(الصفحة 182)
لامؤيّداً ;لأنّ التشيّع لايكون موجباً لرفع الآثار السّابقة ، يرد عليه : أنّه لا فرق بين هذاالحكم ،وبين الحكم بجوازالرجوع بزوجته بعدالتشيّع ; لعدم الفرق بين الموردين .
هذا ، ولكن أصل التعبير بهدم إيمانه ضلاله ويقينه شكّه ممّا لا يلائم قاعدة الإلزام بوجه ; لابتنائها على أنّ اعتقاد المخالف وتديّنه بدينه يلزمه بما ألزمه به نفسه ، فالرواية أجنبية عن المقام .
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه بناءً على القول بحصول الفراق بمجرّد الطلاق ، لو استبصر الزوج وأراد الرجوع إليها لا يجوز له ذلك إلاّ بعقد جديد .
الجهة الرابعة : في موارد تطبيق القاعدة ، وهي موارد كثيرة لا يسهل إحصاؤها ، ولكنّ المناسب الإشارة إلى جملة منها :
منها : مسألة الطلاق على غير السنّة التي تقدّم البحث عنها في الجهة الثالثة .
ومنها : مسألة التعصيب ; وهو توريث العصبة ما فضل من السّهام ، والمراد من العصبة هم أقرباء الميّت الذين يتعصبون له ، وهم الأب والإبن ومن يتقرّب بهما إلى الميّت ، فلو كانت للميّت بنت واحدة وأخ أو عمّ ، فبناءً على مذهب الإمامية القائلين ببطلان التعصيب ، يكون جميع التركة للبنت ، غاية الأمر ثبوت نصفها فرضاً وثبوت النصف الآخر ردّاً ، والأخ وكذا العمّ لا يرثان مع وجود البنت أصلا . وكذلك لو كانت للميّت بنتان مثلا وأخ أو عمّ ، فعلى قول الإمامية يكون جميع التركة للبنتين : الثلثان فرضاً والثلث الباقي ردّاً ، ولا يرث الأخ ولا العمّ ، بل في فيها ـ أي العصبة ـ التراب ، كما ورد في الرواية(1) .
وأمّا على القول بالتعصيب فيعطى النصف الزائد على فرض البنت للأخ أو العمّ في المثال الأوّل ، والثلث الزائد على فرض البنتين للأخ أو العمّ في المثال الثاني ،
- (1) الكافي : 7 / 75 ح 1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 267 ح 972 ، وعنهما وسائل الشيعة : 26 / 64 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 3 .
(الصفحة 183)
وهكذا في سائر موارد الإرث التي فيها التعصيب .
وحينئذ ، فإن كان من هو من العصبة إماميّاً غير قائل بالتعصيب ، فمقتضى قاعدة الإلزام أنّه يجوز له الأخذ بعنوان العصبة ، ويصير ملكاً له شرعاً ، وقد ورد في رواية عبد الله بن محرز ورواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمتين(1) التصريح بذلك ، بل في الرواية الاُولى : «خذوا منهم ما يأخذون منكم» ، وهو بمنزلة التعليل ، وكيف كان ، فلا شبهة في هذه المسألة بوجه .
ومنها : أنّه لو تزوّج الشيعي بامرأة من المخالفين بدون حضور شاهدين عادلين على اليد ، فلو مات هذا الشيعي بعد الدخول بها يجوز لورثة الميّت إن كانوا من الشيعة منعها من الإرث والمهر وكلّ ما تستحقّه بسبب الزوجيّة ; لأنّها كانت معتقدة لبطلان هذا العقد ; لاشتراط صحّته عندهم بحضور شاهدين(2) ، بخلاف الطلاق ، عكس ما يعتقد به الإماميّة في النكاح والطلاق(3) ، فمقتضى قاعدة الإلزام منعها من جميع ذلك بعد بطلان العقد باعتقادها ، كما لا يخفى .
ويمكن أن يقال بأ نّ القدر المتيقّن من قاعدة الإلزام المستفادة من النصوص المتقدّمة ، هو ما لو كان المخالف عاملا على وفق دينه ومذهبه ، بحيث كان عمله صحيحاً حسب اعتقاده ، وأمّا لو كان عمله مخالفاً لما يعتقده ويدين به ، كما في التزويج في المثال ، وكما في الجمع بين العمّة والخالة ، وبنت الأخ أو الاُخت ، فلا تكون هذه الصورة مشمولة للقاعدة ، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) في رواية عبد الله بن طاووس المتقدّمة(4) : «من دان بدين قوم لزمته أحكامهم» ، أنّه من دان بدين
- (1) في ص 169 ـ 170 .
