(صفحه264)
من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة1.
1ـ الأصل في هذه المسألة ما رواه السكوني، عن الصادق عليهالسلام في رجلاستودع رجلاً دينارين، واستودعه آخر ديناراً، فضاع دينار منهما، قال: يعطيصاحب الدينارين ديناراً، ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين(1).
والظاهر أنّها موافقة للمشهور(2)، وحكي عن المسالك أنّه استضعف السندوالدلالة؛ نظراً إلى أنّ الدينار الباقي من أحدهما خاصّة؛ للعلم بعدم الإشاعة،وأنّ الموافق للقواعد الشرعيّة القول بالقرعة، وحكى الميل إليه في الدروس(3)،إلاّ أنّه تحاشى عن مخالفة الأصحاب(4).
أقول: بعد عدم إمكان رفع اليد عن الرواية، لانجبار الضعف على تقديرهبالشهرة المسلّمة، نقول:
إنّ في موردها خصوصيّات لابدّ من ملاحظة أنّ أيّاً منها دخيل في الحكم،وأيّاً منها غير دخيل.
الاُولى: الاستيداع وأنّ كون الدينار عند غيره بهذا النحو، والظاهر أنّهلاخصوصيّة فيه، بل الملاك كونه عنده بنحو لا يكون ضامناً ـ كالغصب مثلاً ولولم يكن بنحو الاستيداع.
- (1) تهذيب الأحكام 6: 208 ح483، وج7: 181 ح797، الفقيه 3: 23 ح63، المقنع: 398، وعنها وسائلالشيعة 18: 452 كتاب الصلح ب12 ح1.
- (2) الدروس الشرعيّة 3: 333، التنقيح الرائع 2: 203 ـ 204، مسالك الأفهام 4: 266، الروضة البهيّة 4: 183،كفاية الأحكام 1: 611، مفتاح الكرامة 17: 141، رياض المسائل 9: 47، وفي جامع المقاصد 5: 437، عليهأكثر الأصحاب.
- (3) الدروس الشرعيّة 3: 334.
- (4) مسالك الأفهام 4: 266 ـ 267.
(صفحه265)
الثانية: كون الوديعة ديناراً، والظاهر أنّه لا خصوصيّة للدينار، بل تعمّالرواية مثل الدرهم، كما هو العنوان في المتن، ويحتمل التعميم لمطلق المثليّاتوإن لم يكن من النقدين، بخلاف القيميّات كالثياب والحيوانات.
الثالثة: كون الوديعة ذلك المقدار المذكور في الرواية، والظاهر أيضاً أنّهلاخصوصيّة فيه كما في المتن.
الرابعة: كون التلف بنحو الضياع، وهو أيضاً لا دخالة فيه، بل الملاكخروجه عن تحت يد الودعي ومثله بلا اختيار منه.
ويؤيّد الرواية قاعدة العدل والإنصاف، حيث إنّ الدرهم الباقي يحتملأن يكون مربوطاً بكلّ منهما، ولا مرجّح في البين، بل ولا ادّعاء ولا إنكار،فيقسّم بينهما نصفين من دون حاجة إلى اليمين أيضاً، وحينئذٍ نتعرّض لصورالمسألة المذكورة في المتن.
إحداها: صورة التساوي؛ بأن كان لكلّ منهما درهمان عند الودعي أوغيره،وقد نفى البعد عن أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛لفرض التساوي، بخلاف مورد الرواية، الّذي كان فرض عدم التساوي.
ثانيتها: صورة عدم التساوي، وفيها فرضان؛ فإنّه تارةً: يكون التالفبمقدار ما لأحدهما، وأقلّ ممّا للآخر، واُخرى: لا يكون أقلّ من كلّ منهما:
الفرض الأوّل: مورد الرواية، والحكم فيه ما ورد فيها من أنّه يعطى للآخرما زاد من ماله على التالف، ويقسّم الباقي بينهما نصفين، لكنّ الحكم لايختصّبالدرهم والدرهمين، بل يجري في جميع الموارد المشابهة، كالمثال الثاني المذكورفي المتن.
(صفحه266)
الفرض الثاني: ما يكون التالف أقلّ من كلّ منهما، وقد نفى البُعد في المتنعن أن يقال: إنّه يعطى لكلّ منهما ما زاد من ماله على التالف، ويقسّم الباقيبينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة، وللآخر أربعة، وكان التألف ثلاثة،يعطى لصاحب الخمسة اثنان، ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهمنصفين.
