(الصفحة 327)
فيكون المصلّي بمعنى الذي يلي السابق(1)(2) .
ويدفعه وضوح كونه خلاف ظاهر الآية ، خصوصاً مع ملاحظة قوله : {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ، والرواية لعلّها ناظرة إلى كونه من بطون القرآن .
الخامس : ما ربما يقال : من أنّه لولا تكليف الكفّار بالفروع يلزم أن يكون الكافر القاتل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والمعين له من الكفّار متساويين في العقاب ; لفرض عدم التكليف ، مع أنّ ضرورة العقل قاضية بخلافه ، وليس ذلك إلاّ من جهة كونه معاقباً على الفروع ومكلّفاً بها كالاُصول(3) .
وربما يجاب بأنّ عدم تساويهما لا يستلزم كونهما مكلّفين بفروع شرع الإسلام ; لأنّه يمكن أن تكون العلّة هي قبح القتل في شرع الكفر أيضاً .
وردّ هذا الجواب بأنّ ثبوت الإسلام ناسخ للشرائع السّابقة ، فلا دين غيره حتى يكون التفاوت لأجل مخالفة ذلك الدين دون الإسلام ، فلا ينافي عدم كونه مكلّفاً في شرعنا الذي هو محلّ الخلاف في هذا المقام .
وقال صاحب العناوين : يمكن أن يقال : إنّ نزاع التكليف بالفروع إنّما هو في الفروع الثابتة بالشرع ابتداءً ، وأمّا ما يستقل به العقل ـ كالظلم والقتل ونحو ذلك ـ فلا بحث في كون الكافر مؤاخذاً به ومعاقباً عليه .
وما ذكرته من المثال إنّما هو من الثاني دون الأوّل ، أو يقال : إنّ نسخ الإسلام للشرائع السّابقة فيما استقلّ به العقل ممنوع ، بل هو باق على حكم الشرائع السّابقة ، فيكون العقاب لقبحه في شرعهم كشرعنا ، ومجرّد فرض كون العقاب إنّما هو لمخالفة هذا الشرع دون السابق إنّما ينفع في إثبات كون شرعنا مطاعاً من حيث هو كذلك ،
- (1) الكافي : 1 / 419 ح 38 .
(2) الحدائق الناضرة : 3 / 43 .
(3) العناوين : 2 / 715 .
(الصفحة 328)
فما وافق الشرع السابق أيضاً يؤخذ من حيث كونه من شرعنا ، لا من حيث كونه من الشرع السابق ، ولا من حيث الاجتماع ، ولا ينفع في مقامنا هذا ; إذ الدليل قضى بالتفاوت بين القاتل والمعين ، وأمّا أنّ ذلك لجهة شرعنا أم لا ، فلا يقضي به ذلك(1) .
أقول : عطف القتل على الظّلم فيما استقلّ العقل بقبحه ممنوع ; لأنّ القتل ربما ينطبق عليه بعض العناوين المحسّنة بل المشتملة على المصلحة الملزمة ، فيستدعي وجوبه ، ولا أقلّ مشروعيته وجوازه ، كالقتل الواقع قصاصاً ، والقتل الواقع حدّاً ، وليس شيء ممّا يستقلّ به العقل خارجاً عن حكمه باعتبار عروض بعض العناوين ، فالظلم بعنوانه قبيح مطلقاً ، والقتل القبيح إنّما هو فيما إذا انطبق عليه عنوان الظلم ، ولا مجال لعطف القتل على الظلم في الحكم بالقبح مطلقاً .
وعلى ما ذكرنا فيمكن أن لا يكون هناك تكليف منجّز ولا عقوبة على قتل الكافر النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيما إذا كان اعتقاده كذبه ، وأنّه مخالف لما هو دين الله ، وأنّه يجب أن يقتل خوفاً من الإضلال ، كما هو الغالب في وجه هذا النحو من القتل ، وهذا بخلاف الظلم الذي لا ينفك عن استحقاق العقوبة بوجه ، فتدبّر .
السادس : بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك ، كرواية سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن الفرائض التي فرض الله على العباد ما هي؟ قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصّلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهنّ ، وسدّد ، وقارب ، واجتنب كلّ مسكر ، دخل الجنّة(2) ; فإنّ مورد السؤال ما افترض الله على عموم العباد ; لأنّ الجمع المحلّى يفيد العموم ، وظاهر الجواب في نفسه أيضاً ذلك ;
- (1) العناوين : 2 / 715 .
(2) الفقيه : 1 / 131 ح 612 ، المحاسن : 1 / 452 ، كتاب مصابيح الظلم ب 46 ح 1041 ، وعنهما وسائل الشيعة : 1 / 19 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 17 .
