(الصفحة 143)
الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له ويصدّقه فيه من دون محاكمة ، والتعبير بردّه اليمين على الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله ، فكان الحلف حقّاً له ابتداءً ، ولكن ذلك لا يقدح في أصل دلالة الرواية على تعيين القيمة وأنّ الملاك قيمة أيّ يوم .
ثمّ إنّه بناءً على ما قلنا من عدم ظهور الرواية في شيء من فقراتها في خلاف ما تدلّ عليه القاعدة المستفادة من «على اليد ما أخذت» من كون المدار هي قيمة يوم الدفع ، لابدّ من حملها عليها ; لعدم التعارض بينهما بعد فرض ظهور القاعدة ، وعدم ظهور الرواية في خلافها .
وأمّا إن قلنا بظهور الرواية في كون المناط هي القيمة يوم الغصب كما عليه بعض الأعاظم (قدس سره) (1) ، فالظاهر لزوم الأخذ بالرواية ; لعدم بلوغ ظهور القاعدة مرتبة ظهور الرّواية ، خصوصاً بعد الاختلاف فيه وإنكار بعض ظهور القاعدة في لزوم دفع قيمة يوم الدفع كما نقلناه عنه (2)، فالإنصاف أنّه على هذا التقدير لا محيص عن الالتزام بقيمة يوم الغصب .
ثمّ إنّه بقي في بحث القاعدة اُمور ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : ما لو تعذّر أو تعسّر ردّ العين من دون أن يعرض لها التلف ، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق ، وأنّه هل يجب بمقتضاها إعطاء بدل الحيلولة للمالك أم لا؟ واللازم قبل البحث في هذا الأمر من التنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّ محطّ البحث في لزوم إعطاء بدل الحيلولة وعدمه هو مجرّد القاعدة المستندة إلى قوله (صلى الله عليه وآله) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» . وأمّا الأدلّة
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 249 ، المكاسب والبيع (تقريرات أبحاث الميرزا النائيني) : 1 / 362 ـ 364 .
(2) في ص 127 ـ 129 .
(الصفحة 144)
الاُخرى التي يمكن استفادة الحكم بالضمان منها فهو خارج عن محلّ البحث هنا ; مثل ما ورد في باب الأمانات المضمونة ممّا يدلّ على تحقّق الضمان بالاُمور المذكورة كالسرقة ومثلها ، ومثل قاعدة الضرر وفوت سلطنة المالك وأشباههما ، فإنّ الجميع خارج عن محلّ البحث هنا وإن كان يجب البحث عنها في مسألة بدل الحيلولة بعنوان عام .
ثانيهما : أنّ التعذّر والتعسّر وعدم إمكان الردّ له مراتب مختلفة ; فإنّه تارة : يكون في مدّة قصيرة يعلم بإمكان ردّ العين بعد انقضائها .
واُخرى : يكون في مدّة طويلة مقرونة باليأس من الوصول إليها ; كما إذا وقعت العين في قعر البحر مثلا .
وثالثة : في تلك المدّة مع رجاء الوصول إليهما ووجدانها .
أمّا الصورة الاُولى : فالظاهر أنّه لا مجال لدعوى الانتقال إلى بدل الحيلولة في تلك المدّة القصيرة مستنداً إلى «على اليد» لوضوح أنّه لا دلالة له على لزوم أداء المثل أو القيمة في هذه الصورة ، وبعبارة اُخرى : لا يكون أداء المثل أو القيمة في هذا الفرض من مراتب أداء العين الذي هو غاية للحكم بالضمان .
وأمّا الصورة الثانية : فهي ملحقة بالتلف عند العرف والعقلاء ، حيث إنّهم لا يفرّقون بينها وبين التلف الحقيقي بوجه ، وعليه : فأداء المثل أو القيمة ليس لأجل الحيلولة ، بل لأجل حصول التلف العرفي ، فالعمدة في البحث هي الصورة الثالثة ، فنقول :
ربما يقال بأنّ مقتضى القاعدة لزوم ردّ المثل أو القيمة في هذه الصورة ، نظراً إلى أنّ مقتضاها كون العين المأخوذة بدون إذن المالك والشارع ، ثابتة ومستقرّة في عالم الاعتبار التشريعي على عهدة المالك بجميع خصوصياتها الشخصية وصفاتها النوعية وماليّتها ، كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء ، فيجب تكليفاً ووضعاً ردّ
(الصفحة 145)
الجهات الثلاث مع الإمكان ، وعند تلف العين يجب ردّ الجهتين الأخيرتين .
