(صفحه 151)
الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة من سلطان أو شبهه ـ ولو في بعضالأزمنة والأمكنة ـ بسكّة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها؛ ولو صارا ممسوحينبالعارض. وأمّا الممسوحان بالأصل، فلا تجب فيهما إلاّ إذا كانا رائجين فتجبعلى الأحوط، ولو اتّخذ المسكوك حلية للزنية مثلاً فلا تجب الزكاة فيه؛ زادهالاتّخاذ في القيمة أو نقصه، كانت المعاملة على وجهها ممكنة أو لا1.
1ـ يدلّ على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى الإجماع المحكيّ عن غيرواحد(1) ـ روايات متعدّدة، مثل:
صحيحة علي بن يقطين، عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال: قلت له: إنّه يجتمععندي الشيء (الكثير قيمته خ ل) فيبقى نحواً من سنة، أنزكّيه؟ فقال: لا، كلّما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، وكلّ ما لم يكن ركازاً فليسعليك فيه شيء، قال: قلت: وما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش، ثمّ قال: إذأردت ذلك فاسبكه؛ فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة شيء منالزكاة(2).
والرواية صحيحة من حيث السند وإن كان فيه إبراهيم بن هاشم، كما أنّهظاهرة من حيث الدلالة؛ نظراً إلى صراحتها في أنّ الركاز هنا هو الذهبالمنقوش، لا الذي يكون من الاُمور المتعلّقة للخمس، كما بيّناه في كتاب
- (1) الانتصار: 214 مسألة 102، غنية النزوع: 118 مسألة62، تذكرة الفقهاء 5: 118 مسألة62، مدارك الأحكام5: 115، مفتاح الكرامة 11: 172 ـ 173، رياض المسائل 5: 84 ـ 85 ، المستند في شرح العروة الوثقى،موسوعة الإمام الخوئي 23: 266، وفي مستند الشيعة 9: 150، وجواهر الكلام 15: 306، ومصباح الفقيه13 (كتاب الزكاة): 297 ـ 298: بلا خلاف بين علمائنا.
- (2) الكافي 3: 518 ح8 ، تهذيب الأحكام 4: 8 ح19، الاستبصار 2: 6 ح13، وعنها وسائل الشيعة 9: 154،كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب8 ح2.
(صفحه152)
الخمس(1) من هذا الشرح، المطبوع قبل سنين، بل المراد به هو الصامتالمنقوش، وكلمة «المنقوش» وإن كانت مطلقة تشمل كلّ نقش ولو كان جمادأو حيواناً أو غيرهما، إلاّ أنّ المتفاهم منها عرفاً هو المنقوش بما هو الرائج منسكّة المعاملة، كما لا يخفى.
ومرسلة جميل، عن بعض أصحابنا أنّه قال: ليس في التبر زكاة، إنّما هيعلى الدنانير والدراهم(2).
والمراد من الدنانير والدراهم فيها هو المنقوش منهما، الرائج في سوقالمسلمين، كما أنّ الظاهر أنّ الحصر إضافيّ لا حقيقيّ يكون مرجعه إلىانحصارالزكاة فيهما، لكنّ الرواية مرسلة ومع ذلك مضمرة، فلا يجوز الاستناد إليها.
ومثلها رواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام أنّه قال:ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير والدراهم(3).
ثمّ إنّه قد صرّح في المتن بأنّ المعتبر هي سكّة المعاملة من سلطان وشبهه؛من دون فرق بين أن يكون بسكّة الإسلام أو الكفر، وكذا لا فرق بينأنيكون بكتابة أو غيرها، كلّ ذلك لإطلاق النصوص؛ فإنّ المستفاد منهـ سيّما ما عبّر فيها بالدراهم والدنانير ممّا تقدّم ـ هو المنقوش منهما، وكانرائجين من قديم الأيّام ويجعلين ثمناً في المعاملات المتداولة؛ نظراً إلى سهولة
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس والأنفال: 73 ـ 76.
- (2) الكافي 3: 518 ح9، تهذيب الأحكام 4: 7 ح16، الاستبصار 2: 6 ح14، وعنها وسائل الشيعة 9: 155،كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب8 ح3.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 7 ح18، الاستبصار 2: 7 ح16، وعنهما وسائل الشيعة 9: 156، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الذهب والفضّة ب8 ح5.
(صفحه 153)
الحمل والنقل فيهما حتّى في السفر.
ومن جهة اُخرى إمكان تهيئة كلّ جنس ومتاع من مالكه بسببهما، وفيغير هذه الصورة كان يصعب الأمر من الجهتين، خصوصاً الجهة الثانية؛ لأنّمن الممكن أنّ من كان مالكاً للحنطة مثلاً ويريد بيعها، لا يريد أنيأخذبإزائها الكتاب الذي لا يكون مرتبطاً له، بخلاف النقدين، وقد شاع أنّ منكان يصير سلطاناً جديداً أن تضرب السكّة باسمه والخصوصيّات المعتبرةعنده، ولذا نرى في الكتب الموضوعة في هذا الباب تصاوير متعدّدة ومختلفة فيعهد السلاطين الحاكمة، خصوصاً كتاب العقد المنير في الدراهم والدنانير(1)،الذي ألّفه بعض الأفاضل قدسسره من السادة العظام.
