(الصفحة 390)
أقول : قد مرّ(1) أنّ يد المستأجر إنّما هي يد المؤجر ، كما أنّه قد مرّ(2) أنّ اليد على المنافع والاستيلاء عليها إنّما هو بتبع اليد على العين وفي طولها ، لكنّ المراد بالأوّل هو ما إذا كانت اليد ملحوظة بالإضافة إلى أصل ملكية العين ; بمعنى أنّ يد المستأجر كاشفة عن ملكيّة المؤجر للعين المستأجرة ، كما أنّ يد المؤجر كاشفة عنها .
وأمّا بالإضافة إلى المنفعة التي هي ملك للمستأجر بسبب الإجارة ، فلا مجال لتوهّم كون يده يده كما هو ظاهر ، كما أنّ المراد بالثاني ما إذا كانت العين تحت يد المالك ; فإنّه حينئذ يكون الاستيلاء على المنافع بتبع الاستيلاء على العين وفي طولها ، وأمّا إذا كانت العين تحت يد المستأجر فلا تكون هذه التبعية ، بل تصير مثل أصل الملكية ; فإنّ تبعيّة ملكية المنافع لملكية العين إنّما هي فى مورد المالك للعين .
وأمّا بالإضافة إلى المستأجر ، فالملكية متحقّقة من دون أن يكون هناك تبعيّة أصلا ، وعلى ما ذكرنا لا يبقى مجال للتفصيل المذكور ; فإنّ اليد كاشفة عن ملكية المنافع ; سواء كانت المخاصمة مع المالك أو مع الأجنبي ، وأمّا الإشكال في شمول الأخبار لليد على المنافع فقد عرفت الجواب عنه ، وأنّ بعض الروايات واردة في خصوص المنفعة ، فلا فرق بين أن يكون المدرك هي الأخبار أو بناء العقلاء .
نعم ، قد عرفت المناقشة(3) في أصل اعتبار الإجماع في القاعدة ، بأنّه لا أصالة له ولا يكشف عن موافقة المعصوم (عليه السلام) بوجه ، فراجع .
الثاني من موارد الخلاف : جريان القاعدة بالإضافة إلى نفس صاحب اليد إذا شك في أنّ ما بيده ملك له أو لغيره ، ولم يكن في مقابله مدّع أصلا ، والظاهر هو
- (1) في ص 41 .
(2) في ص 113 ـ 114 .
(3) في ص 376 ـ 377 .
(الصفحة 391)
الجريان ; لإطلاق قوله (عليه السلام) في موثّقة يونس المتقدّمة (1): «ومن استولى على شيء منه فهو له»، ولكنّه ربما يناقش في الاستدلال بها بأنّ الظاهر من هذه الرواية أ نّه (عليه السلام) في مقام مخاصمة الزوج مع الزوجة حكم بأنّ كلّ واحد منهما إذا كان مستولياً على شيء من متاع البيت فهو له ، فلا إطلاق لها يشمل صورة عدم التنازع وعدم وجود مدّع في البين .
ويدفع هذه المناقشة ـ مضافاً إلى أنّ المفروض فيها موت أحد الزوجين ، فلا معنى للمخاصمة بينهما ـ : أنّه على تقدير التصحيح بأنّ المراد مخاصمة ورثة الميّت مع أحد الزوجين لم يفرض في الرواية التخاصم والتنازع بوجه ، بل قد عرفت(2) أنّ ذيل الرواية إنّما هو في مقام إفادة قاعدة كلّية وضابطة عامّة ، وهي تشمل صاحب اليد أيضاً كما لا يخفى .
نعم ، لا مجال للاستدلال بموثّقة مسعدة بن صدقة المتقدّمة(3) ، لا لأنّ مساق تلك الرواية في بيان قاعدة الحلّ ولا ربط لها بباب اليد أصلا ; فإنّك عرفت(4) تماميّة دلالتها على قاعدة اليد ، بل لأجل أنّ موردها اعتبار يد الغير بالنسبة إلى ملكيّة ما في يده ، ولا دلالة لها على اعتبار اليد في حقّ نفس ذي اليد .
