(صفحه 65)
عن الحبوب؟ فقال: وما هي؟ فقال: السمسم والأرُز والدخن، وكلّ هذا غلّةكالحنطة والشعير، فقال أبو عبد اللّه عليهالسلام : في الحبوب كلّها زكاة.
وروي أيضاً عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّه قال: كلّ ما دخل القفيز فهو يجريمجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال: فأخبرني جعلت فداك، هل علىهذا الأرُز وما أشبهه من الحبوب الحمّص والعدس زكاة؟ فوقّع عليهالسلام : صدِّقوالزكاة في كلّ شيء كيل(1).
قال في وجه الحكم بالاستحباب بلحاظ الرواية ما لفظه: إنّ تصديقالإمام عليهالسلام لتلك الروايات المتعارضة المرويّة عن الصادق عليهالسلام ليس له وجهصحيح عدا إرادة الاستحباب فيما عدا التسع، وإلاّفلا يمكن في مثله الحمل علىالتقيّة بالضرورة؛ إذ لا معنى للتقيّة في تصديق الخبرين المتعارضين(2). إنتهىموضع الحاجة.
قلت: ما أفاده أخيراً من أنّه لا معنى للتقيّة في الخبرين المتعارضين وإنكانحقّاً، إلاّ أنّ الالتزام بعدم التعارض ـ خصوصاً بعد ما عرفت من ثبوتالتعارض والاختلاف العرفي جزماً بين الطائفتين من الروايات المتقدّمة ـ دونهخرط القتاد.
فالإنصاف اضطراب الرواية ومناقضة صدرها وذيلها؛ لأنّ الصدر ظاهرفي الحصر في التسعة، بحيث صار موجباً لتوبيخ الإمام عليهالسلام السائل عن غيره،والذيل ظاهر في ثبوت الزكاة في غيرها، كالثبوت في مثلها، ولأجل اضطرابه
- (1) الكافي 3: 510 ح3، وص511 ح4، تهذيب الأحكام 4: 5 ح11، الاستبصار 2: 5 ح11، وعنها وسائلالشيعة 9: 55 و 61، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب8 ح6، وب9 ح1.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 136 ـ 137.
(صفحه66)
الجدّي لا يمكن لنا الحكم على وفقها أصلاً، فلا طريق لنا للحكم بالاستحبابكما أفاده قدسسره .
المقام الثالث: في الحكم بالاستحباب في الثمار، كالتفّاح مثلاً وغيرهممّا أنبتت الأرض، دون الخضر والبقول، كالأمثلة المذكورة في المتن. أمّاستثناء الخضر والبقول وما يفسد ليومه، فالدليل عليه هي صحيحة زرارةالمتقدّمة في المقام الثاني.
وأمّا الحكم بالاستحباب في الثمار ونحوها فهو المشهور(1)، وفي الجواهر(2)مخالفة شيخه في كشف الغطاء(3)، استناداً إلى صحيحة محمّد بن مسلم، عنأبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالاً،هل فيه صدقة؟ قال: لا(4).
وحيث إنّ محطّ السؤال هو وجوب الزكاة في الثمار، فالجواب بالنفي لايدلّعلى أزيد من نفي الوجوب، ولا ينافي ثبوت الاستحباب لو كان هناك دليلعليه، إنّما الكلام في وجود الدليل عليه، يستفاد من بعض الأعلام قدسسره في الشرحهو العدم.
ويرجع كلامه ـ مع توضيح وتقريب منّا ـ إلى أنّ قاعدة التسامح في أدلّة
- (1) مفاتيح الشرائع 1: 191 مفتاح 216، رياض المسائل 5: 53 ـ 54، وحكاه عن كشف الالتباس في مفتاحالكرامة 11: 182، مستمسك العروة الوثقى 9: 57، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 23: 137.
- (2) جواهر الكلام 15: 21 ـ 22، بل هو مجمع عليه، كما في غنية النزوع: 115، ومدارك الأحكام 5: 48،وغيرهما.
- (4) الكافي 3: 512 ح6، وعنه وسائل الشيعة 9: 67، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب11 ح3.
(صفحه 67)
السنن المبحوث عنها في الاُصول وإن كانت توجب التوسعة بلحاظالمستحبّات، وترفع لزوم النظر في أسانيدها، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا كان دليل علىالاستحباب، غاية الأمر كونه مورداً للمناقشة من حيث السند؛ ضرورة أنّنفس القاعدة لا تثبت الاستحباب من دون نهوض أيّ دليل عليه.
