ولا يشترط بكونه مسبوقاً بالنزاع من الاُمور المذكورة، سيّما الأخيرتين؛فإنّه لا يعتبر ثبوت الدين شرعاً، أو الحقّ كذلك، بل يصحّ الصلح عليهممطلقاً، ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلاّ ما استثني، كما في النكاح، ويأتيبعض الاُمور الاُخر، كما أنّه يصحّ في كلّ مقام إلاّ إذا كان محرِّماً لحلال، أو محلِّللحرام، وسيأتي توضيحها إن شاء اللّه تعالى.
مسألة 1: الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائرالعقود، ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامهوشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع، كخياري المجلس والحيوان،ولا الشفعة، ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين، وما أفادفائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا1.
1ـ هل الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلا يلحقه أحكامسائر العقود، ولا يعتبر فيه شروطها وإن أفاد فائدته، أو أنّه تابع لتلك العقودوليس عقداً مستقلاًّ برأسه؟ الظاهر من الشريعة، ومن جعله بعنوانه موضوعللحكم بالجواز بين المسلمين ـ مع أنّ تلك العناوين مضافاً إلى كونها عناويناُخرى موضوعات للأحكام الخاصّة، كما نراه في الرواية الواردة في الصلح ومن العنوان الّذي ذكره الفقهاء، وجعلوه من الكتب الفقهيّة المستقلّة،هو الأوّل.
ويبدو في النظر أنّ تشريع الصلح تأسيساً أو إمضاءً مع التوجّه إلى سعةدائرته التسهيل على المتشرّعة بتشريع أمر لا يعتبر فيه شروط العقود الاُخر،ولا تلحقه أحكامه، فلا تجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع، كخيار المجلسالّذي موضوعه البيّعان، وخيار الحيوان الثابت لمشتري الحيوان إلىثلاثة أيّام،ولا الشفعة، كما عرفت سابقاً(1).
ولا يشترط فيه قبض العين إذا تعلّق بالنقدين، وما يفيد فائدة الهبةلا يشترط فيها قبض العين كما يعتبر فيها، وهكذا الاُمور الاُخر، ولأجل
(صفحه239)
ما ذكرنا، ذكر(1) أنّ من طرق التخلّص عن الشفعة إذا أراد البائع أو المشتريالفرار عنها إيقاع الصلح مع العوض المفيد فائدة البيع؛ فإنّه لا شفعة حينئذٍ.
وكيف كان، فالظاهر في الصلح هو الاستقلال وإن أفاد فائدة الاُمورالاُخر، ويؤيّد الاستقلال ـ مضافاً إلى ما ذكر(2) من أنّ مجرّد إفادة عقد فائدةعقد آخر لا يوجب دخول عنوانه فيه، كالهبة المعوّضة الّتي تكون مشتركة معالبيع في التمليك بعوض، مع أنّه لم يقل أحد بكونها بيعاً في هذه الصورة ـ أنّهلا يعتبر في عقد الصلح إلاّ قصد عنوانه، لا قصد سائر العناوين الّتي ربملا يلتفت إليها؛ ضرورة أنّه لو كان عبارة عن تلك العقود، لكان اللاّزم قصدعناوينها، مع وضوح عدم تعلّق القصد بها، كما لا يخفى.
- (1) أي الماتن قدسسره في ص231 مسألة 24 من كتاب الشفعة.
- (2) كما ذكر في مفتاح الكرامة 17: 20 ـ 21، وجواهر الكلام 26: 212.
(صفحه240)
مسألة 2: الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً، حتّى فيما أفاد فائدةالإبراء والإسقاط على الأقوى، فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا علىالقبول، لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه1.
1ـ قد عرفت أنّ الصلح أمر مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، وعرفت أيضأنّه عبارة عن التراضي والتسالم، ومن المعلوم توقّف التراضي والتوافق علىالطرفين، فاعلم أنّه ممّا يترتّب على الأمرين كونه من العقود المتوقّفة علىالإيجاب والقبول في جميع أنواعه.
أمّا فيما أفاد فائدة العقود كالبيع والإجارة، فواضح. وأمّا فيما أفاد فائدةالإبراء والإسقاط، فالظاهر أنّ الأمر كذلك؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّوإن لم يتوقّفا على القبول من الطرف الآخر، لكنّهما إذا وقعا بعنوان الصلحالّذي له أحكامه الخاصّة توقّفا عليه، ولا يتحقّقان بدون القبول.