(صفحه254)
مسألة 15: يصحّ الصلح عن دين بدين، حالّين أو موءجّلين، أو بالاختلاف،متجانسين أو مختلفين؛ سواء كان الدينان على شخصين، أو على شخص واحد،كماإذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة، ولعمرو عليه وزنة شعير، فصالح مع عمروعلى ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلاّ في المتجانسين ممّيكال أو يوزن مع التفاضل.
نعم، لو صالح عن الدين ببعضه، كما إذا كان له عليه دارهم إلى أجلٍ، فصالح عنهبنصفها حالاً، فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاءبالناقص، كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة، لا المعاوضة بينالزائد والناقص1.
1ـ يصحّ الصلح عن الدين بالدين في جميع الصور والفروض المذكورة فيالمتن، فالحكم في الجميع الصّحة إلاّ فيما استثناه؛ وهو المتجانسان ممّا يكالأو يوزن مع التفاضل؛ يعني العلم بالتفاضل، كما عرفت في المسألة السابقة،وقد استدرك ما لو صالح عن الدين ببعضه، كما إذا كان له عليه دراهمإلى أجل، فصالح عليها بنصفها حالاًّ؛ فإنّ فيه صورتين:
إحداهما: ما إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاءبالناقص، وقد نفى البأس عنه؛ لأنّه لا يكون في البين إلاّ الإسقاط بالإضافةإلى الزيادة والاكتفاء بالناقص، وقد جعل هذه الصورة هو المقصود المتعارففي نحو هذه المصالحة.
ثانيتهما: ما إذا كان المقصود المعاوضة بين الزائد والناقص؛ فإنّه منمصاديق المسألة السابقة الّتي حكم فيها بالبطلان، وليعلم أنّ طرفي المعاوضةفي مثل هذه الأزمنة والأمكنة، حيث يكون مثل الاسكناس، أوالريال،
(صفحه255)
أو الدولار، وهي لا تكون من المكيلات أو الموزونات، بل معدودة منالمعدودات، فلا تجري الربا المعاوضي فيه بوجه على كلتا الصورتين ولوتحقّقبينهما البيع فضلاً عن الصلح، حتّى مع العلم بالتفاضل، وهو المتعارف المسمّىبـ «اسكوند» في التعبير غير العربي، وهو الرائج في أسواق المتشرّعة، سيّما فيبعض أصنافهم.
(صفحه256)
مسألة 16: يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المالوالربح للآخر والخسران عليه1.
1ـ الأصل في هذه المسألة الرواية الصحيحة عن أبي عبداللّه عليهالسلام في رجليناشتركا في مال فربحا فيه ربحاً، وكان من المال دين وعليهما دين، فقال أحدهملصاحبه: أعطني رأسالمال ولكالربح وعليكالتوى، فقال: لابأس إذااشترطا،فإذا كان شرط يخالف كتاباللّه ـ عزّ وجلّ ـ فهو ردّ إلى كتاباللّه عزّ وجلّ(1).وقد رواها في الوسائل في باب واحد بعنوان أربع روايات مع اختلاف يسير،وبناءً على مبنانا الرواية واحدة غير متعدّدة، بل الأسانيد كذلك.
والظاهر أنّ المراد من قوله: «فقال أحدهما» إلخ، عند انتهاء الشركة،أوإرادة الفسخ، وليس المراد البقاء بهذه الصورة؛ فإنّه ينافي كلمة «أعطنيرأس المال» الّتي يكون المراد منها أعطني رأس مالي، والإعطاء تنافي استمرارالشركة.
وأمّا نفي البأس عند اشتراطهما، فربما يتوهّم أنّ المراد هو الاشتراط في أوّلعقد الشركة، مع أنّه كما في الجواهر(2) لا قائلٌ به، بل المراد بقرينة إضافةالاشتراط إلى الطرفين، التراضي المتعقّب باللزوم كالصلح ونحوه، فتدلّ علىنفي البأس مع الصلح.
