(الصفحة 552)
الميّت ـ وجوباً أو تبرّعاً ـ فلا أمر للنائب إلاّ الأمر الوجوبي أو النّدبي بالنيابة لا بالمنوب فيه ، وأوامر النيابة توصّلية .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الجواب الصحيح عن الوجه الأوّل ما ذكر ، فتدبّر .
بقي الكلام في الواجبات النظاميّة التي قام الإجماع بل الضرورة على جواز أخذ الاُجرة فيها(1) ، فإن قلنا بعدم استلزام القول بالجواز في غيرها لشيء من الايرادات العقلية المتقدّمة ـ كما هو الحقّ وقد عرفته ـ فلا يكون الحكم بالجواز فيها مخالفاً لحكم العقل وللقاعدة . وأمّا إن قلنا بالاستلزام فلابدّ من أن يكون خروج الواجبات النظامية والحكم بالجواز فيها مستنداً إلى دليل ، وفي الحقيقة يرد على المشهور القائلين بالمنع(2) ، النقض بالواجبات النظامية ، ولابدّ لهم من الجواب ، وقد اُجيب عن ذلك بوجوه :
منها : خروجها بالإجماع والسيرة القائمين على الجواز في خصوصها(3) .
ويرد عليه : أنّه إنّما يجدي إذا كان المنع لدليل تعبّدي ; فإنّه على هذا التقدير يخصّص عمومه بالإجماع والسيرة المذكورين . وأمّا إذا كان المنع لأمر عقليّ ـ كما عرفت ـ فلا موقع لتخصيصه بما عدا الواجبات النظامية ، كما هو الظاهر .
ومنها : ما عن جامع المقاصد من اختصاص الجواز بصورة سبق قيام من به الكفاية بالعمل ، وعليه : فيخرج عن أخذ الاُجرة على الواجب تخصّصاً(4) .
ويرد عليه : أنّه مناف لإطلاق كلام الأصحاب ; فإنّ ظاهرهم ثبوت الجواز
- (1) مجمع الفائدة والبرهان : 8/89 ، رياض المسائل : 8/82 ـ 83 ، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2/137 .
(2) تقدم تخريجاته في ص 531 .
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2 / 137 .
(4) جامع المقاصد : 7 / 181 ـ 182 .
(الصفحة 553)
بالإضافة إلى السابق أيضاً ، وبعبارة اُخرى : مرجعه إلى تسليم الإشكال ; لأنّه مع سبق قيام من به الكفاية يسقط الوجوب ، ولا يكون أخذ الاُجرة حينئذ في مقابل الواجب كما عرفت .
ومنها : ما نسب إلى صاحب الرياض (قدس سره) من اختصاص المنع بالواجبات الذاتيّة النفسيّة ، كدفن الميّت وتعليم الأحكام ، لا الواجبات المقدميّة كالصناعات التي هي مقدّمة لحفظ النظام الواجب(1) .
واُورد عليه : بأنّ المنع ليس لدليل لبّي يؤخذ فيه بالمتيقّن ، ولا لفظيّ ليدّعى انصرافه عن الواجب الغيري ، بل المانع أمر عقلي ينافي طبيعة الوجوب نفسيّاً كان أم غيريّاً(2) .
ويمكن الجواب عنه بأنّ القدر المسلّم من حفظ النظام الواجب هو حفظه بنحو لا يوجب الهرج والمرج ، والاُجرة لا تقع في مقابل ما تعلّق به التكليف ، بل هي واقعة في مقابل المقدّمات ; ضرورة أنّها تقع في مقابل الطبابة والخياطة ونحوهما ، وهذه الاُمور مقدّمة لتحقّق الواجب ، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يسري الوجوب من ذي المقدمة إليها(3) ، فلا يستلزم القول بالجواز فيها شيئاً من الايرادات العقلية المتقدّمة ، ولكن مقتضاه التصرّف في كلام الرياض ; لأنّ لازمه جواز أخذ الاُجرة مع حفظ الوجوب الغيري وثبوته ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر بطلان ما عن بعض الأعلام في مقام الجواب عن صاحب الرياض ، من أنّ تلك الصناعات مع انحفاظ النظام متحدان في الوجود كالإلقاء والإحراق ، والضرب والتأديب ، والمقدّمة المتحدة الوجود مع ذيها لا تجب
- (1) رياض المسائل : 8/82 ـ 83 ، والحاكي هوالمحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .
(3) اُصول فقه شيعة : 4 / 559 ـ 628 .
(الصفحة 554)
بوجوب مقدّمي ; لاستحالة التوصّل بشيء إلى نفسه(1) .
وجه البطلان أنّ الفعل التوليدي يستحيل أن يكون متّحد الوجود مع المتولّد منه ، ومن الواضح مغايرة الخياطة وانحفاظ النظام ، وكذا غيرها ، فهذا الوجه خال عن الإشكال ، وإن كان لا يلائم التعبير عن مثل الخياطة بالواجب النظامي ; فإنّ الواجب هو ذو المقدّمة ، والخياطة لا تكون واجبة أصلا ، وفي الحقيقة يخرج ذلك عن محلّ البحث ، وهو أخذ الاُجرة على الواجب كما هو ظاهر .
ومنها : غير ذلك من الوجوه المذكورة التي تظهر مع ما يمكن أن يجري فيها من المناقشة للمتتبع المتأمّل .
هذا تمام الكلام في قاعدة أخذ الاُجرة على الواجب .
- (1) حاشية على المكاسب للميرزا محمد تقي الشيرازي : 153 .
require("baknext.php");
?>