(صفحه18)
من تجب عليه الزكاة
القول فيمن تجب عليه الزكاة
مسألة 1: يشترط فيمن تجب عليه الزكاة اُمور:
أحدها: البلوغ، فلا تجب على غير البالغ. نعم، لو اتّجر له الوليّ الشرعيّ استحبّله إخراج زكاة ماله، كما يستحبّ له إخراج زكاة غلاّته. وأمّا مواشيه، فلا تتعلّق بهعلى الأقوى. والمعتبر البلوغ أوّل الحول فيما اعتبر فيه الحول، وفي غيره قبل وقتالتعلّق1.
1ـ يعتبر فيمن تجب عليه الزكاة اُمور:
الأوّل: البلوغ، فلا تجب على غير البالغ، ويدلّ على اعتباره في النقديناللّذين يعبّر عنهما في بعض الروايات بـ «المال الصامت»(1) ـ مضافاً إلى ما يظهرمن جماعة من دعوى الإجماع عليه(2)، وإلى وجود الشهرة(3) في غيرهما،
- (1) وسائل الشيعة 9: 75، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب14 ح3، وص83 ، أبواب من تجب عليهالزكاة ب1 ح2، وص154، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب8 ح2، وص170 ب15 ح4.
- (2) السرائر 1: 432، منتهى المطلب 8 : 23، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 298، الروضةالبهيّة 2: 11 ـ 12، مدارك الأحكام 5: 15، مفتاح الكرامة 11: 14 ـ 15.
- (3) تحرير الأحكام 1: 347، الحدائق الناضرة 12: 18، مفتاح الكرامة 11: 15.
(صفحه19)
كالغلاّت والمواشي وإن نسب الخلاف إلى جماعة(1) ـ أنّ أكثر الأدلّة الواردةفي الزكاة، كالآيات التي عطف فيها إيتاء الزكاة على إقامة الصلاة(2)، إنّما هيبلسان التكليف، والحكم التكليفي يختصّ بالبالغ.
وقد حقّقنا في كتابنا «القواعد الفقهيّة» أنّ من جملة تلك القواعد عدماختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، وشمولها لغير البالغين، كضمان الإتلاف،وضمان الغصب، ومثلهما من الأحكام؛ وأنّ حديث(3) رفع القلم عن الصبيّحتّى يحتلم ويتّصف بالبلوغ، لا دلالة فيه إلاّ على رفع الأحكام التكليفيّةالالزاميّة وجوباً أو حرمة بلحاظ استتباعها للمؤاخذة(4).
وعليه: فلا وجه لما عن بعض الأعلام قدسسره ممّا يرجع إلى أنّ إطلاق الحديثيعمّ الوضع والتكليف بمناط واحد(5)؛ لما عرفت من عموميّة الأحكامالوضعيّة.
نعم، أوردنا هناك(6) على الشيخ الأعظم قدسسره بأنّه بناءً على مختاره؛ من عدمكون الأحكام الوضعيّة مجعولة مستقلّة، كالأحكام التكليفيّة ـ بل إنّما هيمنتزعة عنها ومأخوذة منها، فالزوجيّة منتزعة من جواز الوطء والاستمتاعمثلاً، والملكيّة مأخوذة من جواز التصرّف المطلق، والضمان في الإتلاف مثل
- (1) المقنعة: 238، مسائل الناصريّات: 281، النهاية: 174، المبسوط 1: 234.
- (2) تقدّمت تخريجها في ص13.
- (3) الخصال: 94 ح40 وص175 ح233، وعنه وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العباداتب4 ح11.
- (4) القواعد الفقهيّة 1: 319 ـ 325.
- (5) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 6.
- (6) أي في القواعد الفقهيّة 1: 323 ـ 325.
(صفحه20)
منتزع من لزوم أداء المثل أو القيمة عقيبه(1) ـ يكون اللاّزم الالتزام بعدمثبوتها في الصبيّ؛ لعدم ثبوت التكليف في حقّه.
فإذا لم يكن الصبيّ مكلّفاً بلزوم أداء المثل أو القيمة عقيب الإتلاف؛ لأنّهحكم تكليفيّ، فكيف يكون إتلافه سبباً للضمان، مع أنّ الضمان منتزع عنالتكليف علىماهو المفروض من المبنى؟
بل وسّعنا دائرة الإشكال بناءً على مبنى المشهور(2)؛ نظراً إلى أنّ اعتبارالأحكام الوضعيّة إنّما هو بلحاظ الأحكام التكليفيّة المترتّبة عليها، وإلاّ تصيرلغواً بلا فائدة، فاعتبار الزوجيّة بين الرجل والمرأة إنّما يصحّ إذا كانتموضوعة لأثر، مثل جواز النظر والاستمتاع والوطء، وهكذا في الملكيّةالمعتبرة في باب البيع ومثله.
وكذا في الإتلاف الذي هو سبب للضمان، فإذا فرض في مورد عدم ثبوتالحكم التكليفي ـ كما في الصبيّ ـ كيف يصحّ جعل الحكم الوضعي؟ ولو قيلباستقلاله في الجعل والاعتبار كما هو المشهور(3).
