(صفحه102)
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
القول في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فإنّ لهما مراتباً لا يجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب منالمرتبة الدانية، بل مع احتماله1.
المرتبة الاُولى: أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر، وأنّهطلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات: كغمض العين،والعبوس، والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وتركمراودته، ونحو ذلك2.
1ـ لا إشكال بل لا خلاف(1) في ثبوت المراتب الثلاث للأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، ولا يجوز التعدّي من مرتبة إلى اُخرى مع حصول المطلوبمن المرتبة الدانية قطعاً، بل ولو احتمالاً؛ لعدم إحراز ترك المعروف وفعل المنكرمع احتمال تأثير المرتبة الدانية في الفرض.
2ـ ذكر المحقّق قدسسره في الشرائع(2) أنّ المرتبة الاُولى من المراتب المذكورة هو
- (1) جواهر الكلام 22: 639، وهو خيرة النهاية: 299، والمختصر النافع: 192، ومنتهى المطلب15: 241 ـ 242، وقواعد الأحكام 1: 525، وتذكرة الفقهاء 9: 443 ـ 444، والتنقيح الرائع 1: 593 ـ 595،ومسالك الأفهام 3: 103 ـ 104، ومجمع الفائدة والبرهان 7: 539 ـ 542، وكتب كثيرة اُخرى.
- (2) شرائع الإسلام 1: 343.
(صفحه103)
الإنكار بالقلب، وقد تبع في ذلك بعض الروايات الّتي ظاهرها ذلك(1). ومنالمعلوم أنّ مجرّد ذلك لا يوجب صدق عنواني الأمر والنهي؛ لأنّ ذلك أمرباطنيّ قلبيّ، ولا يطّلع عليه غيره.
فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد ما أفاده في المتن من أن يعمل عملاً خارجيّلا يكون مفاده مجرّد عدم الرضا بذلك، بل كان ظاهراً في الانزجار القلبي عنالمنكر في أنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات مذكورةفي المتن، وهذا ينطبق عليه العنوانان، ويظهر ذلك من بعض الروايات، مثل:
ما حكي عن أمير المؤمنين عليهالسلام من أنّه قال: أمرنا رسولاللّه صلىاللهعليهوآله أن نلقي أهلالمعاصي بوجوهٍ مكفهرّة(2).
وعن أبي عبداللّه عليهالسلام : أنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم، وكيفلا يحقّ لي ذلك؟! وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه، ولتهجرونه، ولا تؤذونه حتّى يترك(3).
وغير ذلك من الروايات(4) الّتي يساعدها الاعتبار أيضاً.
- (1) وسائل الشيعة 16: 137 ـ 143، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب5.
- (2) الكافي 5: 58 ح10، تهذيب الأحكام 6: 176 ح356، وعنهما وسائل الشيعة 16: 143، كتاب الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب6 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 6: 181 ح375، المقنعة: 809 ، وعنهما وسائل الشيعة 16: 145، كتاب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب7 ح4.
- (4) وسائل الشيعة 16: 144 ـ 145، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهى ب7ح1، 2 و 3.
(صفحه104)
مسألة 1: يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكربها، وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية، والأيسر فالأيسر، سيّمإذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله، فلا يجوز التعدّي عن المقدار اللاّزم،فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب، لا يجوز التعدّيإلى مرتبة فوقه1.
1ـ هذه المسألة متعرّضة لأمرين:
أحدهما: وجوب الاقتصار على هذه المرتبة الّتي هي أدنى المراتبالثلاث مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها، فلا يجوز التعدّي إلى المرتبتينالآتيتين.
ثانيهما: إنّ هذه المرتبة أيضاً لها درجات الدانية فالدانية،والأيسر فالأيسر، ويجب المشي فيها بهذا الترتيب، سيّما إذا كان الطرففي مورد يهتك بمثل فعله، وحفظ احترام المؤمن وعرضه لازم وإن كانفاسقاً، فلا يجوز التعدّى عن المقدار اللاّزم ولو كان في نفس هذه المرتبة،كمثال المتن.
(صفحه105)
مسألة 2: لو كان الإعراض والهجر مثلاً موجباً لتخفيف المنكر لا قلعه،ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لساناً في قلعه، ولم يمكنه الإنكار بغير ذلك،وجب1.
1ـ لو كان الإعراض والهجر مثلاً ـ الّذي يكون من درجات هذه المرتبة موجباً لتخفيف المنكر لا قلعه من أصله، ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لسانـ الّذي هو واقع في المرتبة الثانية، كما سيجيء(1) إن شاء اللّه تعالى، ولم يمكنهالإنكار بغير ذلك ـ وجب الإعراض والهجر؛ لأنّ تخفيف المنكر أيضاً مطلوبللشارع كقلعه من رأس، غاية الأمر الوقوع في الرتبة المتأخّرة، فالإعراضوالهجر في مفروض المسألة واجب.
(صفحه106)
مسألة 3: لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى اللّه كلمتهم عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير ـ ولو في تخفيف ظلمهم ـ يجب عليهمذلك، ولو فرض العكس ـ بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبة له ـ لابدّ منملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ.
ومع عدم محذور آخر ـ حتّى احتمال كون عشرتهم موجباً لشوكتهم وتقويتهم،وتجرّيهم على هتك الحرمات، أو احتمال هتك مقام العلم والروحانيّة، وإساءةالظنّ بعلماء الإسلام ـ وجبت لذلك المقصود1.
1ـ لو كان في إعراض العلماء عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثيرولو في تخفيف ظلمهم، كما مرّ في المسألة السابقة، وجب عليهم الإعراضوالهجر، ولو كان المفروض عكس ذلك؛ بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهمموجبة لاحتمال التأثير ولو كذلك، لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانبالأهمّ، ومع عدم شيء من المحذورين تجب العشرة لذلك المقصود، والمحذورانعبارة:
1ـ عن احتمال كون عشرتهم موجباً لشوكتهم وتقويتهم وتجرّيهم على هتكالحرمات الإلهيّة.
2ـ وعن احتمال هتك مقام العلم والروحانيّة، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام،وقد عرفت(1) اتّصال عقائد المسلمين سيّما الضعفاء بهم.