(صفحه129)
وقد عرفت(1) في أوّل الكتاب أنّه حيث كتب الإمام الماتن هذا الكتاب في أيّامالإقصاء عن وطنه في زمن الطاغوت، وفي حال مجاهدته له، وكانت الاُمور فيتلك الحال في غاية الصعوبة والاندماج، وكان الإمام مبتلى بالمسائل المذكورةفي المتن، وببعض من الروحانيّين المتقرّبين إلىالطاغوت، وأحسّ ضرر هذهالاُمور، فلذا قد تعرّض قدسسره لمسائله بما رأيت مع خلوّ الكتب الفقهيّةعن التعرّض لهذه الموارد، والآن بحمد للّه اندثرت تلك الابتلاءات ببركة الثورةالإسلاميّة، الّتي فجّرها قدّس سرّه الشريف.
- (1) في ص83، وراجع تحرير الوسيلة 1: 7، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهادوالتقليد: 7.
(صفحه130)
ختام، فيه مسائل:
ختام: فيه مسائل
مسألة 1: ليس لأحد تكفّل الاُمور السياسيّة، كإجراء الحدود، والقضائيّةوالماليّة، كأخذ الخراجات والماليّات الشرعيّة، إلاّ إمام المسلمين عليهالسلام ومن نصبهلذلك1.
مسألة 2: في عصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر ـ عجّل اللّه تعالى فرجهالشريف ـ يقوم نوّابه العامّة ـ وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليهالسلام إلاّ البدأة بالجهاد2.
1 ، 2ـ قال في الجواهر: فلا خلاف أجده في الحكم هنا(1)، بل عن الغنية(2)والسرائر الإجماع عليه، بل في المحكي عن الثاني دعواه من المسلمين، قال:والإجماع حاصل منعقد من أصحابنا ومن المسلمين جميعاً: أنّه لا يجوز إقامةالحدود، ولا المخاطب بها إلاّ الأئـمّة عليهمالسلام والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك.وأمّا غيرهم، فلايجوز له التعرّض لها على حال، فلا يرجع عن هذا الإجماعبأخبار الآحاد، بل بإجماع مثله، أو كتاب اللّه تعالى، أو سنّة متواترة
(1) وفي حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع مع حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 310، لا خلاف فيه.
(2) غنية النزوع: 425.
(صفحه131)
مقطوع بها(1)، إنتهى(2).
مع أنّ هنا نصوصاً مذكورة في كتاب الحدود(3)، مضافاً إلى أنّ غير الفقيهالجامع للشرائط لا يكون عالماً بالخصوصيّات المعتبرة في هذه الاُموروبأحكام القضاء، وربما لا يجري الحدّ الشرعيّ أو لا يحكم بالقضاء الشرعيلأجل الفسق وعدم العدالة، فيلزم الفساد العظيم، والهرج والمرج الشديد.
ففي عصر الحضور وبسط يده عليهالسلام يكون المتصدّي لهذه الاُمور الإمام عليهالسلام ،أومن نصبه لخصوص ذلك، وليس مثل الحدود، كبعض مراتب الأمر والنهيالمستلزم للجرح أو القتل، كما ذكرناه آنفاً(4)؛ لأنّه ـ مضافاً إلى أنّا اخترنا تبعللمحقّق قدسسره في الشرائع أنّ الأظهر فيهما أيضاً إذن الإمام عليهالسلام علىما عرفت(5) ربما يفرّق بينهما، بأنّ الحدّ مطلوب شرعاً لذاته من حيث إنّه حكم شرعيّمتعلّق بمنصب الإمامة، فلابدّ من إذن الإمام عليهالسلام .
وأمّا الجرح والقتل؛ فإنّهما مطلوبان لامتثال الأمر والنهي لا لذاتهما،فلا يشترطان بإذن الإمام عليهالسلام كالدفاع، ولذا وقع الخلاف في الأوّل دون الثاني،وكيف؟ فاستثناء الجهاد البدوي في ذيل المسألة الثانية يدلّ على أنّ الجهاد إذكانللدفاع عنبيضةالإسلام، فلايكون مشروطاً بإذنالإمام عليهالسلام كماسيجيء(6)،وأمّا إذا كان بدويّاً فاللاّزم إذنه الخاصّ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه.
- (2) جواهر الكلام 22: 658 ـ 659.
- (3) راجع وسائل الشيعة 28: 49 ـ 50، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّةب28، وص56 ـ 58 ب32.
(صفحه132)
مسألة 3: يجب كفاية على النوّاب العامّة القيام بالاُمور المتقدّمة مع بسط يدهموعدم الخوف من حكّام الجور، وبقدر الميسور مع الإمكان1.
1ـ قد عرفت في المسألة السابقة أنّه في عصر الغيبة يقوم بالاُمورالمذكورة في المسألة الاُولى النوّاب العامّة، الذين هم الفقهاء الجامعونللشرائط، فأعلم أنّ تصدّيهم في عصر الغيبة لهذه الاُمور إنّما يجب عليهم كفايةمع بسط يدهم، وعدم الخوف من حكّام الجور بقدر الميسور مع الإمكان؛لأنّها من الاُمور الحسبيّة الّتي يكون وجودها مطلوباً للشارع، وليس منوظيفة غيرهم على ما عرفت.
(صفحه133)
مسألة 4: يجب على الناس كفاية مساعدة الفقهاء في إجراء السياساتوغيرها؛ من الحسبيّات الّتي من مختصّاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان، ومع عدمهفبمقدار الميسور الممكن1.
1ـ حيث إنّ أكثر تلك الاُمور الحسبيّة بل جلّها لو لا كلّها لا يمكنتحقّقها من شخص واحد، فالواجب حينئذٍ على الناس كفاية مساعدة الفقهاءفي إجراء تلك الاُمور؛ من إجراء السياسات وغيرها من الحسبيّات الّتيهي من وظيفة الفقيه ومختصّاته مع الإمكان، ومع عدمه فبمقدار الميسورالممكن، وقد ذكرنا في كتاب القضاء أنّه لا يلزم أن يكون المتصدّي لهبالمباشرة هو الفقيه الجامع(1).
كيف؟ ولا يمكن ذلك حتّى في عصرنا الّذي زالت فيه حكومة الطاغوت،وحلّت محلّها حكومة إسلاميّة شيعيّة، والقضاء يجرى على موازين الإسلام،وقلنا بأنّه يكفي أن يكون القاضي عالماً بأحكام القضاء، عادلاً في حكمه،وأن كان مأذوناً من قبل الفقيه الجامع وإن لم يكن بنفسه فقيهاً.
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء والشهادات: 42 ـ 48.