(صفحه99)
مسألة 22: لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيه ـ شرعأو عقلاً ـ لا يجب بل لا يجوز الإنكار1.
مسألة 23: لو احتمل كون المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيذلك لا يجب الإنكار، بل يشكل، فمع احتمال كون المفطر في شهر رمضان مسافرمثلاً لا يجب النهي، بل يشكل. نعم، لو كان فعله جهراً موجباً لهتك أحكام الإسلام،أو لجرأة الناس على ارتكاب المحرّمات يجب نهيه لذلك2.
1ـ لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيه ـ شرعأو عقلاً ـ لا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإضافة إليه؛ لعدم كونهتاركاً للمعروف الواجب عليه، ولا مرتكباً للحرام المنهيّ عنه بعد ثبوت العذرالشرعي في الترك، وكذا الفعل، بل بهذه الملاحظة لا يجوز الإنكار أصلاً،كما لا يخفى.
2ـ لو احتمل احتمالاً عقلائيّاً كون المرتكب للحرام أو التارك للواجبمعذوراً كذلك في عمله، فلا يجب الإنكار بعد عدم إحراز كون الموضوع منكرفعلاً أو تركاً، بل قد استشكل في المتن، والظاهر أنّ مراده الإشكال في أصلالجواز؛ لحرمة المؤمن، وعدم جواز هتكه بدون إحراز صدور المنكر منه.
ففي المثال المذكور في المتن لا يجب، بل يشكل الجواز، إلاّ أنيكون فعلهجهراً موجباً لانطباق عنوان محرّم آخر من هتك أحكام الإسلام، أو جرأةالناس على ارتكاب الحرام، يجب نهيه لذلك.
(صفحه100)
مسألة 24: لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معتقداً جواز ذلك وكانمخطئاً فيه، فإن كان لشبهة موضوعيّة ـ كزعم كون الصوم مضرّاً به، أو أنّ الحرامعلاجه المنحصر ـ لا يجب رفع جهله ولا إنكاره. وإن كان لجهل في الحكم، فإن كانمجتهداً أو مقلّداً لمن يرى ذلك، فلا يجب رفع جهله وبيان الحكم له، وإن كانجاهلاً بالحكم الّذي كان وظيفته العمل به، يجب رفع جهله وبيان حكم الواقعة،ويجب الإنكار عليه1.
1ـ لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معتقداً جواز ذلك وكانمخطئاً فيه، ففيه صورتان:
إحداهما: ما إذا كانت الشبهة موضوعيّة، كالمثالين المذكورين في المتن، ففيهذه الصورة لا يجب رفع جهله ولا إنكاره، وقد قام الإجماع(1) ووردت بعضالروايات في أنّ الشبهة الموضوعيّة ولو كانت مشكوكة لا يجب الفحص فيهوإن كان ميسوراً جدّاً.
ففي الصحيحة الثانية(2) لزرارة، من أدلّة حجّية الاستصحاب المذكورة فيعلم الاُصول(3)، المشتملة على أسئلة متعدّدة وأجوبة كذلك، قد وقع السؤالفيها عن احتمال بلوغ دم الرعاف العباء الّذي قد لبسه، فهل يجب النظر فيهوالتفحّص عنها؟ ووقع الجواب بعدم وجوب النظر، مع أنّ الفحص عن
- (1) مبادئ الوصول إلى علم الاُصول: 251، فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 3: 53 ـ 55.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 421 ح1335، الاستبصار 1: 183 ح641، علل الشرائع: 361 ب80 ح1، وعنهوسائل الشيعة 3: 477 و 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب41 ح1، وب42 ح2.
- (3) فرائد الاُصول، تراث الشيخ الأعظم 3: 58، كفاية الاُصول: 445، فوائد الاُصول 4: 340، نهاية الأفكار4: 45، سيرى كامل در اصول فقه 14: 184.
(صفحه101)
اللباس الّذي لبسه كان أيسر شيء جدّاً.