والمقام كذلك؛ لأنّ النصوص المتضمّنة لثبوت الزكاة في الحبوب ومايكالويقفز، فقصور شمولها للثمار ظاهر؛ ضرورة عدم كونها من الحبوب أوّلاً،ولا من المكيل ثانياً؛ لعدم تعارف بيع الثمار بالكيل لا في القرى ولا في البلدانأبداً.
وأمّا النصوص المتضمّنة لثبوتها في كلّ شيءٍ أنبتت الأرض فكذلك؛ فإنّهذا العنوان وإن كان صادقاً على الثمار، إلاّ أنّ تلك النصوص بأنفسها تضمّنتاستثناء الخضر، كما عرفت في صحيحة زرارة المتقدِّمة(1).
والخضر شامل للثمار لغةً وعرفاً، مضافاً إلى تفسيره بها صريحاً في صحيحةاُخرى لزرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا: عفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن الخضر، قلت: وما الخضر؟ قالا: كلّ شيء لا يكون له بقاء: البقل،والبطيخ، والفواكه، وشبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد(2).
فإذاً لا تشمل تلك النصوص الفواكه والثمار في حدّ أنفسها، فلا يكون فيالبين دليل على الاستحباب فيها(3).
- (2) تهذيب الأحكام 4: 66 ح180، وعنه وسائل الشيعة 9: 68، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاةب11 ح9.
- (3) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 138 ـ 139.
(صفحه68)
المقام الرابع: في حكم مال التجارة والخيل الإناث، ويستفاد من المتن أنّالحكم بالاستحباب فيهما لا يخلو من إشكال، فنقول:
أمّا مال التجارة، فقد ورد فيه روايات مختلفة:
منها: رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سأله سعيد الأعرج ـ وأنا أسمع فقال: إنّا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة، فربما مكث عندنا السنةوالسنتين هل عليه زكاة؟ قال: إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالكفعليك زكاته، وإن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلاّ وضيعة فليس عليكزكاة حتّى يصير ذهباً أو فضّة، فإذا صار ذهباً أو فضّة فزكّه للسنة التي اتّجرتفيها(1).
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن رجلاشترى متاعاً فكسد عليه وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكيّة؟فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، وإن كانحبسه بعدما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال.
قال: وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال: إذا حالعليه الحول فليزكّها(2).
وهاتان الروايتان تدلاّن على الثبوت في مال التجارة لو أمسكه ليجد الربحفي مقابل من لم يبع متاعه؛ لأنّه لا يجد من يشتريه برأس المال. وبإزائهم
- (1) الكافي 3: 529 ح9، تهذيب الأحكام 4: 69 ح187، الاستبصار 2: 10 ح30، وعنها وسائل الشيعة 9: 70،كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب13 ح1.
- (2) الكافي 3: 528 ح2، تهذيب الأحكام 4: 68 ح186، الاستبصار 2: 10 ح29، وعنها وسائل الشيعة 9: 71،كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب13 ح3.
(صفحه 69)
صحيحتان:
إحداهما: صحيحة زرارة قال: كنت قاعداً عند أبي جعفر عليهالسلام ـ وليس عندهغير ابنه جعفر عليهالسلام ـ فقال: يا زرارة إنّ أباذرّ وعثمان تنازعا على عهدرسولاللّه صلىاللهعليهوآله ، فقال عثمان: كلّ مال من ذهب أو فضّة يُدار (به خ ل) ويُعمل بهويُتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذرّ: أمّا ما يتّجر به أو ديروعمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً (أو خ ل) كنزموضوعاً، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسولاللّه صلىاللهعليهوآله .
قال: فقال: القول ما قال أبوذرّ، فقال أبو عبد اللّه عليهالسلام لأبيه: ما تريد إلأنيخرج مثل هذا فيكفّ الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم؟ فقال أبوه:إليك عنّي لا أجد منها بدّاً(1).
ثانيتهما: صحيحة سليمان بن خالد قال: سئل أبو عبد اللّه عليهالسلام عن رجلكان له مال كثير فاشترى به متاعاً ثمّ وضعه؟ فقال: هذا متاع موضوع، فإذأحببت بعته فيرجع إلىّ رأس مالي وأفضل منه، هل عليه فيه صدقة وهومتاع؟ قال: لا حتّى يبيعه، قال: فهل يؤدّي عنه إن باعه لما مضى إذا كانمتاعاً؟ قال: لا(2).
وهما متعارضتان مع الطائفة الاُولى، ولا مجال للتصرّف في دلالة إحدى
- (1) تهذيب الأحكام 4: 70 ح192، الاستبصار 2: 9 ح27، وعنهما وسائل الشيعة 9: 74، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب14 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 4: 70 ح191، الاستبصار 2: 9 ح26، وعنهما وسائل الشيعة 9: 75، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب14 ح2.