(صفحه28)
فهو لا يخلو من إجمال؛ فإنّ من المحتمل، بل المظنون كونه تفريعاً علىخصوص الفقرة السابقة عليه، النافية للزكاة على جميع غلاّته، فتكون كلمةالموصول في «ما مضى» و«ما يستقبل» كناية عن نفس الغلاّت، ويكون المرادبالإدراك بلوغها حدّ الكمال الذي يتعلّق بها الزكاة، فالرواية على هذا أجنبيّةعن المدّعى.
وعلى تقدير أن يكون الموصول كنايةً عن الزمان الماضي والمستقبل،ويكون المراد بهذا الكلام أنّه ليس عليه في شيء من ماله وغلاّته لما مضىومايستقبل زكاة حتّى يدرك، فيحتمل أن يكون المراد بالإدراك بلوغه أوانتعلّق الحقّ بماله، وهو في النقدين حلول الحول، وفي الغلاّت ما ستعرفه،فيكون حينئذٍ شاهداً للمدّعى.
ويحتمل أن يكون المراد به بلوغه حدّ الرشد الذي يرتفع به الحجر عنماله، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بالموصول الزمان المستقبل في إيجاب الزكاةلولا الصغر، لا مطلق الزمان الماضي، ولذا يقبح أن يقال: ليس عليه لليومالماضي أو للشهر الماضي زكاة، فالمراد هو الحول الذي يكون سبباً في إيجابالزكاة لولا المانع، فلا ينافي حينئذٍ إدراك حؤول(1) الحول في المستقبل، وكونمبدء الحول فيما مضى، فتكون الرواية حينئذٍ على عكس المطلوب أدلّ(2).
وقد ذكر بعض الأعلام قدسسره في شرح العروة في مقام الردّ على المحقّقالسبزواري(3)، القائل بعدم دلالة الرواية إلاّ على كون وجوب الزكاة
- (1) حؤول و حول، مصدران لـ «حال».
- (2) مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 14 ـ 15.
- (3) ذخيرة المعاد: 421 س21 وما بعدها.
(صفحه 29)
فيما يشترط فيه الحول، حلول الحول في حال وجوب الزكاة وإن كان بعضالحول قبل البلوغ ما ملخّصه:
أنّ الصحيح ما عليه المشهور من احتساب مبدء الحول من زمان البلوغ؛لأنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار الحول: أنّ موضوع الزكاة لم يكن مجرّدالملكيّة، بل الملكيّة المقيّدة بكونها حولاً واحداً، فالموضوع إنّما هو المالك فيمجموع السنة، فالملفّق مشمول لقوله عليهالسلام : «ليس في مال اليتيم زكاة»؛ فإنّمفاده إلغاء مال اليتيم وإسقاطه عن الموضوعيّة للزكاة.
ومن البيّن أنّ نفي الموضوعيّة كما يكون بنفي تمام الموضوع، كذلك يكونبنفي بعضه وجزئه، فتنفى صلاحيّة مال اليتيم للموضوعيّة الناقصة، ـ كالتامّة بمقتضى الإطلاق، وأنّ هذه الملكيّة بالإضافة إلى وجوب الزكاة ملغاة، فكملا أثر في اعتبار الشارع لملكيّته في تمام السنة، فكذا لا أثر لملكيّته في بعضها،فكونه مال اليتيم في بعض العام يخرجه عن صلاحيّة الانضمام مع الستّةالأخيرة؛ إذ الموضوع للزكاة أن يكون المال عند ربّه سنة واحدة، وبعد التقييدبغير اليتيم ينتج أنّ الموضوع هو مال البالغ، فكونه مال اليتيم في تمام العامأو في بعضه يخرجه عن موضوع الزكاة، بعد أن كانت الإضافة إلى اليتيم فيحكم العدم، فلا قصور في دلالة النصّ على ما فهمه المشهور(1).
وهذا الذي أفاده وإن كان صحيحاً في نفسه، إلاّ أنّه لا يرتبط بمعنىالصحيحة ومفادها، خصوصاً ملاحظة الصورتين بعد البلوغ من حيث
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 12 ـ 13.
(صفحه30)
الإدراك وعدمه، بل هو مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّه لا زكاة في مالاليتيم، واعتبار الحول فيما اعتبر فيه الحول، كالنقدين مثلاً، فما أفاده غيرمرتبط بهذه الرواية؛ لثبوت الدليل بالإضافة إلى كلا الأمرين مع قطع النظرعن هذه الرواية أيضاً، كما لا يخفى.
وهنا احتمال آخر ذكره بعض الشارحين للعروة؛ وهو أن تكون كلمة «إن»في قوله عليهالسلام : «وإن بلغ اليتيم» وصليّة، فتكون الجملة مرتبطة بما قبلها، وتكون«الفاء» في قوله عليهالسلام : «فليس عليه» إلخ تفريعيّة لا جزائيّة، والمقصود تكرارهببيان أوفى، فيكون المعنى: فليس على اليتيم لما مضى من سنة ومايستقبل زكاةحتّى يدرك البلوغ الشرعيّ، فإذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة.