(2) الأُمّ : 5 / 23 ، بدائع الصنائع : 2 / 522 ـ 523 ، بداية المجتهد : 2 / 17 .
(3) الخلاف : 4 / 261 مسألة 13 و ص 453 مسألة 5 ، الانتصار : 281 ـ 282 و 299 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 291 و 321 المراسم العلوية : 153 و 163 ، الكافي في الفقه : 293 و 305 ، غنية النزوع : 345 و 371 .
(4) في ص 169 .
(الصفحة 184)
وعمل على طبق دينه ومذهبه ، لا على خلافه ومضادّه .
وعليه : فلم يعلم شمول القاعدة لهذا الفرض ، بل يمكن أن يقال : بأنّه لا يتحقق قصد النكاح والإنشاء ممّن يرى مدخليّة الأمر الفاقد في صحّة النكاح شرعاً ; فإنّه مع الالتفات إلى ضرورة وجود الشاهدين في النكاح كيف يتمشّى منه قصد الإنشاء مع فقدهما ، ومن المعلوم أنّه مع عدم القصد يكون النكاح باطلا بحسب اعتقاد الفريقين ، فتدبّر جيّداً .
ومنها : العدّة على اليائسة ; فإنّه لا عدّة عليها في مذهبنا(1) بخلافهم ; إِذ أنّهم يقولون : إنّها تعتدّ ثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها ، كما في الفقه على المذاهب الأربعة(2) ، وربما يقال في تطبيق القاعدة على هذا المورد : إنّ قاعدة الإلزام تلزم من كان من العامّة يرى ثبوت العدّة عليها ، أن لا يعقد في عدّتها على الاُخت وسائر من يحرم عندهم الجمع بينهما ، وكذلك لا يجوز عقده على الخامسة مادامت في العدّة ، وهكذا بقيّة أحكام العدّة .
مع أنّه لا يخفى أنّ هذا الإلزام لا يكون ناشئاً من قاعدة الإلزام الجارية في حقّ الشيعة بالإضافة إلى المخالف ; فإنّ الملزم له على ترتيب أحكام العدّة وآثارها هو اعتقاده بلزوم العدّة وثبوتها في اليائسة ، لا قاعدة الإلزام الثابتة لنا بالنسبة إليهم ، بل مقتضاها في هذا الفرع عدم جواز التزويج لنا بالمرأة المطلّقة اليائسة مادامت لم تخرج من العدّة ، وجواز مطالبة المطلّقة منه بالنفقة مادامت في العدّة على تقدير الثبوت في عدّة المطلّقة الشيعية ، ومثل ذلك .
ومنها : طلاق المكرَه الذي لا يصحّ عندنا(3) ، ولكنّه يصحّ عند أبي حنيفة
- (1) الخلاف : 5 / 53 مسألة 1 .
(2) الفقه على المذاهب الأربعة : 4 / 549 ـ 552 ، المغني لابن قدامة : 9 / 89 . .
(3) الخلاف : 4 / 478 مسألة 44 ، المختصر النافع : 307 ، نهاية المرام : 2 / 11 .
(الصفحة 185)
وجمع كثير منهم(1) ، فلو كان المطلّق ممّن يقول بقولهم وصدر عنه الطلاق عن إكراه ، فمقتضى قاعدة الإلزام جواز التزويج من المطلّقة كذلك كالمطلّقة ثلاثاً في الفرع المتقدّم ، وهكذا طلاق السكران(2) وطلاق الحائض مع حضور الزوج(3) ، والطلاق في طهر المواقعة(4) ، ففي جميع ذلك يكون الطلاق فاسداً على مذهبنا ، ويكون صحيحاً عند فقهائهم جميعاً ، أو في بعض المذاهب ، فيجوز إلزامهم بذلك .
ومنها : الطلاق المعلّق ، فإن كان المعلّق عليه مشكوك الحصول ; وهو المعبّر عنه بالشرط ، فالظاهر اتفاقنا على البطلان(5) ، واتفاقهم على الصحة مع وجود الشرط(6) ، وعليه : فلو وقع من المخالف الطلاق المعلّق بهذا النحو ، يجوز للموافق ترتيب آثار الصحة عليه ، والتزوّج بزوجته المطلّقة كذلك .
