(الصفحة 118)
وفي قاعدة الأمارية موصوفة بوصف المشكوكية ، إلاّ أنّ الظاهر وحدة المراد من نفس اليد التي هي الذات الموصوفة في القاعدتين ، فإذا كان المراد من اليد في قاعدة الأمارية ظاهرة في اليد على الشيء ، القابل لصفة المملوكية ; ضرورة أنّه لا تكون أمارة على الملكية ، فاليد على الخمر والخنزير لا تكون أمارة على ملكيّتهما ، كذلك اليد في قاعدة الضمان المبحوث عنها في المقام ; لظهور وحدة المراد في اليد التي هي الموضوع في القاعدتين ، وعليه : فلا تشتمل القاعدة الحرّ ; لعدم شمول قاعدة الأماريّة له .
ثانيهما : ما يشعر به ذيل كلامه ، بل يظهر منه من أنّ الاختصاص الملكي الذي يعتبر في القاعدة مأخوذ في معنى اليد عرفاً ، بحيث لا تصدق اليد بدونه كذلك .
والجواب عن الاحتمال الأوّل : أنّه لا دليل على اتّحاد القاعدتين في المراد من اليد المأخوذة فيهما ; فإنّ اليد في قاعدة الأمارية باعتبار كونها مجعولة أمارة على الملكية، فمقتضى تناسب الحكم والموضوع أن يكون المراد بها هي اليد على ما يكون قابلا لتعلّق وصف الملكيّة به وثبوت المملوكيّة له ; لأنّه لا معنى لكون اليد على غير الملك كالحرّ ونحوه كاشفة عن الملكية وأمارة لها .
وأمّا في قاعدة الضمان المستفادة من حديث «على اليد» فالحكم المجعول فيها هو الضّمان ، ولا دليل على اختصاص موضوعه بخصوص اليد على المملوك ، بعد عموم الموصول وشموله لمثل الحرّ ، وعدم منافاة الحكم بالضمان له أصلا ، فلا مجال لرفع اليد عن العموم .
هذا، مضافاً إلى ما عرفت(1) في أوّل البحث عن القاعدة ، من عدم اختصاص قاعدة أمارية اليد بما إذا كان هناك شك في الملكية وكون ذي اليد مالكاً ، بل تجري
(الصفحة 119)
في مثل ما إذا كانت امرأة تحت رجل وهو مستول عليها ويعامل معها معاملة الزوجة ، ولكن نشكّ في أنّها هل تكون زوجة له شرعاً أم لا؟ فإنّ مقتضى قاعدة الأمارية كون اليد بالنحو المذكور كاشفة عن ثبوت الزوجية ، وكون المستولي زوجاً لها ، فلا اختصاص لليد في القاعدة بما إذا كانت متعلّقة بالملك .
والجواب عن الاحتمال الثاني : وضوح عدم دخالة المملوكية في صدق اليد والاستيلاء بحسب نظر العرف والعقلاء ، فنرى في زماننا شيوع الاختطاف بالإضافة إلى الأفراد ، ويقال له بالفارسية «آدم ربائي» ، فهل يمكن منع تحقّق الاستيلاء في مثله عند العقلاء؟ أو هل تكون اليد في قاعدة ضمان اليد لها معنى غير معناها العرفي ، مع لزوم الرجوع إلى العرف في تشخيص معاني الألفاظ المأخوذة في موضوعات الأحكام الشرعية في الأدلّة من الكتاب والسنّة؟ فالإنصاف أنّ المنع في المقام واضح المنع .
الأمر الثاني : من الاُمور التي اعتمد عليها المحقّق الرّشتي (قدس سره) (1) ما أفاده ممّا ملخّصه : أنّه على تقدير تسليم صدق اليد في الحرّ يكون قوله (عليه السلام) : «حتّى تؤدّي» قرينة على تخصيص الموصول ; لعدم صدق الأداء على دفع دية الحرّ ; لأنّ دفع القيمة أو المثل في الماليّات دفع للعين المغصوبة عرفاً ; لقيام العوض فيها مقام المعوّض في جلّ الفوائد لو لم يكن في كلّها ، بخلاف الدية ; فإنّها ليست عوضاً عن النفس لا حقيقة ولا حكماً ، وإنّما هي حكم شرعي شبه الجريمة .