بقي الكلام في هذا المقام في فروع متعدّدة تعرّض لفرعين منها في المتن.
الأوّل: أنّ الممسوحين تاره: يكون بالذات، واُخرى: بالعارض، ففي الأوّل:لا تجب الزكاة؛ لاعتبار النقش كما تقدّم، وقد استثنى ما إذا كانا رائجين،فأوجب الزكاة على نحو الاحتياط الوجوبي. وفي الثاني: حكم الزكاة بحاله،ولا تقدح الممسوحيّة العرضيّة فيه، واستثناء الصورة المزبورة في الأوّلولو بالنحو المذكور إنّما هو لأجل أنّ المعيار هو الرواج بعنوان الثمن،والمفروض ثبوته.
الثاني: لو اتّخذ حلية للزينة لا تجب الزكاة فيها وإن كانت مسكوكة؛لخروجها عن العنوان المذكور، من دون فرق بين زيادة القيمة ونقصانها، وكذمن دون فرق بين ما كانت المعاملة على وجهها ممكنة أو لا؛ لأنّه على تقدير
- (1) العقد المنير (تاريخ النقود الإسلاميّة) 1: 196 ـ 227 و 247 ـ 256.
(صفحه154)
الإمكان أيضاً يخرج عن الثمنيّة.
الثالث: أنّ ما تعارف في قرب زماننا، بل في زماننا من الأثمان المختلطة منالفضّة وبعض الاُمور الاُخر، فالظاهر عدم تعلّق الزكاة به بهذا النحو،وسيأتي(1) البحث عنه، كالنقود المتداولة المصنوعة في هذا الزمان من قرطاسمخصوص، كالاسكناس الايراني، والريال السعودي، والدينار الكويتي،والدلار الأمريكي، والبوند الانجليزي، وما يشابهها؛ لعدم كونها من الذهبوالفضّة أصلاً.
ودعوى أنّ الظهير لهذه الاُمور ـ المسمّى بـ «پشتوانه» في بعض الممالك يكون هو الذهب، لا يصغى إليها؛ لعدم ثبوت الدعوى أوّلاً، وعدم تعلّقالزكاة بمطلق الذهب ثانياً، بل بعنوان الدرهم والدينار، مع أنّ الاعتبار فيها إنّمهو لأجل أنفسها لا بالظهير، كما لا يخفى.
وينبغي هنا التنبيه على أمر؛ وهو: أنّ الملاك في ماليّة النقود كالأمثلةالمذكورة، هل هو اعتبار المعتبر من سلطان ونحوه، بحيث كان بقاء ماليّتهمتوقّفاً على وجود السلطان وحفظ سلطنته، أو أنّ الملاك فيه هي القدرةعلى المعاملة، بحيث كان مختلفاً بحسب الأزمنة والأمكنة؟.
وقد شاع هذا الأمر بين كثير ولو من الفضلاء والطلاّب، وحكي أنّ مجلسالشورى الإسلامي في إيران قد صوّب الأمر الثاني، وحكم بأنّ امرأة كانتمهرها عشرة آلاف اسكناساً، إذا أرادت أخذ مهرها بعد الطلاق أو قبله، لابدّمن ملاحظة أنّ عشرة آلاف في حال الطلاق كانت تعادل مازاد، وحكي
- (1) لم نعثر عليه في المباحث الآتية.
(صفحه 155)
إجراء ذلك بالإضافة إلى الدَين أيضاً.
ولكنّ التحقيق هو الأوّل؛ لأنّه بعد ملاحظة اختلاف الأشياء في نفسها،أو في الأزمنة والأمكنة والأعصار والدهور، يسئل عن أنّ المراد من القدرةعلى البيع والاشتراء هل هو القدرة على الذهب أو ما يعادله، أو القدرةعلى الأشياء النازلة مع اختلاف قيمتها أيضاً؟ ولا ضابط في البين وإن قيلبوجوده في مثل البنك المركزي، لكنّه غير صحيح في نفسه، وغير معلوم لأكثرالناس وأغلبهم في كثير من الأزمنة، وحينئذٍ لابدّ من الالتزام بالأوّل، وليسالمراد بالاعتبار الأمر التخيّلي، بل مثل الملكيّة والزوجيّة، كما حقّق في محلّه(1).
- (1) كفاية الاُصول: 454 ـ 459، فوائد الاُصول 4: 380 ـ 384، منتهى الاُصول 2: 518 ـ 535، سيرى كامل دراُصول فقه 14: 326 ـ 366.