وأمّا مع التعذّر أو التعسّر على ما هو المفروض في المقام ، فحيث يسقط التكليف بردّ العين للتعذّر أو التعسّر ، فيدور الأمر بين أن يسقط عن ردّ جميع الجهات الثلاث ، أو يبقى بالنسبة إلى الجهتين الباقيتين إن كانت مثليّة ، والجهة الواحدة الباقية إن كانت قيميّة ، ولا وجه للأوّل ; لأنّه بلا دليل بل الدليل على عدمه ; وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : «على اليد . . .» ; لدلالته على استقرار الجهات الثلاث في العهدة ، وبارتفاع الاُولى لا ترتفع الاُخريان ، فيجب عليه إعطاء المثل إن كانت مثليّة والقيمة إن كانت قيميّة .
ولكن بملاحظة ما عرفت(1) في معنى «على اليد» ومفاده من كونه عبارة عن مجرّد الحكم الوضعي الشرعي مغيّى بتحقّق الأداء ، تعرف أنّه لا دلالة له على الحكم التكليفي بوجه ، بل مرجعه إلى أنّ الأداء رافع للضمان وغاية له ، وأمّا أنّه واجب فهو مستفاد من دليل آخر ، فاللازم حينئذ ملاحظة أنّ الأداء المجعول غاية للحكم بثبوت ضمان العين المأخوذة ، واستقرارها على عهدة المستولي وذي اليد ، هل يكون من مراتبه أداء المثل أو القيمة في المقام، كما في صورة التلف الحقيقي أو العرفي ، أو أنّه لا يكون من مراتبه ; لثبوت الفرق بين المقام وبين صورة التّلف ، فالغاية لا تتحقّق إلاّ بأداء نفس العين بعد رفع التعذّر والتعسّر ؟
لا يبعد أن يقال بالثاني ; لأنّ كلّما فرض أن يكون أداءً ومن مراتبه ، فلابدّ من فرض كونه غاية ورافعاً للضمان المستفاد من «على اليد» . وبعبارة اُخرى : بعد كون الأداء في الحديث متصفاً بأنّه غاية رافعة للضمان ، فكلّما فرض من مراتبه لابدّ وأن يكون متّصفاً بهذا الوصف ، فلا مجال لدعوى تحقّق الأداء في مورد مع فرض عدم ارتفاع الضمان بسببه ، وعليه : فالانتقال إلى المثل أو القيمة في المقام إن كان متّصفا
(الصفحة 146)
بهذه الصّفة فلازمه الالتزام بارتفاع ضمان العين بسببه ، مع أنّه لا مجال للالتزام به ، وإن لم يكن متّصفاً بهذه الصفة فهو خارج عن الحديث وشموله ، وعليه : فلا دلالة للحديث على الانتقال المزبور بوجه .
الأمر الثاني : لا شبهة في تحقّق الضمان بمقتضى القاعدة فيما إذا كانت اليد التي عليها ما أخذت واحدة لا تعدّد فيها . وأمّا لو تعاقبت الأيدي العادية أو غير المأذونة على مال الغير ، فهل يستفاد من دليل القاعدة تعدّد الضمان بحيث كان للمالك الرجوع إلى أيّة واحدة منها شاء أم لا؟
ربما يقال : نعم ; لأنّ مفاد الحديث الشريف جعل الضمان لكلّ يد عادية بطور القضية الحقيقيّة ، فكما أنّه يشمل وقوع الأيدي المتعدّدة على الأموال المتعدّدة ، كذلك يشمل الأيدي المتعدّدة إن وقعت على مال واحد ; لأنّ المناط في تعدّد الضمان تعدّد اليد ; إذ هو موضوع الحكم بالضمان على نحو القضية الحقيقيّة ، فتنحلّ إلى قضايا متعدّدة حسب تعدّد أفراد موضوعها الذي هي اليد ، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية ، ولا دخل في تعدّد ما تقع عليه في الحكم بالضمان ، ومن آثار ذلك أي تعدّد الضمان ، جواز رجوع المالك إلى كلّ واحدة منها .
