(صفحه176)
مسألة 29: في الموارد الّتي جاز الضرب والجرح والقتل إنّما يجوز بينه وبيناللّه، وليس عليه شيء واقعاً، لكن في الظاهر يحكم القاضي على ميزان القضاء،فلوقتل رجلاً وادّعى أنّه رآه مع امرأته، ولم يكن له شهود على طبق ما قرّره الشارع،يحكم عليه بالقصاص، وكذا في الأشباه والنظائر1.
1ـ كان المفروض في المسألة المتقدّمة مقام الثبوت، وأنّه يجوز له قتلهما معإحراز أمرين فيما بينه وبين اللّه تعالى، ولا يكون حينئذٍ عليه شيء واقعاً. وأمّالمفروض في هذه المسألة، فهو مقام الإثبات، فلو قتل رجلاً وادّعى أنّه يزنيبامرأته، فلابدّ عليه من إقامة الشهود على ذلك، ومن الممكن كذبه في هذهالدعوى، كما أنّه من الممكن إنكار ورثة الرجل الزنا بزوجته، أو إنكار ورثةالزوجة كونها مطاوعة له، فاللاّزم إذا أراد التخلّص عن حكم القاضيبالقصاص مثلاً إثبات ما ادّعاه؛ وإن كان من الممكن صدقه وعدم ثبوت شيءعليه.
لكن الميزان بحسب الظاهر ومقام الإثبات هو حكم القاضي وإجراءمقرّرات باب القضاء، كما في الأشباه والنظائر.
وفي الصحيح: أنّ داود بن فرقد قد سمع الصادق عليهالسلام يقول: إنّ أصحابرسول اللّه عليهالسلام قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدت على بطن امرأتك رجلما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فقال:ماذا يا سعد؟
قال سعد: قالوا: لووجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به؟فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، وكيف بالأربعة الشهود؟ فقال:
(صفحه177)
يا رسول اللّه بعد رأي عيني وعلم اللّه أن قد فعل؟ قال: أي واللّه بعد رأىعينك وعلم اللّه أن قد فعل؛ لأنّ اللّه قد جعل لكلّ شيء حدّاً، وجعل لمنتعدّى ذلك الحدّ حدّاً(1).
- (1) الكافي 7: 176 ح12، تهذيب الأحكام 10: 3 ح5، الفقيه 4: 16 ح25، المحاسن 1: 428 ح988، وعنهوسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامة ب2 ح1،وفي بحار الأنوار 79: 43 ـ 44 ح29 عن المحاسن.
(صفحه178)
مسألة 30: من اطّلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم، فلهمزجره ومنعه، بل وجب ذلك، ولو لم ينزجر جاز دفعه بالضرب ونحوه، فلولمينزجرفرموه بحصاة أو غيرها حتّى الآلالات القتّالة، فاتّفق الجناية عليه كانت هدرولو انجرّ إلىالقتل، ولو باد روا بالرّمي قبلالزجر والتنبيه ضمنوا على الأحوط1.
1ـ من اطّلع على عورات قوم متعمّداً بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم،فالواجب أوّلاً: زجره ومنعه عن ذلك، ولو لم يتحقّق الانزجار تصل النوبةإلى الضرب ونحوه، فلو لم يؤثّر فيه ولم ينزجر جاز رميه بالحصاة وبالآلاتالقتّاله، ولو اتّفقت الجناية تكون هدراً ولو انجرّت إلى القتل، كمافي سائرالموارد.
بل لعلّه هنا أولى؛ لأنّ النظر مقصور على مستورية العورات، فالاطّلاععليها عمداً بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم من النساء والبنات وغيرهما؛سواء كان من فوق الجدار، أو من الثقب الموضوعة فيه أو في الباب، يكونحكمه متّصفاً بالشدّة، وإلاّ ربما يزول الاطمئنان ويتحقّق الاضطراب الكامل،ومع ذلك يدلّ عليه روايات:
منها: رواية فتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليهالسلام في رجل دخل دارآخر للتلصّص أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا؟ فقال: إعلم أنّمن دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شيء(1).
والظاهر أنّه لا فرق بين دخول الدار لهذا الغرض، أو الاطّلاع على عورات
- (1) الكافي 7: 294 ح16، تهذيب الأحكام 10: 209 ح825 ، وعنهما وسائل الشيعة 29: 70، كتاب القصاص،أبواب القصاص في النفس ب27 ح2.
(صفحه179)
القوم بقصد النظر إلى ما يحرم منهم.
نعم، لو بادر بالرمي قبل الزجر والتنبيه، ففي المتن يكون مقتضى الاحتياطاللزومي الضمان؛ لأنّه كان من الممكن تحقّق الانزجار بالزجر أوالتنبيه،كما لا يخفى.
(صفحه180)
مسألة 31: لو زجره فلم ينزجر جاز رميه بقصد جرحه لو توقّف الدفع عليه،وكذا بقصد قتله لو توقّف عليه1.
مسألة 32: لو كان المطّلع رحماً لنساء صاحب البيت، فإن نظر إلى ما جاز نظرهإليه من غير شهوة وريبة لم يجز رميه، فلو رماه وجنى عليه ضمن2.
1ـ هذه المسألة كأنّها تكرار لما سبق؛ لأنّه قد تقدّم أنّ اللاّزم أوّلاً: الزجرلينزجر، وثانياً: التنبيه، والمقصود هنا أنّه لو توقّف الدفع على الجرح أو القتليجوز رميه في الأوّل بقصد الجرح، وفي الثانى بقصد القتل، وكان ذلك مستفادمن بعض المسائل السابقة(1).
2ـ لو كان المطّلع رحماً لنساء صاحب البيت، كالعمّ والخال، فإن كان نظرهمقصوراً على ما جاز نظره إليه، ولم يكن هناك شهوة وريبة، فمقتضى ما ذكرنعدم جواز رميه بوجه، ولو رماه مع هذه الحالة، فقد جنى عليه ويكونضامناً؛ لعدم تحقّق الحرام منه بوجه.