(الصفحة 417)
ينبغي الإشكال بمقتضى ما ذكره علماء الأدب والنّحويون أنّ المخبر به في الجملة المشتملة على «بل» الإضرابية شيء واحد ; وهو مجيء عمرو في المثال(1) ، وأنّه المعيار في صدق القضية وكذبها ، فإذا كان الجائي في المثال هو عمرو ، تكون القضية صادقة ، واذا لم يكن الجائي عمراً تكون القضية كاذبة ، سواء جاء زيد أم لم يجيء .
واللازم على هذا أن يعامل في المقام معاملة الإقرار مع الإقرار الثاني ; لأنّه بعد ما كان هذا النحو من المحاورة وإفادة المقصود غير باطل ، وبعد أنّه يجوز للمتكلّم أن يلحق بكلامه ما شاء ، لا مجال لدعوى ثبوت إقرارين ، ولا لدعوى صحّة الإقرار الأوّل ; لعدم الفرق بين المقام وبين المثال أصلا .
السادس : لو اشترك أزيد من واحد في الاستيلاء على عين ، فهل يكون استيلاء كل واحد منهما على المجموع ، أو على النصف المشاع؟ وعلى التقديرين فهل تكون يد كلّ منهما مستقلّة تامّة ، أو لا تكون إلاّ ناقصة؟ وجوه واحتمالات بحسب باديء النظر ، وفي التصور الابتدائي .
قد يقال ـ كما قاله سيّد الأساطين في ملحقات العروة ـ بأنّه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلّتين على مال واحد ، كما أنّ الأقوى عنده جواز اجتماع المالكين المستقلّين في مال واحد ; كما إذا كان ملكاً للنوع ، كالزكاة والخمس والوقف على العلماء والفقراء مثلا على نحو بيان المصرف ; فإنّ كلّ فرد من النوع مالك لذلك المال ، بل لا مانع من اجتماع المالكين الشخصيّين أيضاً ; كما إذا وقف على زيد وعمرو ، أو أوصى لهما على نحو بيان المصرف ، فإنّه يجوز صرفه على كلّ واحد منهما .
فدعوى عدم معقولية اجتماع المالكين على مال واحد لا وجه لها ، مع أنّه لا إشكال عندهم في جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلاًّ ; كخيار
- (1) مغني اللبيب : 1 / 152 .
(الصفحة 418)
الفسخ ، وكولاية الأب والجدّ على مال الصغير ، ومن المعلوم عدم الفرق بين الحقّ والملك(1) .
أقول : الملكية المستقلّة عند العقلاء عبارة عن الإضافة الخاصّة الحاصلة بين المالك والمملوك ، المعتبرة عند العقلاء ، المستتبعة للاختصاص الذي هو لازم أعمّ لها ; ضرورة أنّه قد يوجد بدونها ، ولكنّه لا يمكن تحقّقها بدونه ، فحصول هذه الإضافة بدون الاختصاص غير معقول ، ومن الواضح أنّ الاختصاص مغاير للإشتراك تغاير الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، ففي مورد تحقّق واحد منهما يمتنع حصول الآخر ويستحيل تحقّقه .
وحينئذ نقول : إنّ فرض جواز اجتماع المالكين المستقلّين في مال واحد مرجعه إلى فرض وجود الشيء وعدمه في زمان واحد ; ضرورة أنّ الملكية المستقلّة على ما عرفت عبارة عن إضافة لازمها الاختصاص المغاير للاشتراك ، وفرض الاجتماع مرجعه إلى الاشتراك الذي لا يكاد يجتمع مع الاختصاص ، فمرجع هذا الفرض إلى فرض الاختصاص وعدمه في زمان واحد ، كما هو ظاهر .
