(الصفحة 476)
الجهة الرّابعة : في أنّه إذا صارت المعاملة محرّمة لأجل الإعانة على الإثم ـ كبيع العنب لأجل صرفه في التخمير ـ لا يوجب ذلك بطلان المعاملة وإن قلنا بأنّ النهي والتحريم المتعلّق بالمعاملة يوجب فسادها على خلاف ما هو مقتضى التحقيق ، كما بيّـن في محلّه ; وذلك لأنّ التحريم بمقتضى النصوص والفتاوى إنّـما تعلّق بعنوان الإعانة على الإثم والعدوان ، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يعقل أن يسري الحكم من متعلّقه إلى شيء آخر ، ولو كان بينهما اتّحاد في الخارج(1) .
وعلى هذا المبنى قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة الاُصولية ، وفي المقام بيع العنب في المثال المذكور وإن كان منطبقاً عليه عنوان الإعانة على الإثم ، إلاّ أنّه لا يكاد يسري الحكم من عنوان الإعانة إلى عنوان البيع ، فالمحرّم في جميع الحالات وفي جميع المقامات هو نفس هذا العنوان ، وأمّا عنوان البيع فهو محكوم بحكمه الأوّلي وهو الجواز ، فلا مجال لأن يصير باطلا لأجل الحرمة بعد كون متعلّقها هو عنوان الإعانة دون المعاملة .
هذا تمام الكلام في قاعدة حرمة الإعانة على الإثم .
28 محرم الحرام 1409 هـ
- (1) اُصول فقه الشيعة : 5 / 349 .
(الصفحة 479)قاعدة حجيّة البيّنة
وهي من القواعد الفقهية المعروفة والمبتلى بها في كثير من أبواب الفقه ، والكلام فيها يقع في مقامات :
المقام الأوّل : في ما يدلّ أو يستدلّ به على اعتبار البيّنة ، وهو اُمور :
الأوّل : دعوى الإجماع(1) على اعتبارها في الموضوعات الخارجية التي يترتّب عليها حكم أو أحكام في الشريعة المقدّسة كالنجاسة ، والغصبيّة ، والملكية ، والعدالة ، والقبلة ، والاجتهاد وأشباهها .
وقد أورد على هذه الدّعوى بأنّ هذا الاجماع على تقدير تحقّقه لايكون واجداً لملاك الحجّية ولا كاشفاً عن موافقة المعصوم (عليه السلام) ; لاحتمال أن يكون مستند المجمعين شيئاً من الوجوه الآتية ، وعليه لا يبقى للإجماع أصالة ، بل اللازم النظر في تلك الوجوه واستفادة حكم البيّنة منها(2) ، كما لا يخفى .
- (1) غنية النزوع : 438 ، جواهر الكلام : 6 / 173 ، العناوين : 2 / 650 .
(2) عوائد الأيّام : 812 ، التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الطهارة : 2 / 260 ، القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي : 3 / 16 .
(الصفحة 480)
ويمكن الجواب عن الإيراد بأنّه حيث لا تكون الوجوه الآتية ظاهرة الدلالة على حجّية البيّنة ، بل اكثرها أو كلّها مخدوشة ، فالاجماع على اعتبارها بنحو يكون كإرسال المسلّمات لا يبعد أن يقال بكشفه عن موافقة المعصوم (عليه السلام) ، لعدم التلاؤم بين هذا النحو من الإرسال ، وبين الوجوه التي لا تكون دلالتها على حجيّة البيّنة ظاهرة ، كما هو ظاهر .
الثاني : أنّه لا إشكال في اعتبار البيّنة في مورد الترافع والخصومة وتقدّمها على غير الإقرار مثل اليمين ونحوها ، فإذا كانت معتبرة في ذلك الباب مع وجود المعارض وثبوت المكذّب ـ حيث إنّ المنكر بإنكاره يكذب البيّنة ويعارضها ـ ففيما إذا لم يكن لها معارض تكون معتبرة بطريق أولى ، فالدليل على حجّية البيّنة في ذلك الباب يدلّ بمفهوم الموافقة على الحجيّة في غيره ممّا لا يكون لها معارض .
واُورد عليه بأنّ اعتبار شيء في باب المرافعات والخصومات ، لا دلالة له على اعتباره في غيرها أصلا ، فضلا عن أن يكون بطريق أولى ; لأنّ بقاء التنازع والتخاصم ينجرّ إلى اختلال النظام ، وهو مبغوض للشارع ، وغرضه رفعها بأيّ نحو كان ، فاعتبار شيء في ذلك الباب لا يلازم الاعتبار في غيره ، كما أنّ اليمين مع اعتبارها في فصل الخصومة لا تكون معتبرة في غيره(1) .
الثالث : الروايات الواردة في هذا الباب ، وعمدتها رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك ،
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الطهارة : 2 / 261 .