وربما يستدلّ على(5) الخلاف بصحيحة جميل بن صالح المتقدمة(6) ; حيث إنّه (عليه السلام) حكم فيها في ما وجده الرجل في داره من الدينار مع دخول الغير فيها أحياناً ، بأنّه ليس له مع ثبوت اليد والاستيلاء عليه ، وأيضاً علّل (عليه السلام) كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره من عدم إدخال غيره يده فيه أصلا .
- (1، 2) في ص 377 ـ 378 .
(3، 4) في ص 383 ـ 385 .
(5) المستدلّ هو المولى أحمد النراقي في عوائد الأيّام : 743 .
(6) في ص 379 .
(الصفحة 392)
وبموثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة ، فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال يتصدّق بها(1) ; نظراً إلى أنّه لا شك في أنّ الدّراهم كانت في تصرّف أهل المنزل وتحت أيديهم ، ولو كانت يدهم حجّة بالنسبة إليهم ، لكان اللازم مع عدم المعرفة الردّ إليهم لا التصدّق بالدّراهم كما هو ظاهر .
أقول : أمّا الصحيحة ، فالظاهر عدم دلالتها على ما رامه المستدلّ بوجه ; فإنّ الظاهر أنّ سؤال الإمام (عليه السلام) عن أنّه هل يدخل منزله غيره أم لا؟ كان لأجل افتراق الصّورتين في الحكم ; ضرورة أنّه لا مجال للاستفصال والسؤال مع اشتراك الحكم وعدم الاختصاص ، وحينئذ يستفاد من الرّواية أنّ دخول الغير منزل الرجل له دخل في الحكم بكون الدينار الذي وجده الرجل لقطة ، وأنّه لو لم يكن كذلك لا يكون لقطة ، بل هو لصاحب المنزل المستولي عليه .
والحكم بكونه لقطة في ذلك المورد إنّما هو لأجل أنّه مع دخول الغير في المنزل ، خصوصاً إذا كان كثيراً ، لا يكون للرجل استيلاء على الدّراهم ، خصوصاً مع كون المتعارف في الدراهم والدّنانير أنّ لهما موضعاً مخصوصاً بعيداً عن أيدي الداخلين وأنظارهم .
كما أنّ التفصيل فيما لو وجد في صندوقه ديناراً بين ما يدخل أحد غيره يده فيه ، وبين غيره ليس لأجل أنّه مع عدم إدخال الغير يده فيه يحصل له العلم بكونه مالكاً له ; ضرورة أنّه قد يحصل له الشك فيه ولو مع العلم بعدم إدخال الغير يده فيه ، كيف ؟ ولا مجال مع العلم للسؤال في الرواية ، بل لأجل أنّه مع انحصار التصرّف في الصندوق به نفسه يكون هو المستولي فقط على ما فيه ، وأمّا مع إدخال
- (1) تهذيب الأحكام : 6 / 391 ح 1171 ، وعنه وسائل الشيعة : 25 / 448 ، كتاب اللقطة ب 5 ح 3 .
(الصفحة 393)
الغير يده فيه ، الذي يكون كناية عن استيلاء الغير أيضاً لا يكون الاستيلاء له فقط .
وأمّا الموثّقة ، فالظاهر أيضاً عدم تمامية الاستدلال بها ; لأنّ بيوت مكّة في الموسم يكون أكثرها منزلا للحجّاج على ما هو المتعارف في هذه الأزمنة ، مع شدّة وكثرة عددها ، فكيف بالأزمنة السّالفة؟ ومن المعلوم أنّه في تلك الأيام لا يبقى لصاحب المنزل استيلاء على ما في منزله ، خصوصاً بالنسبة إلى الدراهم التي وجدها الرجل مدفونة ، فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالدفن إلاّ كونها مستورة تحت رماد ونحوه ممّا هو من آثار من دخل في المنزل قبل هذا الرجل ممّن هو مثله ; لأنّ الرجل المسافر لا يكون من شأنه الإقدام على حفر منزل غيره .