هذا إذا قلنا بأنّ دفع القيمة أو المثل في الماليّات مستفاد من نفس الغاية . وأمّا لو قلنا بأنّه حكم شرعيّ ، أو عرفي بعد تعذّر الفائتة ; وهو الأداء ، فقد يقال بدلالته على ضمان الحرّ الصغير ووجوب دفع ديته .
ودعوى عدم شمول لفظ الضمان لوجوب دفع الدية ; لعدم كونها عوضاً ،
- (1) كتاب الغصب للمحقّق الرشتى : 13 ـ 14 .
(الصفحة 120)
يدفعها عدم كون لفظ الضمان مذكوراً في الرواية ، بل هو مستفاد من كلمة «على» ، ولا فرق في طريق الاستفادة بينه وبين الماليّات ، مع أنّ اختصاص الضمان بالماليّات أوّل الكلام ، ولذا يقال : إنّ الطبيب ضامن ، وبالجملة : لو سلّم كون الضمان ظاهراً في الماليّات فلا نسلّم أنّ العهدة ترادفه في ذلك .
ولكن يرد على أصل القول أنّ دفع البدل إذا كان حكماً شرعياً مستفاداً من غير الأمر بالأداء ، يحتاج ثبوته إلى دليل شرعيّ ، وهو مفقود في المقام غير ما رواه وهب بن وهب أبو البختري ، عن الصادق (عليه السلام) : من استعار عبداً لقوم آخرين ، فهو له ضامن ، ومن استعار حرّاً ، صغيراً ضمن(1) . وهذا مع ضعف سنده ; لكون وهب من أكذب البريّة وعامّياً ، غير معمول به ، بل غير ظاهر المراد ; لمنافاته للإجماع على عدم ثبوت الضمان في العارية(2) .
والجواب عن هذا الأمر : أنّه ـ بعد تسليم صدق اليد والاستيلاء على الحرّ ، وصدق الضمان بالإضافة إلى الإنسان أيضاً كالاُمور الماليّة ، ويدلّ عليه ضمان الطبيب المفروض في الروايات(3) ، وفي الفقه في أواخر كتاب الإجارة(4) ، وكذا تدلّ عليه رواية وهب وإن لم تكن معتبرة بالإضافة إلى الحكم المذكور فيها ، وهو ثبوت الضمان في الفقرتين ، لكن أصل التعبير بالضمان فيها مع كون الراوي عارفاً بلغة
- (1) اُنظر الكافي : 5 / 302 ح 2 ، تهذيب الأحكام : 7 / 185 ح 814، الاستبصار : 3 / 125 ح 445 ، قرب الإسناد : 146 ح 527 ، وعنها وسائل الشيعة : 19 / 94 ، كتاب العارية ب 1 ح 11 ، وج 29 / 246 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 12 ح 2 ، وأخرجه في البحار : 104 / 259 ح 3 عن قرب الإسناد .
(2) كتاب الغصب للمحقق الرشتي : 13 ـ 14 .
(3) الكافي : 7 / 364 ح 1 ، تهذيب الأحكام : 10 / 234 ح 925 ، وعنهما وسائل الشيعة : 29 / 260 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 1 .
(4) راجع قواعد الأحكام : 2 / 305 ، جامع المقاصد : 7 / 268 ، مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 72 وتفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة : 629 ـ 630 .
(الصفحة 121)
العرب ، يدلّ على صحّة هذا الاستعمال ـ لابدّ وأن يكون هناك رافع للضمان وموجب لخروج الضامن عن العهدة .
ودعوى مغايرة العهدة للضمان كما في كلامه ، مدفوعة بعدم المغايرة ، بناءً على ما ذكرنا في معنى الضمان ، والرافع للضمان على ما يستفاد من حديث «على اليد» ليس إلاّ الأداء ، فكما أنّ أداء المثل أو القيمة رافع لضمان العين وإن لم يكونا أداءً للعين ، كذلك أداء الدية في ضمان الإنسان .