ونحن نضيف إليه أنّ تقييد المضمون بكونه مأخوذاً لليد لا ينافي تعدّد الضمان بوجه ، نظراً إلى أنّ الضامن الثاني لم يأخذ العين المضمونة من مالكها ، بل من الضامن الأوّل ، وربما لا يكون الأخذ من الضامن الأوّل بصورة القهر والغلبة ، بل بإذنه ورضاه .
وجه عدم المنافاة ما أشرنا إليه من كون الأخذ في الحديث الشريف كناية عن عدم الإذن ، وكون الاستيلاء على العين غير مرضيّ للمالك ، وفي هذه الجهة لا فرق بين الضامن الأوّل والثاني ـ وهكذا ـ أصلا ، لأنّه كما أنّ يد الأوّل يد غير مأذونة وغيرمرضية ،كذلك يد الثاني والثالث وهكذا ، فلا فرق بين الأيدي من هذه الجهة .
(الصفحة 147)
وعليه : فمقتضى الحديث الشريف تعدّد الضمان وإن كانت العين المضمونة واحدة ، كما إذا كانت اليد واحدة والعين المأخوذة متعدّدة ; فإنّه يكون ضامناً بالإضافة إلى الجميع ; لتعدّد ما عليه اليد .
نعم ، في مسألة تعدّد الضمان بالإضافة إلى مال واحد إشكال من جهة مقام الثبوت مع قطع النظر عن مقام الإثبات ; وهو أنّ المال الواحد كيف يمكن أن يكون مضموناً بضمانات متعدّدة في عرض واحد ; لأنّه كما أنّ وجود مال واحد في الخارج بتمامه عند شخص ، وكذلك بتمامه عند شخص آخر في نفس ذلك الزمان مستحيل ، وإلاّ يلزم أن يكون الواحد اثنين ، كذلك وجوده في عهدة اثنين في عالم الاعتبار بحيث يتحقّق بالأداء تفريغ ما في الذمّة ويرتفع به الضمان كذلك ; لأنّه لا يمكن أن يكون للشيء الواحد أدائين في عرض واحد ، وحيث إنّه غير ممكن ، فلو كان في عهدة شخصين ، وفرضنا أنّ أحدهما أدّاه ، فلا يرتفع الضمان عن عهدة الآخر إلى يوم القيامة ; لأنّ أداءه ثانياً غير ممكن .
وبعد ثبوت الإشكال من جهة مقام الثبوت فلابدّ من التصرف فيما يدلّ عليه في مقام الإثبات ، إمّا بالحمل على الاشتراك في ضمان واحد ; بمعنى أنّ مثل ذلك المال أو قيمته في عهدة الشخصين بالشركة ، فيجب عليهما أداء المثل أو القيمة بهذا النحو ; أي بنحو الشركة . وإمّا بالحمل على الطولية ، والمراد بها كون اللاّحق ضامناً لما يؤدّي السابق ، فالمالك له الرّجوع إلى أيّ واحد من العادين . وإذا رجع إلى بعضهم ، فإن كان هو اللاّحق فليس له الرجوع إلى السابق ; لأنّ السابق ليس ضامناً لللاحق ، وإن كان هو السابق فله الرجوع إلى اللاّحق ; لأنّه ضامن لما يؤدّيه السابق كما هو المفروض .
هذا ، وقد أجاب عن أصل الإشكال المحقّق الخراساني صاحب الكفاية في محكيّ حاشيته على المكاسب للشيخ الأعظم الأنصارى (قدس سرهما) بأنّه يمكن بنحو