل «أُعطيهم» على صورة المجهول، مع وضوح فاعله ومنيعطى إليه، وكون المعطى معنوناً بعنوان الزكاة غير صحيح، ويونس بنيعقوب لم يعلم أنّه كان وكيلاً للإمام عليهالسلام في مثل هذه الجهات، مع أنّ التعرّضللإجازة الشخصيّة لا يجدي في مقام النقل. وإن كان مراده السؤال عن الحكمالشرعي الكلّي بالنسبة إلى كلّ من يعطي الزكاة ولو كان وكيلاً له في هذهالجهة أو مطلقاً، فهو عين النقل والرواية؛ لعدم مدخليّة شخص فيما ذكر،فالإنصاف أنّ الرواية لا تكون في مقام الاستجازة والإجازة الشخصيّين،كما لا يخفى.
بقي الكلام في المدار في القيمة، وقد فصّل فيه في المتن بين صورة وجودالعين وعدم تحقق التلف له، فالمدار وقت الأداء والبلد الذي تكون العين فيهموجودة، وبين صورة التلف بالضمان، فالمدار قيمة يوم التلف وبلده.
أقول: أمّا صورة وجود العين، فواضح أنّ المدار في القيمة فيها ما اُفيد؛ لأنّهبعد دلالة الأدلّة المتقدّمة على جواز دفع القيمة، فالقدر المسلّم هي القيمةالقائمة مقام العين؛ وهي لا تتحقّق إلاّ بالقيمة المذكورة، كما لا يخفى.
وأمّا صورة تلف العين مع الضمان، كما إذا تلفت مع التعدّي أو التفريط،فقد استظهر في المتن أنّ المدار قيمة التلف وبلده وإن احتاط استحباباً برعايةأكثر الأمرين من ذلك، ومن يوم الأداء وبلده؛ والوجه فيه: أنّ التحقيق أنّالمستفاد «من قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1) ـ في المغصوب ومثله
- (1) يراجع لتوضيح هذه القاعدة إلى القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدسسره 1: 87 ـ 164.
(صفحه 141)
وإن كانت هي قيمة يوم الأداء ولو طال الزمان بعد تحقّق التلف، إلاّ أنّموردها صورة وجوب أداء شخص العين؛ لتعلّق مثل الغصب به.
وأمّا في المقام، فقام الدليل على عدم لزوم دفع العين، وجواز دفع القيمةوإن كانت العين موجودة، ففي الحقيقة يكون صاحب العين الزكويّة موظّفبدفع مقدار ماليّة الزكاة، لا من خصوص العين الزكويّة، وربما يؤيّده القولبالشركة الحقيقيّة.
وقد عرفت(1) دلالة بعض الروايات عليه، ولعلّه تقتضيه ظاهر الآيةالشريفة الواردة في الصدقات(2) على تأمّل؛ لوجود الفرق بين آية الخمس(3)،وآية الزكاة(4) المعروفة؛ لأنّ الاُولى ناظرة إلى نفس متعلّق الوجوب، وهوالكسر المشاع؛ لوضوح أنّه من الكسور المشاعة، والثانية متعرّضة لمصاريفالزكاة من دون تعرّض لكونها على سبيل الإشاعة أو على سبيل غيرها.
وقد مرّ(5) أنّه لا يمكن الإشاعة في كثير من مواردها، كما فيالشّاة الواجبة فيخمس من الإبل ونظائرها، ولذا التزمنا بالشركة في الماليّة دون المال، فتأمّل.
إلاّ أنّه مع ذلك يكون الاحتياط المذكور في المتن حسناً، فلا ينبغي أنيترك،كما لا يخفى.
- (1) في ص135، وسيأتي البحث عنها مفصّلاً في ص316 ـ 321.
(صفحه142)
اعتبار النصاب في زكاة النقدين
الفصل الثاني في زكاة النقدين
ويعتبر فيها ـ مضافاً إلى ما عرفت من الشرائط العامّة ـ اُمور:
الأوّل: النصاب، وهو في الذهب عشرون ديناراً، وفيه عشرة قراريط هي نصفالدينار، والدينار مثقال شرعيّ؛ وهو ثلاثة أرباع الصيرفي، فيكون العشرون دينارخمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً، وزكاته ربع المثقال وثُمنه، ولا زكاة فيها دون عشرين،ولا فيما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير؛ وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة، ففيها قيراطان؛إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً.
وهكذا كلّما زاد أربعة، وليس فيما نقص عن أربعة دنانير شيء، لكن لا بمعنىعدم تعلّق الزكاة به رأساً كما قبل العشرين، بل المراد بالعفو عمّا بين النصابين هو: أنّمازاد عن نصاب إلى أن بلغ نصاباً آخر متعلّق للفرض السابق، فالعشرون مبدالنصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين؛ وهو متعلّق للفرض الأوّل؛ أي نصف الدينار،فإذا بلغت أربعة وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين، فزاد قيراطان وهكذا1.