وكيف كان، ففي مفروض المقام الّذي تكون الشبهة الموضوعيّة مقرونةباعتقاد الجواز لا مجال لوجوب الإنكار، بل لجوازه أصلاً.
ثانيتهما: ما إذا كان لجهل في أصل الحكم، وفي هذه الصورة فرضان:
الأوّل: ما إذا كان مجتهداً بنفسه أو مقلّداً لمن يرى الجواز، وفي هذا الفرضلا يجب رفع جهله وبيان الحكم له؛ لاعتقاده اجتهاداً أو تقليداً عدم كونهمرتكباً للحرام، أو تاركاً للواجب، ويكون منشأ اعتقاده ثبوت حجّة شرعيّةله من الاجتهاد أو تقليد المجتهد، كما لا يخفى.
الثاني: ما إذا أحرز كونه جاهلاً بالحكم الّذي يكون وظيفته العمل به، ففيالحقيقة يعمل على خلاف وظيفته، وفي هذا الفرض يجب رفع جهله وإنكاره.
(صفحه102)
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
القول في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فإنّ لهما مراتباً لا يجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب منالمرتبة الدانية، بل مع احتماله1.
المرتبة الاُولى: أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر، وأنّهطلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات: كغمض العين،والعبوس، والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وتركمراودته، ونحو ذلك2.
1ـ لا إشكال بل لا خلاف(1) في ثبوت المراتب الثلاث للأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، ولا يجوز التعدّي من مرتبة إلى اُخرى مع حصول المطلوبمن المرتبة الدانية قطعاً، بل ولو احتمالاً؛ لعدم إحراز ترك المعروف وفعل المنكرمع احتمال تأثير المرتبة الدانية في الفرض.
2ـ ذكر المحقّق قدسسره في الشرائع(2) أنّ المرتبة الاُولى من المراتب المذكورة هو
- (1) جواهر الكلام 22: 639، وهو خيرة النهاية: 299، والمختصر النافع: 192، ومنتهى المطلب15: 241 ـ 242، وقواعد الأحكام 1: 525، وتذكرة الفقهاء 9: 443 ـ 444، والتنقيح الرائع 1: 593 ـ 595،ومسالك الأفهام 3: 103 ـ 104، ومجمع الفائدة والبرهان 7: 539 ـ 542، وكتب كثيرة اُخرى.
- (2) شرائع الإسلام 1: 343.
(صفحه103)
الإنكار بالقلب، وقد تبع في ذلك بعض الروايات الّتي ظاهرها ذلك(1). ومنالمعلوم أنّ مجرّد ذلك لا يوجب صدق عنواني الأمر والنهي؛ لأنّ ذلك أمرباطنيّ قلبيّ، ولا يطّلع عليه غيره.
فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد ما أفاده في المتن من أن يعمل عملاً خارجيّلا يكون مفاده مجرّد عدم الرضا بذلك، بل كان ظاهراً في الانزجار القلبي عنالمنكر في أنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات مذكورةفي المتن، وهذا ينطبق عليه العنوانان، ويظهر ذلك من بعض الروايات، مثل:
ما حكي عن أمير المؤمنين عليهالسلام من أنّه قال: أمرنا رسولاللّه صلىاللهعليهوآله أن نلقي أهلالمعاصي بوجوهٍ مكفهرّة(2).
وعن أبي عبداللّه عليهالسلام : أنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم، وكيفلا يحقّ لي ذلك؟! وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه، ولتهجرونه، ولا تؤذونه حتّى يترك(3).
وغير ذلك من الروايات(4) الّتي يساعدها الاعتبار أيضاً.
- (1) وسائل الشيعة 16: 137 ـ 143، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب5.
- (2) الكافي 5: 58 ح10، تهذيب الأحكام 6: 176 ح356، وعنهما وسائل الشيعة 16: 143، كتاب الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب6 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 6: 181 ح375، المقنعة: 809 ، وعنهما وسائل الشيعة 16: 145، كتاب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب7 ح4.
- (4) وسائل الشيعة 16: 144 ـ 145، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهى ب7ح1، 2 و 3.