(الصفحة 21)
إمّا أن تكون بنفسها دالّة على الحكم الشرعي ، وإمّا أن تقع في طريق إثبات الحكم الشرعي ، وأيضاً إمّا أن لا تدلّ على الحكم الشرعي أصلا ، بل تدلّ على نفي الحكم الشرعي ; كقاعدة «لا ضرر» و«لا حرج» وقاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» .
وبعض القواعد الفقهيّة في مقام تبيين متعلّق الأحكام ، وليس في دائرة الأحكام نفياً وإثباتاً ، نظير «كلّ ما توعّد الشرع عليه بخصوصه فإنّه كبيرة» فهذه القاعدة في مقام بيان تشخيص الذنب الكبير، ونظير قاعدة «كلّ ما لم يرد فيه دية في الشرع ففيه الحكومة» .
فتحصّل أنّ القواعد الفقهيّة إمّا أن تكون بصدد بيان متعلّق أو موضوعات الأحكام ، وإمّا أن تكون بصدد بيان الأحكام الكليّة نفياً أو اثباتاً ، واقعيّة أو ظاهريّة .
الجهة السادسة : في جريان القواعد الفقهية في الشبهات الحكميّة وعدم جريانها .
فذهب السيّد المحقّق الخوئي (قدس سره) (1) إلى عدم جريانها ; لكون النتائج فيها أحكاماً شخصيّة ، وقاعدة «لا ضرر» و«لا حرج» جزئيّة أيضاً ، من جهة جريانهما في الضرر والحرج الشخصيين لا النوعيين على ما هو التحقيق في محلّه .
ولكن أورد عليه الشهيد الصدر (قدس سره) ملاحظتين(2) :الملاحظة الاُولى : ما هو المراد من الشبهة الحكمية؟ إن كان المراد منها هو الشكّ في المورد الّذي كان بيانه على عهدة الشارع ; سواء كان شاملا لجميع المكلّفين أم لا ، فمن الواضح أنّ البيان في الضرر الشخصي أيضاً على عهدة الشارع . وإن كان المراد منها هو الشكّ في المورد الّذي كان بيانه على الشارع على نحو يشمل
- (1) محاضرات في اُصول الفقه : 1 / 13 .
(الصفحة 22)
جميع المكلّفين ، فالضرر الشخصيّ وإن كان خارجاً منها ، إلاّ أنّ تفسير الشبهة الحكميّة بهذا البيان يكون بلا وجه .
الملاحظة الثانية : أنّ المستفاد من بعض القواعد الفقهيّة هو الحكم الكلّي الشرعيّ على نحو يشمل جميع المكلّفين .
والظاهر تماميّة الإيرادين ، فالقواعد الفقهيّة كما تجري في الشبهات الموضوعيّة كقاعدة «الفراغ» و«اليد» و«الحليّة» ، كذلك تجري في الشبهات الحكمية .
الجهة السابعة : في مصادر القواعد الفقهية .
فاعلم أنّ المصدر فيها لا يتخلّف عن المصدر في نفس المسائل الفقهيّة ، فبعضها مستفاد من القرآن الكريم ; كقاعدة «لا حرج» و«نفي السبيل» وقاعدة «الإحسان» وغيرها ، وبعضها مستفاد من السنّة من عموم نصّ أو ظاهر رواية أو غيرهما ، وبعضها من الإجماع والعقل .
وقد يستفاد بعضها من القواعد الاُصوليّة ، كقاعدة «مشروعيّة عبادات الصبي» الّتي تستفاد من البحث الاُصولي ، أعني أنّ الأمر بالأمر هل هو أمر بذلك الشيء أم لا؟ و هذا أيضاً من نقاط الافتراق بينهما ، بمعنى أنّ القاعدة الاُصوليّة تصلح لأن تكون علّة للقاعدة الفقهيّة ولا عكس ، فتتبّع ، ومع ذلك كلّه هناك قواعد مطروحة في الفقه يستفاد منها ما يستفاد من سائر القواعد الفقهيّة ، ولكنّ الدليل فيها غير الدليل في الأحكام الشرعيّة ; كقاعدة «أنّ العلل الشرعية معرّفات» الّتي عبّر عنها المحقّق الشريف القاساني(1) بعنوان القاعدة الفقهيّة ، ولا تدلّ بالمطابقة على حكم شرعي فقهي ، وأيضاً قاعدة أنّه «لا اطّراد في العلل التشريعيّة» وغيرهما ، والظاهر أنّ دليل هذه القواعد ونظائرها ـ بناءً على كونها
- (1) تسهيل المسالك إلى المدارك في رؤوس القواعد الفقهيّة : 2 ـ 40 .