ويؤيّده قوله عليهالسلام : «وكان عليه مثل ما على غيره من الناس»، فيكون عطفتفسيريّاً، ويكون المقصود دفع توهّم أنّه عند اليتم وإن لم يكن عليه شيء،ولكن بعد اليُتم يؤدّي زكاة السنوات السابقة(1).
ويرد عليه: أنّه كيف الجمع بين البلوغ وصورتي الإدراك وعدمه؟كما هو ظاهر الرواية، فتدبّر.
والإنصاف أنّ الرواية في كمال الاضطراب، ولا يمكن الاستدلال بها علىشيء، خصوصاً مع ما عرفت من الاختلاف في نقلها.
- (1) كتاب الزكاة للشيخ حسين علي المنتظري 1: 35.
(صفحه 31)
ثانيها: العقل، فلا تجب في مال المجنون، والمعتبر العقل في تمام الحول فيماعتبر فيه، وحال التعلّق في غيره، فلو عرض الجنون فيما يعتبر فيه الحول يقطعه،بخلاف النوم، بل والسُّكر والإغماء على الأقوى. نعم، إذا كان عروض الجنون فيزمان قصير، ففي قطعه إشكال1.
1ـ الدليل على اعتبار العقل هو الدليل على اعتبار البلوغ؛ من حديث(1)رفع قلم التكليف الإلزامي عن كليهما، وإن ورد كما تقدّم(2) أنّه «ليس في مالاليتيم زكاة»، ولم يرد مثله هنا. نعم، قد عرفت(3) أنّ مثل قوله عليهالسلام : «فيما سقتهالسماء: العشر» لا إطلاق له؛ لعدم كونه في مقام بيان مورد وجوب الزكاة، بلفي مقام بيان الحدّ.
مضافاً إلى أنّ ثبوت الإطلاق له يلزم الحكم بثبوت الزكاة في غير الغلاّتالأربع إذا كان سقيه بالسّماء، ومن الواضح: عدم إمكان الالتزام به.
وقد ورد في المقام بعض الروايات غير الخالية عن التأييد، كما فيالوسائل(4). ثمّ إنّ المعتبر ـ كما عرفت في البلوغ ـ العقل في تمام الحول فيما اعتبرفيه، وحالالتعلّق فيغيره. وعليه: فلو عرضالجنون فيمايعتبر فيهالحول يقطعه،إلاّ إذا كان عروض الجنون في زمان قصير، فقد استشكل في المتن في قطعه.
ولعلّ منشأ الإشكال أنّه لا يرى فرق بينه وبين الملكيّة، فكما أنّ زوالالملكيّة ولو في آن واحد يوجب القطع، ويلزم انتظار حول جديد، كذلك زوال
- (4) وسائل الشيعة 9: 83 ـ 87 و 90، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب1 و 3.
(صفحه32)
العقل ولو في آن واحد، هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى: أنّ عروض الجنون في زمان قصير لا يوجب سلبعنوان العقل بحسب المسامحة العرفيّة، وقد صرّح السيّد في العروة بأنّ الجنونآناً ما بل ساعة وأزيد لا يضرّ؛ لصدق كونه عاقلاً(1).
هذا، ولكنّ الظاهر أنّه وإن كانت الدقّة العقليّة غير لازمة فيما يرتبطبالشرع، إلاّ أنّ المسامحات العرفيّة التي تكون عندهم معدودة من المسامحات،ممّا لا مساغ للحكم بابتناء الأحكام عليها، فالدم إذا لم يكن دماً عرفلايترتّب عليهالحكم؛ وإن كان دماً عقلاً باعتبار استحالة تغيّر العرض وتبدّله،وإذا كان دماً عرفاً مع عدم لحاظ التسامح العرفي يكون الحكم مترتّباً عليه.
ثمّ إنّه فرق بين الجنون العارض فيما يعتبر فيه الحول، وبين النوم والسُّكروالإغماء.
أقول: إنّ الحكم في النوم واضح؛ لعدم خلوّ الإنسان عنه قاعدتاً. وعليه:فلا مجال للحكم بالقطع فيه.
وأمّا السُّكر والإغماء، فحيث إنّه لم يقم هنا دليل على اعتبار العقل، فلوجه للحكم باعتبار عدمهما، وليس مضيّ الحول فيمايعتبر فيه عبادة حتّىيكون الأمران منافيين لها.
نعم، قد ورد في الروايات المشار إليها عنوان «امرأة مختلطة»(2)، ومنالمعلوم عدم صدقها بمجرّد واحد منهما، كما لا يخفى.
- (1) العروة الوثقى 2: 86 ، ذيل الشرط الثاني من شرائط وجوب الزكاة.
- (2) الكافي 3: 542 ح2 و 3، تهذيب الأحكام 4: 30 ح75 و 76، وعنهما وسائل الشيعة 9: 90، كتاب الزكاة،أبواب من تجب عليه الزكاة ب3 ح1 و 2.