ووجه عدم البُعد: ما عرفت من أنّه لا خصوصيّة لمورد الرواية من حيثالمقدار، ولكنّه أفاد أنّه لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع شقوق المسألة في غيرمورد الرواية، ثمّ نفى عن جريان حكمه في مطلق المثليّين والممتازين، كمنّومنّين لو تلف منّ واشتبه الأمر، مع قوله: «ولا ينبغي ترك الاحتياط هنأيضاً».
نعم، فيما إذا كان المثليّان قابلين للاختلاط والامتزاج، كالزيت أوالحنطة،فامتزجا فتلف البعض أو سرق مثلاً، يكون التلف بنسبة المالين. نعم، لو كانالمالان قيميّين، كالثياب والحيوان، فلا موجب للتعدية عن حكم الروايةبوجه، بل اللاّزم إمّا التّصالح، وإمّا القرعة.
(صفحه 267)
مسألة 21: يجوز إحداث الروشن ـ المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عالية، بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليسلأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق، بحيثكان مانعاً عن إحداث روشن في مقابله، ما لم يضع منه شيئاً على جداره.
نعم، إذا استلزم الإشراف على دار الجار، ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنمثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط1.
1ـ قال المحقّق قدسسره في الشرائع: يجوز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق(1)النافذة إذا كانت عالية لا تضرّ بالمارّة(2).
والمراد بالطريق النافذ هو الشارع العامّ في مقابل الطريق غير النافذ،المسمّى بالدريبة، كما مرّ(3) في كتاب إحياء الموات.
وقد استدلّ على الجواز في الجواهر بالسيرة المستمرّة من المسلمين في سائرالأعصار والأمصار من زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى يومنا هذا، وقد وضع هو صلىاللهعليهوآله ميزابلدار عمّه العبّاس(4)،(5)، وليس لمسلم أن يعارضه في ذلك حتّى فيما إذا استوعب
- (1) كذا في نسخة المؤلّف قدسسره ، ولكن نسخ الشرائع التي لدينا «الطرف»، ولعلّ النسخة التي كانت عندالمؤلّف قدسسره «الطرق».
- (2) شرائع الإسلام 2: 123، وهو خيرة المهذّب 2: 508، السرائر 2: 66، وتذكرة الفقهاء 16: 41 ـ 45،مسألة 1050 ـ 1052، وتحرير الأحكام 4: 504، الرقم 6123، وإرشاد الأذهان 1: 406، وقواعد الأحكام2: 173، وجامع المقاصد 5: 414، ومسالك الأفهام 4: 275 ـ 277، وكفاية الفقه، المشتهر بـ «كفايةالأحكام» 1: 613، وكشف اللثام 11: 266، ومفتاح الكرامة 17: 63 ـ 65.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب إحياء الموات: 234، وبما أنّه كان شرح كتاب إحياءالموات مقدّماً على شرح هذا الجزء، ولذا عبّرهنا بـ «مرّ».
- (4) المسندلابنحنبل 1: 449 ح1790، السننالكبرىللبيهقي 8 : 429 ح11550، عوالىاللآلي 3: 625 ح40.
- (5) جواهر الكلام: 26: 243، وفي الخلاف 5: 290 مسألة 118، إدّعي الإجماع، وفى الدروس الشرعيّة3: 339، ولاتّفاق الناس عليه في جميع الأعصار والأمصار من غير نكر.
(صفحه268)
عرض الطريق وكان مانعاً عن إحداث روشن في مقابله. ما لم يضع منه شيئعلى جداره؛ أي بدون إذنه، وإلاّ فلا مانع أصلاً.
وقد استدرك ما إذا استلزم الإشراف على دار الجار، فقد تردّد واستشكلفي الجواز حينئذٍ، ونهى عن ترك الاحتياط ولو مع القول بجواز مثل ذلك فيتعلية البناء على ملكه، والفرق أنّ التعلية هناك إنّما تكون في ملكه وفي الفضاءالّتي تختصّ به، وأمّا في المقام، فالفضاء لا تكون ملكه ولا ملك غيره، فجوازالإشراف مشكل، والاحتياط الواجب يقتضي تركه، خصوصاً مع ملاحظةحقّ الجار.