(الصفحة 300)
للميت والحجّ مطلقاً للأجير الذي يكون ثقة عنده ، فاتّفق أنّه لم يأت بتلك العبادة ومات ولم يترك مالا ; فإنّه لا ضمان على الحاكم ; لكونه محسناً .
وكما إذا آجر الأب أو الجدّ له سفينة المولّى عليه أو إبله أو جمله ، فغرقت السفينة وهلكت البعير أو الجمل ، فلا ضمان عليه ، وكذا نظائره من الموارد الكثيرة .
ولهذا القسم موارد حكموا فيها بالضمان ; كالأمثلة المتقدّمة(1) في معنى الإحسان ، التي من جملتها ما إذا أخذ دابّة الغير فذهب بها إلى المرعى لترعى فيه فتلفت ; فإنّه مع كونه محسناً لكنّهم حكموا فيها بالضمان ، والفرق بينها وبين ما لم يحكموا فيه بالضمان هو ثبوت الإذن في التصرّف هناك وعدم ثبوته هنا ، ولأجله يشكل الحكم بعدم الضمان فيها مستنداً إلى قاعدة الإحسان ; لعدم الفرق في جريان القاعدة بين الموردين ; ضرورة أنّه إن كان الإحسان شاملا لجلب النفع ، فأيّ فرق بين الموردين؟ مع أنّ الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في عدم الضمان في تلك الموارد ، مع أنّ شمول الإحسان لجلب المنفعة محلّ خلاف ، فالإنصاف أنّ عدم الضمان في تلك الموارد لا يكون مستنداً إلى القاعدة ، بل إلى عدم شمول قاعدة ضمان اليد لها بعد اختصاص موردها باليد غير المأذونة أو اليد العادية ، كما أنّك عرفت أنّ الحكم بعدم الضمان في القسم الأوّل أيضاً إنّما هو لقصور دليل الضمان عن الشمول لمثله ; سواء كان هي قاعدة ضمان اليد أو قاعدة ضمان الإتلاف ، فالباقي أنّ قاعدة الإحسان إمّا تصير بلا مورد ، أو يكون لها موارد قليلة على ما عرفت في القسم الأوّل ، فتدبر .
تتمّة : ربما يستشكل في القاعدة بأنّ الفقهاء ذكروا في باب اللقطة أنّ الملتقط بعد اليأس عن إيصال المال إلى صاحبه يتصدّق به عنه ، ومع ذلك حكموا بأنّه
(الصفحة 301)
ضامن للمالك إذا ظهر بعد التصدّق وعلم به ولم يرض(1) ، مع أنّ الملتقط لا يكون في عمله هذا إلاّ محسناً محضاً ، فكيف يكون ضامناً؟
واُجيب عنه بأنّ الشارع حكم بجواز التصدّق مع الضمان إن ظهر صاحبه ، فالتصدّق إحسان مع هذا القيد ، فصرف التصدّق بدون هذا القيد لا يكون إحساناً ; إذ لا يمكن أخذ مال الناس والتصدّق به عنهم استناداً إلى أنّه إحسان ، فالتصدّق المقيّد مصداق للإحسان ، وهذا الحكم لا يكون مختصّاً باللقطة ، بل يجري في كلّ ما هو مجهول المالك ، كالأموال المسروقة الواقعة في يده التي لا يعلم صاحبها ، والدين المجهول صاحبه ، والقُراضة في دكّان الصائغ وأمثالها .
وربما يستشكل فيها أيضاً بحكمهم بضمان الطبيب مطلقاً ، أو في خصوص ما إذا باشر العلاج بنفسه(2) ، مع أنّه لا شبهة في كونه محسناً وغرضه علاج المريض ، فكيف يكون ضامناً؟
إلاّ أن يقال بأنّ الحكم بالضمان في مثله مستند إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها الضمان(3) ، وهذه الروايات تكون بمنزلة المخصّص لقاعدة الإحسان ، وفيه تأمّل ; لإباء سياقها عن التخصيص ، كما لا يخفى .
هذا تمام الكلام في قاعدة الإحسان .
29 ذي القعدة الحرام 1408 هـ
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 292 ، تحرير الأحكام : 4 / 463 ، مسالك الأفهام : 12 / 517 ـ 518 .
(2) نكت النهاية : 3 / 420 ـ 421 ، اللمعة الدمشقية : 180 ، الروضة البهية : 10 / 108 ـ 110 ، جواهر الكلام : 43 / 46 .
(3) وسائل الشيعة : 29 / 260 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 24 .