(صفحه82)
مسألة 6: لو كان المعروف والمنكر من الاُمور الّتي يهتمّ به الشارع الأقدس،كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين، وهتك نواميسهم، أو محو آثار الإسلام ومحوحجّته بما يوجب ضلالة المسلمين، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام، كبيت اللّه الحرامبحيث يُمحى آثاره ومحلّه، وأمثال ذلك، لابدّ من ملاحظة الأهمّية، ولايكون مطلقالضرر ـ ولو النفسي ـ أو الحرج موجباً لرفع التكليف، فلو توقّفت إقامة حججالإسلام بما يرفع بها الضلالة على بذل النفس أو النفوس، فالظاهر وجوبه، فضلعن الوقوع في ضرر، أو حرج دونها1.
1ـ لو كان المعروف المتروك والمنكر المفعول من الاُمور الّتي يهتمّ به الشارعالأقدس جدّاً، وكانا في مرتبة مهمّة لا يقاس بهما كثير من الاُمور، كالأمثلةالمذكورة في المتن، فلابدّ حينئذٍ من لحاظ الأهمّية، ولا يكون الضرر ـ ولو كانبالغاً حدّ الحرج، أو كان نفسيّاً ـ موجباً لرفع التكليف.
ولهذه الجهة بارز الإمام الماتن قدسسره الطاغوت في زمنه؛ لأنّه كان بصدد هدمالإسلام، وقطع اُصوله وفروعه بأمر من الأجنبي العنود، والاستكبار المستظهرباليهود. وقد استشهد في هذه المبارزة جمعٌ كثير من الروحانيّين وغيرهم،وأمر بإقصائه عن وطنه مدّة طويلة، ولكنّه مع اشتغاله بتحرير المتن أدامالمجاهدة معه، حتّى اضطرّ الطاغوت إلى الخروج من البلاد.
وبعد خروجه جاء الإمام إلى الوطن، وبنى الثورة الإسلاميّة باستعانة مناللّه، وتأييد جمع كثير من الروحانيّين وغيرهم، فتأسّست حكومة إسلاميّةشيعيّة ليس لها نظير في الأرض ـ مع سعتها ـ وفي التاريخ إلاّ زمن الإمامعليّ عليهالسلام ، الّذي كانت مدّة خلافته قليلة واشتغاله بالحروب الكثيرة المنبعثة منالمخالفين كثيراً.
(صفحه83)
مسألة 7: لو وقعت بدعة في الإسلام، وكان سكوت علماء الدين ورؤساءالمذهب ـ أعلى اللّه كلمتهم ـ موجباً لهتك الإسلام وضعف عقائد المسلمين، يجبعليهم الإنكار بأيّة وسيلة ممكنة؛ سواء كان الإنكار مؤثّراً في قلع الفساد، أم لا،وكذالو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجباً لذلك، ولا يلاحظ الضرر والحرج،بل تلاحظ الأهمّية1.
1ـ لو وقعت بدعة في الإسلام، وكان سكوت العلماء موجباً لهتك الإسلاموضعف عقائد المسلمين، يجب عليهم الإنكار بأيّ نحو كان؛ سواء كان الإنكارمؤثّراً في قلع الفساد، أم لا؛ لأنّه ـ مضافاً إلى وضوح أنّ الشارع لا يرضىأصلاً بهتك الإسلام وضعف عقائد المسلمين ـ قد ورد ما يدلّ على أنّه إذظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، وفي ذيله على ما ببالي وإلاّ فعليهلعنة اللّه(1).
وقد كان الأمر كذلك في زمن الطاغوت قبل الثورة الإسلاميّة في مملكةإيران، فقد ظهرت البدع بأنحاء مختلفة، والحكومة المستظهرة بالقدرة العالميّةكانت مبدعة لهذه البدع أو مروّجة لبعضها، ومن البدع المهمّة في ذلك الزمانكشف الحجاب عن النساء والبنات، بحيث كان يُرى أكثر مواضع أبدانهنّ،وصار الحجاب المرعيّ للنساء المؤمنات موجباً للنفرة، ودليلاً على عدمالوعي الكامل، وكان مجلسا الشورى والسنا مقنّنين للقوانين المغايرة للإسلاموالمضادّة له.
- (1) الكافي 1: 54 ح2، المحاسن 1: 361 ب17 ح776، وعنهما وسائل الشيعة 16: 269، كتاب الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب40 ح1.
