(الصفحة 42)
مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه(1) ، وقد فهم منها المشهور(2) ـ باعتبار عدم كونه من قبيل الضمانات وتلف ملك الغير في يده ، وإلاّ لو كان كذلك لكان مقتضاه الضمان الواقعي ; أي المثل أو القيمة ـ انفساخ العقد آناًما قبل التلف ، ورجوع كلّ واحد من العوضين إلى ملك مالكه الأوّل ، فالتلف وقع في ملك البائع ، وعليه : فلا يرتبط ذلك بالمقام بوجه .
وفي هذه الأخبار احتمال آخر مذكور في محلّه ، ولابدّ من البحث في مفاد هذه الأخبار الذي هو قاعدة فقهية مستقلّة إن شاء الله تعالى .
الرابع : المال الباقي في يد الغاصب بإذن المالك ، فإنّه حكم فيه بالضمان في البقاء أيضاً ، مع أنّه مأذون فيه من قبل المالك على ما هو المفروض .
والجواب : أنّه إن كان البقاء مأذوناً فيه حقيقة من طرف المالك ; بأن كان الغاصب قد أراد تسليم العين المغصوبة إلى المالك وجعلها في اختياره ، ومع ذلك لم يقبل المالك ، بل جعلها أمانة عنده ، فالحكم بالضمان فيه ممنوع جدّاً ; لأنّه لا مجال له أصلا ، وكون حدوث الوقوع تحت يد الغاصب بلا إذن لا يقتضي دوام الحكم واستمراره إلى البقاء المغاير للحدوث في الإذن وعدمه .
وإن لم يكن البقاء مأذوناً فيه حقيقة ، بل كان مجرّد رضا المالك بالبقاء ، فهذا لا يقتضي تحقّق الأمانة المالكية ولا رفع الضمان بوجه أصلا .
الخامس : أنّهم حكموا بالضمان في اللقطة ومجهول المالك إذا تصدّق به عن
- (1) الكافي : 5 / 171 ح 12 ، تهذيب الأحكام : 7 / 21 ح 89 و ص 230 ح 1003 ، وعنهما وسائل الشيعة : 18 / 23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب10 ح1 . عوالي اللئالي : 3 / 212 ح 59 ، وعنه مستدرك الوسائل : 13 / 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 9 ح 1 .
(2) اُنظر غنية النزوع : 229 ، قواعد الأحكام : 2 / 69 ، تذكرة الفقهاء : 10 / 112 ، النظر الثالث ، اللمعة الدمشقية : 75 ، جامع المقاصد : 4 / 308 ، الروضة البهية : 3 / 525 .
(الصفحة 43)
طرف صاحبه ، ثم وجد المالك ولم يرض بالتصدّق(1) ، مع أنّ أصل يده وكذا التصدّق مأذون من قبل الشارع ، فكيف يجتمع ذلك مع الحكم بالضمان؟
والجواب : وقوع الخلط في هذا المورد ; فإنّ مورد القاعدة على ما عرفت(2)هي صورة التلف ، ولا إشكال في أنّه مع تلف المال في يد الملتقط وكذا مال مجهول المالك ، لا يتحقّق به الضمان بوجه ; لأنّه أمانة شرعية .
وأمّا التصدّق الذي هو بمنزلة إتلاف مال الغير ، فهو خارج عن مورد القاعدة ، والوجه في الضمان فيه مع كونه مأذوناً فيه من قبل الشارع ، هو كون الإذن به مقيّداً بذلك ; بمعنى أنّ الشارع لم يأذن بالتصدّق مطلقاً ، بل به مقيّداً بالضمان مع وجدان المالك وعدم الرضا بالتصدّق .
السادس : المأكول في المخمصة ، فقد حكم فيه بالضمان(3) مع أنّ الأكل كان مأذوناً فيه من قبل الشارع .
والجواب : ما تقدّم في الأمر الخامس من عدم شمول القاعدة لصورة الإتلاف بوجه ، والأكل من مصاديق الإتلاف ، وثبوت الضمان فيه مع كونه مأذوناً فيه من قبل الشارع إنّما هو لأجل كون الإذن مقيّداً به ، كما في التصدّق في الأمر الخامس .
فانقدح من جميع ماذكرنا عدم انتقاض القاعدة بمورد من هذه المواردأصلا ،وأنّ الموارد المتقدّمة التي تخيّل النقض بها كلّها غير مرتبطة بها ، وقد عرفت(4) أيضاً أنّه لامانع من تخصيص القاعدة لوكان هناك دليل على التخصيص ;لعدم إبائهاعنه أصلا .
هذا تمام الكلام في قاعدة عدم ضمان الأمين إلاّ مع التعدّي والتفريط.
- (1) المبسوط : 3 / 320 ، النهاية : 284 ـ 285 ، السرائر : 2 / 101 ـ 102 ، البيان : 218 ، الروضة البهية : 7/ 95 ، جواهر الكلام : 16 / 75 .
(2) في ص 35.
(3) المبسوط : 6 / 286 ـ 287 ، شرائع الإسلام : 3 / 230 ، مسالك الأفهام : 12 / 118 ـ 119 ، الروضة البهيّة : 7 / 356 ، جواهر الكلام : 36 / 435 .
(4) في ص 33 .