(الصفحة 368)
بتمرين الصبي وتعويده على مثل الصلاة والصوم .
وعلى الثاني : أنّ ما ورد في الخبر إنّما هو ثبوت ثواب حجّة للوليّ ، ولا دلالة له على خلوّ عمل الصبي وحجّه عن ثواب وأجر ، وعليه : فلا يمكن أن يستفاد منه أنّ الوليّ كأنّه فعل حجّاً ; بمعنى عدم استناد الحج إلى الصبي ، وعدم وقوع هذه العبادة عنه ، فتدبّر .
وأمّا دليل القول الخامس ، فهو : أنّ حديث «رفع القلم» إنّما يرفع خصوص الأحكام اللزومية من رأس ، ويحكم بعدم شمول الأدلّة العامة لها بالإضافة إلى الصبي ، فلا يبقى لها مشروعية . وأمّا سائر الأحكام ، فلا دلالة للحديث على رفعها أصلا ، فهي باقية على عمومها وشمولها للصّبي .
وهذا القول وإن لم يعرف به قائل ، لكنّه ليس ببعيد ; نظراً إلى أنّ الجمع بين كون المرفوع في الحديث هو التكليف لا المؤاخذة ، وكون وقوع الحديث في مقام التفضّل والرأفة والامتنان ، يقتضي عدم كون العبادات الواجبة مشروعة في حقّه ، وبقاء العبادات المستحبّة على استحبابها ، إلاّ أن يقال : بأنّ سلب المشروعية عن العبادات الواجبة لا يلائم التفضّل والرأفة ، بل المناسب له سقوط اللزوم وبقاء المشروعية ، وهذه أيضاً جهة اُخرى موجبة لعدم منافاة الحديث للمشروعية ، زائدة على الجهات المذكورة في دليل القول المشهور ، ويتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر ما عليه المشهور .
الجهة الثالثة : في موارد تطبيق قاعدة المشروعية ، وهي كثيرة :
منها : الطّهارات الثلاث ; فإنّها بناءً على القول بالمشروعية تكون مستحبة للصبي ، كما أنّها مستحبة للبالغ أيضاً ، غاية الأمر اتّصافها في حقّ البالغ بالوجوب الغيري أيضاً بناءً على القول بوجوب المقدّمة ، وفي حقّ الصبي لا تتجاوز عن الاستحباب المتعلّق بأنفسها ، وتتصف بالاستحباب الغيري أيضاً بناءً على ذلك
(الصفحة 369)
القول ، فقبل دخول الوقت تكون مستحبّة نفساً ، وبعده تتّصف بالاستحباب الغيري أيضاً ، ولا مانع من الجمع بعد كون الحكمين طوليّين لا عرضيّين ، وبعد اختلاف المتعلّقين ، والتحقيق في محلّه .
ومنها : جميع العبادات الواجبة والمستحبّة ; فإنّها بأجمعها مستحبة للصّبي ، فالصلاة مع جميع أذكارها وأورادها ومقدّماتها ومؤخّراتها مستحبة عليه ، والصوم الواجب والمندوب مستحب له ، وكذا الحج وغيرها من العبادات ، وقد عرفت(1) أنّ المكروهات مكروهة في حقّه أيضاً ، كما أنّ المحرّمات أيضاً مكروهة بالإضافة إليه .
ومنها : ما أشرنا إليه من أنّه بناءً على المشروعيّة لا مانع من استئجاره للعبادة ، فيأتي بها نيابة عن الحيّ ، كما في باب الحجّ ، أو الميّت كما في مثل الصلاة والصيام ; فإنّه بناءً عليه يكون عمله قابلا لتحقّق الاستئجار عليه ، وشخصه صالحاً لأن يكون نائباً في العبادة ، ولكن مع أنّ المشهور قائلون بالمشروعيّة ، ولازمها صحّة النيابة والاستئجار ، حكي عن جمع كثير من أعاظم الفقهاء الخلاف والحكم بعدم صحّة نيابته(2) ، ولم يعرف له وجه وجيه بعد عدم ورود دليل خاصّ في المسألة .
والفرع الذي ينبغي التعرّض له في الختام هو نذر الصّبي عبادة غير مالية كصلاة الليل مثلا ، وأنّ هذا النّذر هل هو صحيح أم لا؟ الظاهر هو الثاني ; لأنّه ـ مضافاً إلى انعقاد الإجماع ظاهراً على اشتراط البلوغ في انعقاد النذر وصحّته(3) ـ
- (1) في ص 356 .
(2) الروضة البهية : 2 / 183 ، العروة الوثقى : 1 / 563 مسألة 1823 و ج 2 / 286 مسألة 3142 ، المستند في شرح العروة الوثقى : 16 / 236 ـ 238 ، والمعتمد في شرح المناسك : 28 / 115 ـ 116 .
(3) مدارك الأحكام : 7 / 93 ، مفاتيح الشرائع : 2 / 30 ، رياض المسائل : 11 / 477 ـ 478 ، جواهر الكلام : 35 / 356 ، مهذّب الأحكام : 22 / 280 .
(الصفحة 370)
نقول : إنّ هذا النذر إذا كان لغرض إيجاب العمل على نفسه ، نظراً إلى أنّ حكمه وجوب الوفاء به ، فهذا الغرض لا يترتّب عليه ; لأنّ الحكم الوجوبي مرفوع عن الصّبي أيّاً ما كان ، وإن كان لغرض آخر ، فلا يكون هناك غرض آخر متصوّر .
وبالجملة : إذا لم يؤثّر النذر أثراً زائداً فلا معنى لانعقاده وصحّته ، إلاّ أن يقال : إنّ تعلّق النذر به يوجب تأكّد استحبابه ، وهو يصير داعياً إلى العمل به ، فإنّ النذر يوجب أن يكون الوفاء به مستحبّاً بالإضافة إليه ، فتصير صلاة الليل بعنوانها مثلا مستحبة نفساً ، والإتيان بها بما أنّه وفاء بالنذر مستحبّ آخر ، فيتحقق استحبابان ، فيتاكّد الداعي إلى الإتيان بها بحيث لو لم يكن هنا نذر لما كان استحباب صلاة الليل بنفسه وبمجرّده داعياً له إلى الإتيان بها ، كما لا يخفى .
فالعمدة حينئذ هو الإجماع . أو يقال : إنّ النذر من الانشائيات ويعتبر فيها القصد ، وقد عرفت أنّ قصد الصّبي كلا قصد ، فلا يتحقّق منه الإنشاء .
هذا تمام الكلام في قاعدة مشروعية عبادات الصبي .
17 ذي الحجّة الحرام 1408 هـ