(الصفحة 23)
قاعدة فقهية ـ هو الاستقصاء في المذاق الشرعي في الموارد المختلفة ، فهي قواعد مصطادة ، فلا دليل نقليّاً معيّناً عليها .
هذا ، وقد تبحث عن بعض القواعد في الفقه ، ولكن لا بعنوان قاعدة فقهيّة ، بل كقاعدة كليّة قابلة للانتفاع بها في جميع العلوم ، كقاعدة «قبح ترجيح المرجوح» الّتي هي قاعدة عقليّة ، وقاعدة أنّه «لا تجتمع علّتان مستقلّتان على معلول واحد» فلا ينبغي جعلها من القواعد الفقهيّة كما فعله البعض .
وقد تنشأ بعض القواعد الفقهيّة من بعض آخر ; كقاعدة «ما يضمن» الّتي هي ناشئة من قاعدة «الإقدام» وقاعدة «ضمان اليد» وهذا أيضاً من نقاط التمايز بينها وبين المسائل الاُصولية ، فتدبّر .
وقد يستفاد بعض القواعد الفقهيّة من بعض القواعد الكلاميّة ; كقاعدة أنّ «الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد» بناءً على كونها قاعدة فقهيّة ، فهي مستفادة من قاعدة أنّ «أفعال الله تبارك وتعالى معلّلة بالأغراض»(1) .
الجهة الثامنة : قد أدّعى الشهيد الأوّل(2) رجوع جميع الأحكام الفقهيّة إلى القواعد الفقهيّة الخمسة :
الاُولى : «تبعيّة العمل للنيّة» .
الثانية : «المشقّة موجبة لليسر» الّتي هي شاملة لقاعدة «لا حرج» وقاعدة {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، وقاعدة «البعثة بالحنيفيّة السمحة السهلة» وقاعدة «لا ضرر ولا ضرار» .
الثالثة : «اليقين» . والمراد منها في نظره الاستصحاب .
الرابعة : «الضرر المنفي» .
- (1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 422 .
(2) القواعد والفوائد : 1 / 74 ، 123 ، 132 ،141 و 147 .
(الصفحة 24)
الخامسة : «العادة» .
والتحقيق عدم رجوع كثير من الأحكام إلى واحد من هذه القواعد الخمسة ، وهذا واضح لمن تتبّع الفقه .
ثمّ إنّ هذا الكتاب الشريف يجمع بين دفّتيه جملة من البحوث التي ألقاها على فضلاء الحوزة العلميّة في قم المقدّسة سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني دامت بركاته العالية ، استقصى فيها البحث عن مجموعة من القواعد الفقهيّة المهمّة ، وقد تميّز بحثه لها بالاستيعاب والعمق والوضوح .
ومن ثمّ فقد كانت محاضراته الفقهيّة هذه مهوى أفئدة روّاد العلم وعشّاق الفضل ، ولأجل تعميم الفائدة ونزولا على رغبة الأفاضل فقد أمر ـ دام ظلّه ـ بطبعها ، فكان هذا الكتاب عيبة علم ومجمع تحقيق ، ومنبعاً فيّاضاً بالعطاء ، وشجرة تؤتى اُكلها كلّ حين ، نسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يديم أيّام إفادات مؤلّفها العامرة ، إنّه سميعٌ مجيب .
قم المقدّسة ـ ابن المؤلّف
محمّد جـواد الفـاضل اللنكـراني
15 رمضان المبارك 1415