1ـ لا إشكال ولا خلاف في اعتبار النصاب في زكاة النقدين(1)، بل عليه
- (1) منتهى المطلب 8 : 157، الحدائق الناضرة 12: 85 ، رياض المسائل 5: 84 ، مستند الشيعة 9: 141،مستمسك العروة الوثقى 9: 115، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 255.
(صفحه143)
إجماع المسلمين(1)، بل وقع الاختلاف بينهم ـ بعد الاتّفاق في نصاب الفضّة(2) في نصاب الذهب، وأنّه هل هو عشرون ديناراً، كما عليه المعروفوالمشهور(3)، أو أربعون ديناراً كما عليه جماعة من الأصحاب(4)، ويدلّ علىالمشهور روايات مختلفة من حيث قوّة الدلالة وصراحتها وعدمها:
منها: صحيحة الحسين بن يسار (بشّار خ ل)، عن أبي الحسن عليهالسلام فيحديث قال: في الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار، فإن نقص فلازكاةفيه(5).
ومنها: موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في حديث قال: ومن الذهب منكلّ عشرين ديناراً نصف دينار، وإن نقص فليس عليك شيء(6).
ومنها: صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليهالسلام عن الذهب والفضّة،
- (1) غنية النزوع: 118، مفاتيح الشرائع 1: 190 مفتاح215، مصابيح الظلام 10: 53، جواهر الكلام 15: 288و 295.
- (2) الخلاف 2: 75 مسألة 88 ، وص81 ـ 82 مسألة97، غنية النزوع: 119 ـ 120، المعتبر 2: 529، تذكرةالفقهاء 5: 120 مسألة64، منتهى المطلب 8 : 163، مفاتيح الشرائع 1: 197 ـ 198 مفتاح225، الحدائقالناضرة 12: 88 ـ 89 ، مفتاح الكرامة 11: 291 ـ 292، رياض المسائل 5: 90، مستند الشيعة 9: 144.
- (3) المهذّب البارع 1: 514، المقتصر: 99، مختلف الشيعة 3: 57 مسألة25، الحدائق الناضرة 12: 85 ،مصابيح الظلام 10: 217، مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 284، مستمسك العروة الوثقى 9: 116،المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 256.
- (4) حكى عن جماعة من أصحاب الحديث في المعتبر 2: 523، وعن قوم من أصحابنا في الخلاف 2: 84مسألة99، ونسبه إلى عليّ بن بابويه في السرائر 1: 447، وكشف الرموز 1: 244، ومختلف الشيعة 3: 57مسألة25، ومدارك الأحكام 5: 108، وإلى أبي جعفر بن بابويه في المعتبر والمختلف.
- (5) الكافي 3: 516 ح6، وعنه وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1 ح3.
- (6) الكافي 3: 515 ح1، تهذيب الأحكام 4: 12 ح31، وعنهما وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الذهب والفضّة ب1 ح4.
(صفحه144)
ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: مائتا درهم وعدلها من الذهب(1).
نظراً إلى أنّ مائتي درهم يكون معادلها من الذهب عشرين ديناراً، وذكرهإنّما هو باعتبار كونها الشائع في أيدي الناس، بخلاف الذهب.
ومنها: صحيحة البزنطي المعروفة ـ الواردة في باب خمس المعدن ـ قال:سألت أبا الحسن عليهالسلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال:ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(2).
فإنّ المستفاد منها أنّ كون النصاب في الزكاة عشرين ديناراً أمر مسلّممفروغ عنه.
ومنها: غير ذلك من الروايات(3) الدالّة على هذا الأمر.
لكن في مقابلها روايتان دالّتان بظاهرهما على خلاف ذلك:
إحداهما: صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا: في الذهبفي كلّ أربعين مثقالاً مثقال ـ إلى أن قال: ـ وليس في أقلّ من أربعين مثقالشيء(4).
قال في الوسائل بعد نقل الرواية: أقول: حمله الشيخ على نفي وجوب المثقالفيما دون الأربعين لا مطلق الزكاة؛ فإنّها تجب في العشرين لما مرّ. ويحتمل
- (1) الكافي 3: 516 ح7، وعنه وسائل الشيعة 9: 137، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1 ح1،وص142 ب2 صدر ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 4: 138 ح391، وعنه وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيهب4 ح1.
- (3) وسائل الشيعة 9: 137 ـ 142، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 11 ح29، الاستبصار 2: 13 ح39، المقنع: 162، وعنها وسائل الشيعة 9: 141، كتابالزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1 ح13.