وأمّا الموارد المتقدّمة التي استشهد بها على جواز اجتماع المالكين المستقلين في مال واحد ، فالظاهر عدم كون شيء منها من هذا الباب ، وتوضيحه :
أنّ ما كان ملكاً للنوع لا يكون مالكه متعدّداً ; لأنّ المالك هو النوع وهو غير متعدّد ، والأفراد بما أنّـها أفراد متعدّدة وخصوصيات متكثّرة لا تكون مالكة أصلا ، بل ذكر سيّدنا الاُستاذ الأعظم الخميني ـ مدّ ظلّه العالي ـ أنّه يختلج بالبال في الزكاة والخمس عدم كونهما ملكاً للنوع أيضاً فضلا عن الأفراد والمصاديق ، بل المالك لهما هي الدولة الإسلامية الشاملة للفقيه في زمان الغيبة يصرفها في المصارف المعيّنة ، كما أنّ الدّول عند العقلاء مالكة يعتبرون لها الملك وإن كانت غير قائمة
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 588 ـ 589 .
(الصفحة 419)
بشخص خاصّ ، بل يكون في حال تغيّر وتبدّل(1) .
ودعوى أنّه لا يعقل كون غير ذوي العقول مالكاً معتبر له الإضافة التي هي الملك ، مدفوعة بمنع عدم التعقّل ، بل هو واقع جدّاً ; ضرورة أنّ الوقف على المساجد لا يكون المالك له إلاّ نفس المسجد ، ووقف بعض الأشياء على الضرائح المقدّسة لا يقتضي إلاّ صيرورة المالك له نفس ذلك الضريح ، وغير ذلك من الموارد ، فالمالك للزكاة والخمس هي نفس الدولة الإسلامية التي هي أمر اعتباريّ قائم بأشخاص متعدّدة ، وحينئذ لا يبقى مجال لما ذكره ، بل على تقدير كونهما ملكاً للنوع قد عرفت أنّه لا يكون المالك لهما إلاّ واحداً وهو النوع ، وخصوصيات الأفراد لا دخل لها أصلا .
ومنه يظهر الجواب عمّا إذا وقف على العلماء أو الفقراء أو على نحو بيان المصرف ; فإنّ المالك في هذا المورد أيضاً هو النوع لا الأفراد ، وأمّا الوقف على خصوص زيد وعمرو ، أو الوصية لهما على نحو بيان المصرف ، فعلى هذا التقدير ; أي تقدير أن يكون على نحو بيان المصرف ، لابدّ من الالتزام بأنّ المالك هو القدر المشترك ، الذي ينطبق على زيد وعلى عمرو لا خصوص كلّ منهما ، وعلى غير هذا التقدير لابدّ من القول باشتراكهما في العين الموقوفة أو الموصى بها ، بحيث يكون لكلّ منهما النصف المشاع لا المجموع ، كما لا يخفى .
وأمّا جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلاًّ كخيار الفسخ ، فهو وإن كان ممّا لا ينكر ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الفرق بين الحقّ والملك عند العقلاء الذين هم المرجع في مثل هذا الباب ، ويشهد لذلك أنّه لو قامت بيّنة على أنّ المال الفلاني مملوك بتمامه لزيد ، وبيّنة اُخرى على أنّه مملوك بتمامه لعمرو ، فالنسبة بين البيّنتين عند العقلاء هي التعارض والتكاذب ، وليس ذلك إلاّ لعدم إمكان اجتماع مالكين
- (1) الرسائل في الاُصول 1 : 271 ـ 272 .
(الصفحة 420)
مستقلّين على ملك واحد .
وهذا بخلاف ما لو قامت بيّنة على ثبوت حقّ الفسخ لزيد ، وبيّنة اُخرى على ثبوته لعمرو ; فإنّهم لا يرون تعارضاً بين البيّنتين ; بل يحكمون بثبوت الحقّ لهما بحيث يكون لكلّ واحد منهما الفسخ مستقلاًّ ، وليس ذلك إلاّ لجواز اجتماع شخصين على حقّ واحد ، ومع هذا الفرق عند العقلاء لا يبقى مجال لقياس الملك بالحقّ .
ولعلّ السرّ في الفرق أنّ الملك كما عرفت مستتبع للاختصاص الذي هو مغاير للاشتراك ، ولا يكاد ينفكّ الملك عن الاختصاص أصلا .