وإن كان المعلّق عليه معلوم الحصول كطلوع الشمس وغروبها ، فمنّا من يقول بالصحة(7) ، وبعضنا يقول بالبطلان(8) ، وإن كان يظهر من الجواهر أنّ البطلان قول مشهور ، بل حكى عن جمع من الكتب الفقهية الإجماع عليه(9) وجعله الحجّة(10) ، فإن كان الشيعي ممّن يقول بالصحة ، فإجراء أحكام الصحة لا يرتبط حينئذ بقاعدة
- (1) تبيين الحقائق : 2 / 194 ، بدائع الصنائع : 3 / 160 و ج 6 / 193 ـ 194 ، المغني لابن قدامة : 8 / 259 .
(2) الاُمّ : 5 / 270 ، المجموع : 18 / 192 ، إعانة الطالبين : 3 / 5 ، الخلاف : 4 / 480 مسألة 45 .
(3 ، 4) المبسوط للسرخسي : 6 / 16 ، المغني المحتاج : 3 / 309 ، المجموع : 18 / 205 ـ 209 ، الخلاف : 4 / 446 مسألة 2 ، الانتصار : 306 .
(5) الانتصار : 298 .
(6) المجموع شرح المهذّب : 18 / 274 ـ 275 ، بداية المجتهد : 2 / 78 ـ 79 .
(7) نهاية المرام : 2 / 31 .
(8) كشف اللثام : 8 / 37 .
(9) كالانتصار : 298 ، وإيضاح الفوائد : 3 / 310 ، والتنقيح الرائع : 3 / 308 ، والروضة البهية : 6 / 16 .
(10) جواهر الكلام : 32 / 78 .
(الصفحة 186)
الإلزام ، وإن كان ممّن يقول بالبطلان فالحكم بالصحة يبتني على هذه القاعدة ويصير من مواردها .
ومنها : الحلف بالطلاق ; فإنّه لا ينعقد اليمين بالطلاق عندنا بخلافهم(1) ، قال ابن رشد في محكيّ البداية : «واتفق الجمهور في الأيمان التي ليست إقساماً بشيء ، وإنّما تخرج مخرج الإلزام الواقع بشرط من الشروط ، مثل أن يقول القائل : فإن فعلت كذا فعليّ مشى إلى بيت الله ، أو إن فعلت كذا وكذا فغلامي حرّ ، أو امرأتي طالق ، أنّها تلزم في القرب ، وفيما إذا التزمه الإنسان لزمه بالشرع ، مثل الطلاق والعتق ، واختلفوا هل فيها كفّارة أم لا؟»(2) وعليه : فلو حلف العامي أنّه إن فعل كذا وكذا فامرأته طالق ، وصادف أنّه فعل ذلك الشيء ، فيجوز للشيعي ترتيب آثار الطلاق والتزويج بالمطلّقة الكذائية .
ومنها : خيار الشرط ، فالشيعة لا تقيّده بوقت ، بل يعتبرون أن يكون مدّة مضبوطة لا تحتمل الزيادة والنقصان(3) ، والمالكية بعد تقسيمهم مدّة خيار الشرط بالنسبة إلى المبيع إلى أربعة أقسام : منها : بيع العقار ، قالوا فيه : بأنّه يمتدّ إلى ستّة وثلاثين يوماً(4) . والشافعية(5) والحنفية(6) يشترطون ثلاثة أيّام ، والحنابلة(7)يقولون بمثل قولنا ، وعليه : فربما يقال في تطبيق القاعدة على هذا المورد بأنّه
- (1) الانتصار : 352 ، الخلاف : 6 / 139 مسألة 32 ، الحاوي الكبير : 19 / 462 ـ 467 ، حلية العلماء : 7 / 289 .
(2) بداية المجتهد : 1 / 428 ـ 429 .
(3) الانتصار : 433 ، الخلاف : 3 / 31 مسألة 42 .
(4) أسهل المدارك : 2 / 95 .
(5) المهذّب في فقه الشافعي : 2 / 5 ، المحلّى بالآثار : 7 / 262 .
(6) المحلّى بالآثار : 7 / 260 مسألة 1421 ، المبسوط للسرخسي : 13 / 41 ، عمدة القارئ : 8 /471 ، اللباب في شرح الكتاب : 2 / 12 .
(7) المبسوط للسرخسي: 7 / 41، المغني لابن قدامة: 4 / 95 ـ 96، عمدة القارئ: 8 / 471 .