وبالجملة : فالحكم بالتصدّق مع عدم معرفة أهل تلك البيوت ليس لأجل عدم اعتبار يد المستولي بالنسبة إلى نفسه ، بل لأجل عدم تحقّق استيلاء في أمثال مورد الرواية ، فتدبّر .
الثالث من موارد الخلاف : ما لو كان حال اليد في السابق معلوماً ، وبعبارة اُخرى : كان حال حدوثها معلوم العنوان ، وفيه صور ; فإنّه تارة : يعلم بأنّها كانت في السابق يداً عادية ، وكان ذو اليد غاصباً لما تحت يده ، غاية الأمر أنّه يحتمل فعلا أن يكون مالكاً له بالانتقال إليه بناقل شرعيّ اختياري أو قهري كالإرث ، واُخرى : يعلم بكون اليد السابقة يد عارية أو إجارة أو وكالة ونحوها ، والآن يحتمل كونه مالكاً للعين كذلك ، وثالثة : يعلم بكون العين التي بيده موقوفة ، والآن يشك في ملكيّة ذي اليد باعتبار احتمال عروض بعض الاُمور المسوّغة لنقلها وتحقّق النقل والانتقال بعده .
أمّا في الصورة الاُولى : فالظاهر عدم اعتبار اليد ; لأنّ العقلاء لا يكون بناؤهم في هذه الصورة على المعاملة فيه ذي اليد معاملة المالك ، ولا تكون يده
(الصفحة 394)
حينئذ أمارة على الملكية وكاشفة عنها ، مضافاً إلى بعض ما يجيء في الصورة الثانية .
وأمّا في الصورة الثانية : فقد لا يكون في مقابل ذي اليد مدّع لملكية العين أصلا ، وقد يكون ، وعلى التقدير الثاني قد يكون المدّعي هو الذي كان مالكاً للعين سابقاً ، وكان ذو اليد مستأجراً له أو مستعيراً منه ، وقد يكون المدّعي أجنبيّاً ; كما أنّه على هذا التقدير قد يقع الكلام في حكم اليد الكذائية ، وأنّه كيف يعامل معها؟ وقد يقع الكلام في حكم الحاكم وأنّه كيف يحكم؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضى إطلاق كلام المحقّق النائيني (قدس سره) سقوط اليد في جميع التقادير ، ولزوم العمل على ما يقتضيه استصحاب حال اليد ; نظراً إلى أنّ اليد إنّما تكون أمارة على الملك إذا كانت مجهولة الحال غير معنونة بعنوان الإجارة والغصب ونحوهما ، واستصحاب حال اليد يوجب تعنونها بعنوان الإجارة أو الغصب ، فلا تكون كاشفة عن الملكية .
ولا مجال لدعوى حكومة اليد على الاستصحاب بتوهّم أنّ اليد أمارة على الملكية ، فيرتفع بها موضوع الاستصحاب ; لأنّ موضوعه اليد العادية ، واليد تقتضي الملكية ، فلا يبقى موضوع للاستصحاب ; وذلك لأنّ اليد إنّما تكون أمارة على الملكية إذا لم يعلم حالها ، والاستصحاب يرفع موضوع اليد كما هو واضح(1) .
واُورد عليه بوجهين :
أحدهما : ما أفاده المحقّق العراقي (قدس سره) من أنّ هذا الكلام له وجه لو قلنا بأنّ الجهل بالحالة السّابقة مأخوذ في موضوع دليل اعتبار اليد وحجيّته ، لا أن يكون الجهل بالحالة السّابقة مورداً للقاعدة كما هو كذلك ، وإلاّ لو كان الجهل موضوعاً لها يلزم أن تكون القاعدة أصلا عمليّاً ; وذلك لأنّ الفرق بين الأصل والأمارة هو أنّ
- (1) فوائد الاُصول : 4 / 604 ـ 605 .