(صفحه250)
مسألة 12: لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح فيما إذا تعذّر للمتصالحينمعرفة المصالح عليه مطلقاً، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر، ولم يعلما مقدار كلّمنهما، فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف. وكذا إذا تعذّر عليهممعرفته في الحال؛ لتعذّر الميزان والمكيال على الأظهر، بل لا يبعد اغتفارها حتّىمع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال1.
1ـ في هذه المسألة صور:
الاُولى: ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقاً؛ أي حتّى فيالاستقبال، كالمثال المذكور في المتن، وقد نفى الإشكال في أنّه يغتفر الجهالة فيالصلح في هذه الصورة(1)، ووجهه: أنّ معرفة المصالح عليه متعذّرة في الحالوالاستقبال، فلا طريق صحيحاً لوصول كلّ مالك إلى ماله غير الصلح علىالاشتراك بالتساوي أو التفاضل طبق ما توافقا عليه؛ ضرورة أنّه مع عدمالصلح لابدّ من التوسّل إلى البيع ونحوه ممّا لا يغتفر فيه الجهالة، فلامحيصعنه.
الثانية: ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه في الحال(2)؛ لفقدالميزان والمكيال مع إمكانها في الاستقبال بعد الوصول إلى أحدهما، وجعلالأظهر الاغتفار في هذه الصورة أيضاً؛ نظراً إلى أنّ الانتظار لا يكون مقدّمةللوصول أوّلاً.
وحكمة مشروعيّة الصلح، الفرار عن العقود الّتي يعتبر عدم الجهالة فيها،
- (1) مفتاح الكرامة 17: 25 ـ 26.
- (2) الدروس الشرعيّة 3: 330، مسالك الأفهام 4: 263 ـ 264، مفتاح الكرامة 17: 27 ـ 29، جواهر الكلام26: 215 ـ 217.
(صفحه251)
ويوجب التضييق في دائرتها، وإطلاق أدلّة جواز الصلح بين المسلمين(1)،والغرر المنهيّ عنه(2)، إمّا في خصوص البيع، أو في العقود ومثله، كالإجارةونحوها، فلا يشمل الصلح بوجه.
الثالثة: ما إذا أمكن للمتصالحين معرفة المصالح عليه في الحال أيضاً،وقد نفى البُعد عن الاغتفار حتّى في هذه الصورة؛ نظراً إلى ما عرفت في وجهالأظهريّة في الصورة الثانية.
ودعوى أنّ ذلك موجب للتوسّل إلى الصلح في جميع موارد فقدان العقودللشرائط المعتبرة فيها أو بعضها، مدفوعة بأنّ هذه الدعوى وإن كانتصحيحة إلاّ أنّ استلزامها لعدم الاعتقاد ممنوعة جدّاً، كما لا يخفى.
- (2) سنن ابن ماجه 3: 35 ـ 36 ب23 ح2194 و 2195، السنن الكبرى للبيهقي 8 : 247 باب النهي عن بيعالعزر ح11000 ـ 11001، عيون أخبار الرضا عليهالسلام 2: 45 ح168، وعنه وسائل الشيعة 17: 448، كتابالتجارة، أبواب آداب التجارة ب40 ح3.
(صفحه252)
مسألة 13: لو كان لغيره عليه دين، أو كان منه عنده عين، وهو يعلم مقدارهموالغير لا يعلمه، فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ، لم يحلّ له الزائد إلاّ أن يعلمهويرضى به، وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما، لكن علم إجمالاً زيادة المصالح عليهعلى مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعي على كلّ حال، بحيث لو تبيّنله الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه، حلّ له الزائد1.
1ـ لو كان لغيره على عهدته دين، أو كان من الغير عنده عين، وهو يعلممقدارهما مثلاً أو قيمةً، لكن غير الدائن، أو صاحب العين لا يعلم المقداربوجه، فوقع بينهما الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ، لا يحلّ له الزائد إلاّ معالرضا بعد الإعلام؛ وذلك لظهور الصلح في عدم علمه بالمقدار؛ لتخيّله جهلهبه كنفسه.
وكذا الحال لو لم يعلم المقدار، لكن علم إجمالاً زيادة المصالح عليه على مالالصلح؛ للوجه الّذي ذكرناه. نعم، لو رضي غير الجاهل بالصلح عن حقّهالواقعي على كلّ حال، بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيبنفسه، حلّ له الزائد؛ لحصول الرضا حينئذٍ، ووجهه واضح.
(صفحه253)
مسألة 14: لو صولح عن الربوي بجنسه بالتفاضل، فالأقوى جريان حكم الربفيه قيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّمنهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره، فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهمما عنده مع احتمال التفاضل1.
1ـ هل المعاملة الربويّة الحاصلة بالتفاضل في جنس واحد مكيلأو موزون غير الجائزة تختصّ بالبيع، أو يعمّ مثل الصلح بعد الفراغ ظاهراً عنعدم جريانها في مثل الهبة المعوّضة؟ قد قوّى في المتن جريان حكم الرّبا فيه،وترتّب البطلان عليه.
ولعلّ وجهه: أنّه وإن اخترنا(1) كون الصلح عقداً مستقلاًّ برأسه وإن أفادفائدة البيع مثلاً، إلاّ أنّ الظاهر جريان الرّبا المذكور فيه؛ لعدم اختصاصدليله(2) بخصوص البيع، وقد استثنى صورة الجهل بالمقدار مع عدم العلمبالتفاضل، كما في المثال المذكور في المتن.
ووجهه: أنّ البطلان في هذه الصورة في البيع لأجل الغرر، مع أنّه مغتفر عنهفي باب الصلح كما عرفت(3)، فتدبّر.
- (2) سورة البقرة 2: 275، وسائل الشيعة 18: 117 ـ 124، كتاب التجارة، أبواب الرّبا ب1.
(صفحه254)
مسألة 15: يصحّ الصلح عن دين بدين، حالّين أو موءجّلين، أو بالاختلاف،متجانسين أو مختلفين؛ سواء كان الدينان على شخصين، أو على شخص واحد،كماإذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة، ولعمرو عليه وزنة شعير، فصالح مع عمروعلى ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلاّ في المتجانسين ممّيكال أو يوزن مع التفاضل.
نعم، لو صالح عن الدين ببعضه، كما إذا كان له عليه دارهم إلى أجلٍ، فصالح عنهبنصفها حالاً، فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاءبالناقص، كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة، لا المعاوضة بينالزائد والناقص1.
1ـ يصحّ الصلح عن الدين بالدين في جميع الصور والفروض المذكورة فيالمتن، فالحكم في الجميع الصّحة إلاّ فيما استثناه؛ وهو المتجانسان ممّا يكالأو يوزن مع التفاضل؛ يعني العلم بالتفاضل، كما عرفت في المسألة السابقة،وقد استدرك ما لو صالح عن الدين ببعضه، كما إذا كان له عليه دراهمإلى أجل، فصالح عليها بنصفها حالاًّ؛ فإنّ فيه صورتين:
إحداهما: ما إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاءبالناقص، وقد نفى البأس عنه؛ لأنّه لا يكون في البين إلاّ الإسقاط بالإضافةإلى الزيادة والاكتفاء بالناقص، وقد جعل هذه الصورة هو المقصود المتعارففي نحو هذه المصالحة.
ثانيتهما: ما إذا كان المقصود المعاوضة بين الزائد والناقص؛ فإنّه منمصاديق المسألة السابقة الّتي حكم فيها بالبطلان، وليعلم أنّ طرفي المعاوضةفي مثل هذه الأزمنة والأمكنة، حيث يكون مثل الاسكناس، أوالريال،