ولكن اُجيب عن الإشكال الأخير ـ مضافاً إلى النقض بالنائم الذي لاشبهةفي ضمانه في مثل الإتلاف ـ بوجهين مذكورين هناك(4)، وكيف كان، فلا إشكالفي اختصاص المرفوع بالأحكام التكليفيّة.
- (1) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 3: 125 ـ 130.
- (2 ، 3) تمهيد القواعد: 37، الوافية: 202، زبدة الاُصول: 62، الفوائد الحائريّة: 95، هداية المسترشدين فيشرح اُصول معالم الدِّين 1: 58، فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 3: 125 ـ 127، القواعد الفقهيّةللمحقّق البجنوردي 4: 177.
- (3) أي في القواعد الفقهيّة 1: 324 ـ 325.
(صفحه 21)
ولكنّه ينبغي أن يعلم أنّ الالتزام باختصاص الرفع في حديث الرفعبالأحكام التكليفيّة من جهة، والالتزام بشرعيّة عبادات الصبيّ وكونهمستحبّة من جهة اُخرى، هل يختصّ موردها بما إذا كان دليل العبادة اللاّزمةالمرفوعة عن الصبيّ شاملاً بمقتضى ظاهر اللّفظ للصبيّ أيضاً بلسان عامّأو مطلق، أو يعمّ ما إذا كان ظاهره الاختصاص بالبالغين، بحيث يكون مرجعهإلى ثبوت الاستحباب بالنسبة إلى كلّ غير بالغ، غاية الأمر ثبوت اللّزومبالإضافة إلى البالغين؟
لا يبعد أن يُقال بأنّ اللاّزم الالتزام بالأوّل، فكلّ عبادة يكون مقتضىدليلها بحسب الظاهر، الإطلاق، يكون مشروعاً بالإضافة إلى الصبيّ، دونمايكون دليله مختصّاً بالبالغين، فتأمّل.
نعم، يشكل الأمر في المقام بلحاظ أنّ بعض الأدلّة في باب الزكاة لايكونبلسان التكليف المختصّ بالبالغ، بل بلسان مثل قوله عليهالسلام فيما سقته السماء:العشر(1). ونحوه ممّا دلّ على الوضع وشركة الفقراء(2)، ولكنّ الظاهر عدمثبوت الإطلاق له؛ لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام بيانتعيين المقدار بعد الفراغ عن أصل ثبوت الزكاة، كما لا يخفى.
هذا كلّه، مضافاً إلى دلالة روايات كثيرة على عدم ثبوت الزكاة في مالاليتيم، الذي يكون المراد به ظاهراً غير البالغ، مثل:
صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة؟فقال: إذا كان موضوعاً فليس عليه زكاة، فإذا عملت به فأنت له ضامن
- (1) وسائل الشيعة 9: 182، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلاّت ب4.
- (2) وسائل الشيعة 9: 217، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب4.
(صفحه22)
والربح لليتيم(1).
فإنّ المراد من اليتيم غير البالغ؛ سواء كان ذات والد، أم لا، ويؤيّده ـ مضافإلى ذكر الرواية في الوسائل في باب اعتبار البلوغ فيمن تجب عليه الزكاة ـ أنّلليتيم خصوصيّتين: إحداهما: الصغر، والاُخرى: كونه غير ذات والد، والمرادهي الخصوصيّة الاُولى المجتمعة مع ثبوت الوالد، ويدلّ عليه التعبير في بعضالروايات الآتية بكون السائل له إخوة صغاراً، مضافاً إلىأنّه لو سقطت الزكاةعن كلّ يتيم ولو لم يكن صغيراً، يلزم خروج أكثر الناس عن دائرة هذالوجوب؛ لعدم ثبوت الوالد لهم.
وبالجملة: لا ريب في أنّ المراد باليتيم هو الصغير غير البالغ؛ سواء كان لهوالد، أم لا.
ورواية محمّد بن القاسم بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة على اليتامى إذا كان لهم مال؟ قال:فكتب عليهالسلام : لا زكاة على يتيم(2).
ورواية يونس بن يعقوب قال: أرسلت إلى أبي عبداللّه عليهالسلام إنّ لي إخوةصغاراً، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال: إذا وجبت عليهم الصلاة وجبتعليهم الزكاة. قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: إذا اتّجر به فزكّه(3).
- (1) تهذيب الأحكام 4: 26 ح60، الكافي 3: 540 ح1، وعنهما وسائل الشيعة 9: 83 ، كتاب الزكاة، أبواب منتجب عليه الزكاة ب1 ح1.
- (2) الكافي 3: 541 ح8 ، الفقيه 2: 115 ح495، المقنع: 213، تهذيب الأحكام 4: 30 ح74 وص334 ح1049،وعنها وسائل الشيعة 9: 84 ، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب1 ح4، وص326، أبواب زكاةالفطرة ب4 ح2.
- (3) الكافي 3: 541 ح7، تهذيب الأحكام 4: 27 ح66، الاستبصار 2: 29 ح84 ، وعنها وسائل الشيعة 9: 85 ،كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب1 ح5.