وأمّا الحقوق فالظاهر اختلافها ، فبعضها يكون كالملك ، كحقّ التحجير ونحوه ; فإنّه لو اشترك اثنان في تحجير موضع مباح يكون حقّه مشتركاً بينهما ، ولا يكون كلّ واحد منهما مستقلاًّ بالنسبة إليه ، وبعضها لا يكون مستتبعاً للاختصاص كالملك ، بل يمكن اجتماع أزيد من واحد بالإضافة إليه ، كحقّ الفسخ على ما عرفت ، وهذا لا فرق فيه بين أن يقال بتعلّق حقّ الخيار بالعين ، أو بتعلّقه بنفس العقد ، أو لا بهذا ولا بذلك ، بل هو عبارة عن مجرّد كون الرجل مختاراً في فعله الذي هو الفسخ ، كما اختاره القائل (قدس سره) في حاشية المكاسب(1) .
وبالجملة : الحقّ لا يكون ملازماً للاختصاص ، بخلاف الملك ، فقياس أحدهما بالآخر قياس مع الفارق .
ثمّ إنّه أجاب بعض المحقّقين في رسالته التي صنّفها في قاعدة اليد عن هذا القياس بما لفظه : أنّ الوحدة تارة تضاف إلى العقد ، واُخرى إلى الفسخ ، فالأوّل موضوع حقّ الخيار ، والثاني متعلّقه ، فيراد تارة : قيام حقّين لشخصين بعقد واحد ، واُخرى : يراد قيام سلطنتين على حلّ واحد ; لأنّ العقد واحد فحلّه أيضاً
- (1) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي : 2 / 367 ـ 368 .
(الصفحة 421)
واحد ، ومن الواضح أنّ أحد الطرفين لاعتبار الحقّ هو ذو الحقّ ، وطرفه الآخر هو حلّ العقد ، فالإضافة الخاصّة متقوّمة بطرفها وهو الحلّ دون العقد الخارجي الوحداني ، والمقوّم للحلّ المتعلّق به الاعتبار في اُفق الاعتبار هو العقد بوجوده العنواني لا بوجوده العيني ، فبالإضافة إلى اُفق الاعتبار اعتباران متعلّقان بحصّتين من الحلّ المتقوّم كلّ منهما بوجود عنواني من العقد ، ووحدة طبيعيّ الحلّ لا توجب ورود حقّين على واحد شخصيّ ; بداهة أنّ الحلّ القائم بأحدهما غير الحلّ القائم بالآخر ، فمتعلّق سلطان كلّ منهما غير متعلّق سلطان الآخر(1) .
ويرد عليه : أنّ الحلّ الذي هو أحد الطّرفين لاعتبار الحقّ ليس هو طبيعي الحلّ الذي يتقوّم بالعقد بوجوده العنواني ; ضرورة أنّ السّلطنة الثابتة لكلّ منهما إنّما هي على الحلّ المضاف إلى العقد الشخصي الذي وقع في الخارج ، لا حلّ العقد بعنوانه العامّ ; ومن المعلوم أنّ الحلّ المضاف إلى الأمر الوحداني الخارجي لا يكون إلاّ واحداً لا تعدّد فيه أصلا ، فإثبات تغاير متعلّقي السّلطانين بذلك ممّا لا مجال له ، بل الظاهر ما عرفت من عدم قدح الوحدة في تعدّد ذي الحقّ ; لأنّ مرجع حقّ الفسخ إلى القدرة على إبطال العقد وعدمه ، ولا مانع من اتّصاف شخصين أو أزيد بوصف القدرة على ذلك .
كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الأمور التكوينيّة أيضاً ، ألا ترى أنّه يمكن قيام وصف القدرة على هدم الدار مثلا بمثل زيد و عمرو وأكثر منهما ، مع أنّ هدم الدار لا تعدّد فيه أصلا ; ضرورة أنّه لا يعقل الهدم بعد الهدم ، فتدبّر . والحاصل أنّ تعدّد ذي الحقّ لا يستلزم تعدّد الحقّ كما عرفت .
وأمّا ولاية الأب والجدّ على مال الصغير ، فالظاهر أنّ مرجعها إلى جعل حقّ التصرّف لهما بما أنّ كل واحد منهما مدبّر يتصرّف في مال الصّغير عن تدبير ، ولو
- (1) الظاهر أنه الشيخ محمد حسين الإصفهاني ، كما في هامش الرسائل للإمام الخميني .