(صفحه204)
ثمّ قوّى التفصيل بين ما لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانومتعدّدين، بعدم الثبوت فيه، وبين غيره بالثبوت.
والظاهر أنّ الوجه فيه تعدّد الشركاء بنحو الوضوح في الصورة الاُولى،والتعدّد مانع عن الثبوت، بخلاف ما إذا لم يكن الوقف كذلك؛ بأن كان علىجهة عامّة، كالفقراء أو العلماء مثلاً، أو كان على الشخص ولم يكن متعدّداً، فإنّمجرّد الوقفيّة لايقدح في شمول أدلّة الشفعة، ولكنّ الظاهر عدم الثبوت مطلقاً؛للشكّ في الاندراج، وكون الشفعة على خلاف الأصل.
(صفحه 205)
مسألة 8 : يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادراً على أداء الثمن، فلا شفعةللعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلاّ أن يرضى المشتري بالصبر، بل يعتبر فيهإحضار الثمن عند الأخذ بها، ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره، فإن كانفي البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادةنقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيداً جدّاً يتضرّرالمشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له1.
1ـ الأصل في ذلك ـ مضافاً إلى الأصل، وما حكي عن مجمع الفائدةوالبرهان للأردبيلي؛ من أنّ دليل اشتراط القدرة في الشفعة على الثمنولوبالقرض وبيع شيء آخر، وسقوطها مع العجز، يمكن أن يكون إجماعاً(1) رواية عليّ بن مهزيار.
قال: سألت أبا جعفر الثاني عليهالسلام عن رجل طلب شفعة أرض، فذهب علىأن يحضر المال فلم ينضّ(2)، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها،أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه بالمصرفلينتظر به إلى ثلاثة أيّام، فإن أتاه بالمال وإلاّ فليبع، وبطلت شفعته فيالأرض، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدارما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف، وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم، فإنوافاه وإلاّ فلا شفعة له(3).
بناءً على كون المراد من طلب شفعة الأرض هو طلبها بعد بيع الصاحب
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 9: 19 ـ 20.
- (2) نضّ الدَّين: تيسّر، الصحاح 1: 866 .
- (3) تهذيب الأحكام 7: 167 ح739، وعنه وسائل الشيعة 25: 406 كتاب الشفعة ب10 ح1.
(صفحه206)
الأصلي؛ لعدم تحقّق الاستحقاق قبل البيع، مع أنّ الشفعة الحقيقيّة لا تتحقّق إلبالبيع، كما عرفت(1) من تعريفها. وعليه: فالمراد بصاحب الأرض في الروايةهو المشتري. وعليه: فالمراد بالشريك المضاف إليه هو الشفيع، والتعبيربالبطلان إنّما يؤيّد هذا المطلب، ولعلّ هذا ظاهر الرواية.
وكيف كان، فالتفصيل في مثل المتن بين ما إذا كان في البلد فينتظر ثلاثةأيّام، وبين ما إذا كان في بلد آخر فينتظر مضافاً إلى الثلاثة مقدار المسافرةوالانصراف مع نقل المال ـ وإن كان في تعبير المتن مسامحة ـ لابدّ وأن يكونمستنداً إلى رواية، ولا رواية ظاهراً في المسألة غير الرواية المتقدّمة(2)،ولأجلها يمكن أن يقال بالانجبار لو كان فيها قصور من حيث الاعتبار.
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا شفعة للعاجز عن الثمن مطلقاً وإن أتى بالضامنأو الرهن، إلاّ مع رضا المشتري؛ لأنّه طرف الحقّ.
وأمّا ما اُفيد في الذيل من أنّه إذا كان البلد بعيداً يتضرّر المشتري بتأجيلهفلا شفعة فيه، فلعلّ الوجه فيه أنّ المنساق من الرواية صورة عدم التضرّر؛لأجل ما ذكر، ويؤيّده الاعتبار كما لا يخفى.
نعم، في محكيّ مجمع البرهان بعد أن ذكر أنّ وجه ذلك نفيه عقلاً ونقلاً،قال: ولكنّه غير ظاهر؛ لأنّا نجد وقوعه في الشرع كثيراً، فليس له ضابطواضح، خصوصاً مع وجود النصّ(3).
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 9: 21.
(صفحه 207)
قلت: قد مرّ(1) غير مرّة أنّ حديث نفي الضرر لا ارتباط له بالأحكام،والرواية منصرفة عن صورة الضرر، كما عرفت.
- (1) سيرى كامل در اصول فقه 13: 544 ـ 603، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج1: 105 ـ 107، 254، 274، 291 و 493 ـ 494، وكتاب الإجارة: 229 ـ 230، 340 ـ 342 و 500 ـ 501،وكتاب القضاء والشهادات: 17، 90، 151، 354 و 499، وثلاث رسائل: 111 ـ 112.
(صفحه208)
مسألة 9: يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلماً، فلا شفعة للكافرعلى المسلم وإن اشتراه من كافر، وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر1.
1ـ والدليل على أنّه يشترط الإسلام في الشفيع إذا كان المشتري مسلمـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه(1)، بل عليه الإجماع(2) ـ قوله ـ تعالى ـ : «لَنيَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَـفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(3). ومن الواضح: أنّ الشفعةالراجعة إلى أخذ المبيع من يد المشتري بثمنه سبيل له عليه، فاللاّزم أن يكونمسلماً إذا كان المشتري كذلك، مضافاً إلى قوله: الإسلام يعلو ولايعلى عليه(4).
وأمّا العكس فلا، كما أنّه تثبت للشريك الكافر إذا كان المشتري مثله؛للإطلاقات، وما في الرواية من أنّه ليس لليهودي والنصراني شفعة(5) منالإطلاق، محمول على ما إذا كان المشتري مسلماً؛ للإجماع كما في الجواهر(6).
- (1) المبسوط 3: 139، جواهر الكلام 37: 294.
- (2) الانتصار: 452 ـ 453، الخلاف 3: 453 ـ 454 مسألة 38، المبسوط 3: 139، غنية النزوع: 234، السرائر2: 387 ـ 388، تذكرة الفقهاء 12: 212 مسألة 714، مسالك الأفهام 12: 278، مجمع الفائدة والبرهان9: 26، مفاتيح الشرائع 3: 77، مفتاح 925، رياض المسائل 12: 310.
- (4) الفقيه 4: 243 ح778، وعنه وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الارثب1 ح11، وص125 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب15 ح2.
في مستدرك الوسائل 17: 142 ح20985، عن عوالي اللئالي 1: 226 ح118، وج3: 496 ح15، وفيصحيح البخاري 2: 118 ب79، الإسلام يعلوا ولا يُعلى.
- (5) الكافي 5: 281 ح6، تهذيب الأحكام 7: 166 ح737، الفقيه 3: 45 و 46 ح157 و 160، وعنها وسائلالشيعة 25: 401، كتاب الشفعة ب6 ح1 و 2.
- (6) جواهر الكلام 37: 293 ـ 294.