إنّما الكلام في الجملة الأخيرة التي فرّعها عليه؛ وهي قوله عليهالسلام : «فإذا كانشرط» إلخ، فإن اُريد بها بيان الضابطة الكلّيّة؛ وهي أنّ كلّ شرط يخالف
- (1) الكافي 5: 258 ح1، الفقيه 3: 144 ح637، تهذيب الأحكام 6: 207 ح476، وج7: 186 ح823 ، وعنهوسائل الشيعة 18: 444، كتاب الصلح ب4 ح1.
- (2) جواهر الكلام 26: 220.
(صفحه257)
كتاب اللّه فهو ردّ إلى كتاب اللّه، فالظاهر حينئذٍ أن يكون الشرط مرفوعاً،و«كان» تامّة لا ناقصة، مع أنّ مثل هذا التعبير وقع في دليل «المؤمنون عندشروطهم إلاّ ما خالف كتاب اللّه»(1). وأمّا في دليل الصلح، فالمستثنى «ماأحلّحراماً، أو حرّم حلالاً»(2).
وإن كان اسم «كان» ضميراً راجعاً إلى مورد السؤال، فهو لا يجري فيهاحتمالان، بل المجرى هي الضابطة. وعليه: فيشكل المراد من هذه الجملة،ولأجله يشكل أن يكون المراد بالاشتراط هو الاصطلاح، وذكر الرواية فيأبواب الصلح لا شاهد عليه.
والأقرب في معنى الرواية ما حكي عن المحدّث البحراني(3) من التصريحبظهور النصوص في وقوع ذلك في أثناء الشركة وإن بقيت مستمرّة، بل جعلذلك ظاهر إطلاق العبارات، لكن نظره إلى كون المراد من الاشتراط هوالمصالحة، وهو بعيد كما عرفت؛ وإن كان مفروغاً عنه عند أكثرهم، سيّمالشهيد في الدروس(4). ولكنّ المصالحة في المقام بنحو ما في المتن جائزة لا مانعمنها، ولا حاجة فيها إلى دليل خاصّ أصلاً.
- (1) ليس لرواية «المؤمنون عند شروطهم» ذيل، بل المذكور في ذيل رواية «المسلمون عند شروطهم»هكذا: إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ، فلا يجوز، ونحوه، فيلاحظ وسائل الشيعة 18: 16 ـ 17،كتاب التجارة، أبواب الخيار ب6.
- (2) الفقيه 3: 20 ح52، وعنه وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح ب3 ح2.
- (3) الحدائق الناضرة 21: 100.
- (4) الدروس الشرعيّة 3: 333، الرابعة.
(صفحه258)
مسألة 17: يجوز للمتداعيين ـ فى دين، أو عين، أو منفعة ـ أن يتصالحا بشيءمن المدّعى به، أو بشيء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى،وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديدالدعوى.
لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهراً، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه،فلو ادّعى ديناً على غيره فأنكره فتصالحا على النصف، فهذا الصلح موجب لسقوطدعواه، لكن إذا كان محقّاً بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولة بالنصف وإن كان معقتدلعدم محقيّته، إلاّ إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعاً، وإن كان مبطلواقعاً يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلاّ مع فرض طيب نفسه واقعاً، لا أنّ رضاهلأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة1.
1ـ قد عرفت في المسألة الخامسة إمكان تعلّق الصلح بحقّ ولو لم يثبت،وقد وقع التعرّض في هذه المسألة أنّه يجوز للمتداعيين في دين، أو عين،أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدّعى به، أو بشيء آخر حتّى مع إنكارالمدّعى عليه، وثمرة هذه المصالحة سقوط حقّ الدعوى، بحيث لا يكونللمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى، وسقوط حقّ اليمين الّذي كان للمدّعيعلى المنكر.
لكن ذكر هاهنا أنّ هذا فصلاً ظاهريّاً ينقطع به الدعوى ظاهراً ولا ينقلبالواقع عمّا هو عليه، كالمثال الّذي ذكره في المتن ممّا يرجع إلىبقاء ذمّة المدّعىعليه مشغولة بالنصف، إلاّ إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعاً،وحرمة ما أخذه من المنكر إن كان مبطلاً واقعاً، إلاّ مع فرض طيب نفسهواقعاً.