(صفحه270)
ثمّ إنّ المجنون كالطفل في جميع ما ذكر؛ لعدم الفرق.
وأمّا السّفيه، فلا إشكال في جواز إعطاء الزكاة إيّاه وإن كان بعد ثبوتحجره عند الحاكم؛ ضرورة أنّ السفاهة مانعة عن أخذ ماله لا إعطاء المالإيّاه، وقد صرّح سيّد العروة بأنّه يجوز دفع الزكاة إلى السّفيه تمليكاً وإن كانيحجر عليه بعد ذلك، كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه، بل منسهم الفقراء أيضاً على الأظهر من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليكوالصرف(1)، انتهى.
أقول: الظاهر أنّه لا إشكال في الدفع إليه من سهم الفقراء، غاية الأمر أنّهإذا كان بنحو التمليك يدخل في أمواله التي يتعلّق بها الحجر. وأمّا الدفع منسهم سبيل اللّه، فهو إنّما يتمّ على أحد التفسيرين فيه. وأمّا على التفسير الآخرالذي نفينا البُعد عنه(2) من الاختصاص بالمصالح الراجعة إلى العموم والمنافعالعائدة إلى الاجتماع، فلا يجوز الدفع إليه بهذا العنوان، كما لا يخفى.
- (1) العروة الوثقى 2: 130 مسألة2732.
(صفحه 271)
الثاني: أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط، بل غير متجاهر بمثل هذهالكبيرة على الأحوط. ولا يشترط فيه العدالة وإن كان أحوط، فيجوز الدفع إلىغيرالعادل من المؤمنين مع عدم التجاهر بما ذكر وإن تفاوتت مراتب الرجحان فيالأفراد.
نعم، يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح، وفيالمنع ردع عن المنكر. والأحوط اعتبار العدالة في العامل حال عمله وإن لاتبعدكفاية الوثوق والاطمئنان به.
وأمّا في الغارم وابن السبيل والرقاب، فغير معتبرة، فضلاً عن المؤلّفة، وفيسبيل اللّه1.
1ـ الدليل على اعتبار هذا الأمر رواية داود الصرمي قال: سألته عنشارب الخمر يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال: لا(1).
واعتبر سندها(2) من طريق وقوع الراوي في أسانيد كتاب كاملالزيارات(3)، كما أنّه ربما يقال بعدم قدح الإضمار؛ لعدم احتمال رواية الشيخينـ الكليني والطوسي ـ عن غير الإمام المعصوم عليهالسلام (4)، وهذا المقدار يكفي للحكمبأنّ الاعتبار إنّما هو على سبيل الاحتياط الوجوبي.
كما أنّ مقتضى إلغاء الخصوصيّة عن شارب الخمر التعميم بالإضافة
- (1) تهذيب الأحكام 4: 52 ح138، المقنعة: 242، الكافي 3: 563 ح15، وعنها وسائل الشيعة 9: 249، كتابالزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب17 ح1.
- (2) والقائل به هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 154.
- (3) كامل الزيارات: 505 ح787.
- (4) القائل به أيضاً السيّد الخوئي في نفس المورد.
(صفحه272)
إلى المتجاهر بمثل شرب الخمر، أو أقوى منه، كما لا يخفى.
وأمّا العدالة، فقد أفتى في المتن بعدم اشتراطها، وإن كان ذلك مقتضىالاحتياط الاستحبابي؛ والوجه فيه: أنّ اعتبارها لعلّه ينافي الغرض من الزكاة؛من خروج الفقراء والمساكين عن هذه العناوين بعد كون العدالة فيهم قليلة.
نعم، لا ينبغي الإشكال في تفاوت مراتب الرجحان في الأفراد من حيثالاشتغال بالعلوم الحوزويّة، وشدّة الفقر، وقرابة الفقير، ورحميّته وأمثال ذلك.
نعم، قوّى في المتن عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، أو إغراءًبالفعل القبيح، وفي المنع ردع عن المنكر، وإن نوقش في الأوّل بأنّ الحرامالمنهيّ عنه هو التعاون على الإثم والعدوان لا الإعانة عليه(1)، ولكن دفعنا هذهالمناقشة في المكاسب المحرّمة، في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يصنعه خمراً(2)،مع العلم بأنّ نظر الشارع في جعل الزكاة وتشريعها لا يكون ذلك.
ثمّ إنّه جعل في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي اعتبار العدالة في العاملين،الذين هم من الأصناف الثمانية من المستحقّين، وإن نفى البعد عن كفاية الوثاقة.
ولعلّ الدليل على الاعتبار هو اقتضاء شغلهم، والتناسب بين الحكموالموضوع ذلك؛ لأنّه مع عدم الوثاقة لا يؤمن من العمل على طبق وظيفةالجباية؛ من الأخذ من كلّ من تجب الزكاة عليه وإن كان من القرابة والأحبّة،كما أنّه لا يؤمن من الصرف فيما يشتهيه ويريده وإن لم يكن ذا سهم في الزكاة،وهكذا بعض الاُمور الاُخر.
- (1) النافش هو السيّد الخوئي قدسسره في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 151.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، المكاسب المحرّمة: 91 ـ 103.
(صفحه 273)
وأمّا الغارم وابن السبيل وفي الرقاب، فلا تكون العدالة معتبرة فيهم، فضلعن المؤلّفة التي عرفت(1) عدم اعتبار الإيمان فيهم أيضاً، وفي سبيل اللّه بناءًعلى التفسير الذي اخترناه(2).
(صفحه274)
الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك، كالأبوين وإن علوا، والأولادوإن نزلوا، والزوجة الدائمة التي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط، أو غيره منالأسباب الشرعيّة، فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق وإن سقط عنه وجوبه لعجزه؛ منغير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق، أو إتمام ما يجب عليه بها، كما لو كان قادراً علىإطعامهم، وعجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها.
نعم، لا يبعد جوازه للتوسعة عليهم وإن كان الأحوط خلافه. ويجوز دفعها إليهملأجل إنفاقهم على من تجب نفقته عليهم دونه، كالزوجة للوالد أو الولد مثلاً، كما أنّهيجوز دفع الغير إليهم ولو للإنفاق. ولو كان من تجب عليه باذلاً فالأحوط عدم الدفعوإن كان الأقوى في غير الزوجة جوازه. ولو عال أحداً تبرّعاً جاز له ولغيره دفعزكاته إليه حتّى للإنفاق؛ من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريباً أو أجنبيّاً.ولابأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها وإن أنفقها عليها، وكذا غيرها ممّن تجبنفقته عليه بسبب من الأسباب1.
1ـ اعتبار هذا الأمر مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ولا إشكال(1)، وتقتضيهمناسبة الحكم والموضوع، يدلّ عليه روايتان مهمّتان:
إحداهما: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: خمسةلا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب، والاُمّ، والولد، والمملوك، والمرأة، وذلك أنّهمعياله لازمون له(2).
- (1) السرائر 1: 459، الحدائق الناضرة 12: 210، مستند الشيعة 9: 308، جواهر الكلام 16: 32، المستند فيشرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 157.
- (2) الكافي 3: 552 ح5، تهذيب الأحكام 4: 56 ح150، الاستبصار 2: 33 ح101، وعنها وسائل الشيعة9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1.