وبالجملة : الذي تدلّ عليه رواية وهب هو نفس ثبوت الضمان . وأمّا أنّه بماذا يتحقّق الأداء ، فلا دلالة لها عليه ، ولا حاجة إلى الدلالة أصلا ; فإنّه في كلّ مورد يتحقّق الضمان لا يكون الرافع إلاّ الأداء الحقيقي أو الحكمي ، واشتمال حديث «على اليد» على الغاية وتعرّضه لها ، لا يدلّ على خروج بعض موارد الضمان ، كما لا يخفى .
فالإنصاف أنّه على تقدير تسليم صدق الاستيلاء واليد في الحرّ لا يكون التعرّض لغائيّة الأداء موجباً لقصر الحكم بالضمان على غير الحرّ .
الأمر الثالث من الاُمور المذكورة : أنّ المتبادر من الموصول هو المال بنفسه أو بقرينة قوله : «تؤدّي» ; لأنّ الأداء إذا نسب إلى الأفعال كالصلاة تمّ معناه بدون المفعول بواسطة الجارّ ، وأمّا إذا اُضيف إلى الأعيان والاُمور التي ليست بأموال ، فيحتاج إلى المفعول الثاني بواسطة «إلى» ، ومن الواضح أنّ المؤدّى إليه في المغصوب هو الذي يكون مالكاً للمؤدّى أو مستحقّاً له ، وشيء من الأمرين لا يتصوّر في مثل الحرّ ; إذ ليس له مالك ولا مستحقّ حتّى يؤدّي إليه ، فلا يتصوّر القول بأنّه يجب ردّ الحرّ المغصوب ـ خصوصاً إذا كان كبيراً ـ إلى مالكه أو مستحقّه ; إذ لا مستحقّ له شرعاً ، وإن كان له وارث ; إذ الوارث وارث لمورّثه لا مستحق له .
ويرد عليه : أنّه مع فرض موت الحرّ في يد الآخذ لا مجال للإشكال المذكور ;
(الصفحة 122)
لأنّه يصير كتلف المال المغصوب ، حيث إنّه يجب أداء قيمته إلى من يستحقّها ; وهو الوارث في المقام ، فالدّية يؤدّيها إلى الوارث كأداء القيمة إلى المالك في المقيس عليه .
كما أنّه لو فرض كون الحرّ اجيراً للغير بمنفعته الخاصّة ، أو بجميع منافعه ـ بحيث كان الغير مالكاً لمنفعته أو منافعه بسبب الإجارة ـ لا مجال للإشكال في عدم تحقّق المؤدّى إليه في هذه الصورة ، فإنّها تصير كالدار المستأجرة المغصوبة من المستأجر ، حيث إنّه يجب ردّها إلى المستأجر المالك لمنفعتها ; إنّما الإشكال في خصوص صورة الحياة وعدم كونه أجيراً للغير بالنحو المذكور ، وفي هذه الصورة إذا كان الحرّ صغيراً غير مستقلّ في الإرادة والتعيّش يكون المتفاهم العرفي من الأداء بالإضافة إليه هو أداؤه إلى وليّه ، ومن يكون متبوعاً له في الإرادة والتعيّش ، ولا مجال للزوم كون المؤدّى إليه مالكاً أو مستحقّاً ، بل اللازم ثبوت المؤدّى إليه ، وإن كان بالنحو الذي ذكرنا .
وأمّا إذا كان الحرّ كبيراً ، فمضافاً إلى أنّه لا مجال للتفصيل في الحرّ المأخوذ بين الصّور التي ذكرناها ، وبين هذه الصورة ، وهو يكفي في الحكم بالضمان هنا ; لعدم الفصل ، نقول : لا مانع من كون المراد من الأداء هو الإرجاع إلى ما كان عليه من المحلّ والشرائط الخاصّة ، ولا ملازمة بين افتقار الأداء في الحديث إلى المؤدّى إليه ، وبين كون المؤدّى إليه هو الشخص ، فضلا عن أن يكون مالكاً أو مستحقّاً ، فتدبّر .
وبالجملة : لا نرى في مقابل إطلاق الحديث الشامل للحرّ ما يوجب تقييده بغيره وإخراجه منه ، فهو بمقتضى الحديث مضمون ، ويترتّب على الاستيلاء عليه ، الضمان الذي لازمه وجوب أداء ديته إلى الوارث في صورة التلف ، وأداء نفسه في صورة العدم .
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا شمول الرواية لمثل الخمر والخنزير ـ مع عدم ثبوت