(صفحه84)
وقد بالغ في المخالفة مع الروحانيّين إلى حدّ لم يوجد معمّم إلاّ قليلاً، واللاّزمعليهم الإجازة، وقد بذلوا جهدهم في تربية جماعة كثيرة على هيئة رجلالدِّين الروحاني، والفاقد لما هو معتبر فيه من العلم والعمل، بل كانوا مروّجينللطاغوت مرتزقين منه لأجل تبليغ السوء وإسقاط الروحانى الواقعي عنمقامه ومنزلته.
ثمّ إنّ الدليل على لزوم الإنكار حينئذٍ ولو لم يكن مؤثّراً في قلع الفساد، بللم يكن مؤثّراً أصلاً ـ مضافاً إلى لزوم حفظ عقائد المسلمين، والمنع من هتكالإسلام ـ شهادة التاريخ بأنّه لو لم يتحقّق الإنكار لكان المسلمون في مستقبلالزمان لعلّ بعضهم يقبل البدعة؛ نظراً إلى عدم إنكار العلماء.
(صفحه 85)
مسألة 8 : لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى اللّهكلمتهم ـ خوف أن يصير المنكر معروفاً أو المعروف منكراً، يجب عليهم إظهارعلمهم، ولايجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل، وليلاحظ الضرر والحرج مع كون الحكم ممّا يهتمّ به الشارع الأقدس جدّاً1.
مسألة 9: لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى اللّه كلمتهم تقوية للظالم وتأييد له ـ والعياذ باللّه ـ يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإظهارولو لم يكن مؤثّراً في رفع ظلمه2.
1ـ هذه المسألة عين المسألة السابقة إلاّ في مجرّد أنّ موضوعها كان هناكالبدعة وعدم إنكار المنكر، وهنا خوف صيرورة المنكر معروفاً وبالعكس.
2ـ والوجه في وجوب الإظهار عليهم ولو لم يكن مؤثّراً في رفع ظلمه،كون المفروض أنّ سكوتهم تقوية للظالم وتأييد له، والحكم ثابت ولو لم يكنمن قصدهم التقوية والتأييد له في جهة ظلمه، وقد تقرّر في المكاسب المحرّمة(1)أنّ معونة الظالمين في ظلمهم حرام ولو كان الفرد عاديّاً غير معدود من العلماءوالرؤساء.
بل قديظهر أنّ معونتهم ولو فيغير جهة ظلمهم كأداء دين ونحوه، بل محبّة
- (1) المقنعة: 589، المراسم العلويّة: 172، النهاية: 365، السرائر 2: 222، تذكرة الفقهاء 12: 143 مسألة 648،تحرير الأحكام 2: 260 الرقم 3017، الدروس الشرعيّة 3: 163، اللمعة الدمشقيّة: 61، جامع المقاصد4: 25 ـ 26، الروضة البهيّة 3: 213، رياض المسائل 8 : 79، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 53 ـ 57،المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمهالله 2: 142 ـ 158، مصباح الفقاهة 1: 654 ـ 659، تفصيل الشريعة فيشرح تحرير الوسيلة، المكاسب المحرّمة: 189.
(صفحه86)
بقائهم لأجل هذا الحقّ مبغوض، وقصّة صفوان الجمّال معروفة(1).
وأمّا العلماء والرؤساء، فحيث إنّهم يكونون اُمناء الدين وحفّاظ الشريعة،يكون تقويتهم للظالم موجبة لهتك الإسلام وتزلزل عقائد المسلمين؛ فإنّ كثيرمن الناس تكون عقائدهم تابعة لأعمالهم وطرز سلوكهم مع الظالم والفاجر،فإذا رأوا السكوت وعدم الإظهار يشتبه عليهم الأمر، ولعلّ بعضهم يتخيّلعدم كونه ظالماً، فالعلماء في هذه الجهة لهم شأن خاصّ.
ولا مجال لتوهّم أنّ محلّ سكوتهم يكون الخوف من الظالم واحتمال وقوعضرره عليهم، بل مع العلم بالضرر لا محيص من الإظهار وعدم السكوت،كمارأيناه في زمن الطاغوت من الإمام الماتن قدسسره ، كما ذكرت آنفاً، والعمدةالتوجّه إلى أنّ وقوعه في هذا المقام يوجب ثبوت تكاليف خاصّة له، ربملا يكون مثلها ثابتاً بالنسبة إلى الفرد العادي؛ لاتّصالهم بالإسلام وبعقائدالمسلمين.
- (1) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 440، الرقم 828 ، وعنه وسائل الشيعة 17: 182،كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ح17.