(الصفحة 329)
لأنّه جعل الواجبات الفرعية عطفاً على الشهادتين اللتين تجبان على جميع العباد بلا إشكال ، والاقتصار في الجواب على الاُمور الخمسة بلحاظ أهميّتها وعلوّ شأنها ، كما يظهر من الرواية المعروفة الدالّة على أنّ الإسلام بني على خمس(1) ، وليس ذلك لأجل اختصاص العمومية بهذه الخمسة ، ويؤيّده ذيل الرواية الظاهر في توقّف دخول الجنّة على اجتناب المسكر ومثله أيضاً ، كما لايخفى .
وصحيحة البزنطي قال : ذكرت لأبي الحسن الرّضا (عليه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده ، واُخذ منه العشر في ما عمر منها وما لم يعمر منها ، أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره ، وكان للمسلمين ، وليس في ما كان أقلّ من خمسة أو ساق شيء ، وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السّواد ، وقد قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر(2) .
والاستدلال بها مبنيّ على كون المراد من العشر ونصف العشر هو الزكاة التي مقدارها كذلك ، ولكنّ الظاهر خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السلام) : «يقبله بالّذي يرى» ، وبملاحظة قوله (عليه السلام) : والناس يقولون : «لا تصلح قبالة الأرض» ، هو أنّ العشر ونصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الإمام لا من باب الزكاة .
- (1) الكافي : 2 / 18 ـ 21 ح 1 ، 3 ، 5 ، 7 و 8 و ج 4 / 62 ح 1 ، المحاسن : 1 / 445 ، ح 1033 تهذيب الأحكام : 4 / 151 ح 418 ، الفقيه : 2 / 44 ح 196 ، وعنها وسائل الشيعة : 1 / 13 ـ 18 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 1 ، 2 ، 5 ، 10 و 11 وغيرها .
(2) تهذيب الأحكام : 4 / 119 ح 342 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 158 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2 .
(الصفحة 330)
السّابع : قاعدة الجبّ المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله) : الإسلام يجبّ ما قبله(1) ، وتقريب دلالتها على الاشتراك في المقام أنّه على تقدير اختصاص الأحكام الفرعيّة بالمؤمنين ، يلزم اختصاص مورد قاعدة الجبّ ومفادها بخصوص الكفر والشرك المتحقّق قبل الإسلام ، بحيث كان مُفاد القاعدة : أنّ الإسلام يجبّ ما قبله من الشرك والكفر ويجعلهما كالعدم ، مع أنّ شأن ورودها ـ كما تقدّم في البحث فيها ـ هو بعض الأحكام الفرعيّة ، مثل القتل وشبهه ، مع أنّ الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ يستدلّون بها على جبّ مثل ترك الصلاة والصوم والزكاة وأشباهها(2) ، فهذه القاعدة أيضاً دليل على الاشتراك في المقام .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تماميّة أكثر أدلّة المشهور القائلين بالاشتراك ، وأمّا المنكرون له فقد استدلّوا بوجوه تعرّض في الحدائق لخمسة منها(3) :
منها : عدم الدليل على الاشتراك ، وهو دليل العدم .
ويدفعه وجود أدلّة المشهور التي عرفت تمامية أكثرها .
ومنها : الرّوايات الظاهرة في توقّف التكليف على الإقرار والتصديق بالشهادتين ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتّبعه وصدّقه ، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما ، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو
- (1) تقدم في ص 265 ـ 267 .
(2) راجع ص 270 ـ 286 .
(3) الحدائق الناضرة : 3 / 39 ـ 40 .
(الصفحة 331)
لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟ الحديث(1) .
قال في الوافي بعد نقل هذه الرّواية : وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام كما هو الحقّ ، خلافاً لما اشتهر بين متأخّري أصحابنا(2) .
والظاهر أنّ وجه الدلالة أنّه إذا لم تجب معرفة الإمام على الكافر بالله ورسوله ، فعدم وجوب سائر التكاليف وعدم ثبوتها يكون بطريق أولى ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الوصول والاطّلاع على سائر الأحكام يكون نوعاً من طريق الإمام (عليه السلام) .
وما رواه علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره المعروف في تفسير قوله تعالى : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ}(3) عن أبان بن تغلب قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : يا أبان أترى أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به ، حيث يقول : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالاْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}؟ قلت له : كيف ذاك جعلت فداك؟ فسِّره لي . فقال : ويل للمشركين الّذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون ، يا أبان إنّما دعا الله العباد إلى الإيمان به ، فإذا آمنوا بالله وبرسوله إفترض عليهم الفرائض(4) .
وما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق من قوله (عليه السلام) : وأمّا قوله : {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة}(5) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نزّل عزائم
- (1) الكافي : 1 / 180 ح 3 .
(2) الوافي : 2 / 82 ذ ح 523 .
(3) سورة فصّلت 41 : 6 ـ 7 .
(4) تفسير القمّي : 2 / 262 .
(5) سورة سبأ 34 : 46 .