(الصفحة 278)
لذات بعل ، أو لواط بالنسبة إلى اُمّ الموطوء وبنته واُخته ، وتطليقات موجبة للتحريم حتى تنكح زوجاً غيره ، أو للتحريم المؤبّد كما لو كانت تسعاً ، فهل مقتضى القاعدة الجبّ في الجميع ، أو أنّها لا تقتضي الجبّ في شيء منها ، أو اللازم هو التفصيل؟ وجوه واحتمالات .
أمّا الوجه الأوّل : فيبتني على إطلاق القاعدة ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ القاعدة كما عرفت إنّما هي لطف ومنّة ، والغرض منها التحريص والترغيب بقبول الإسلام ورفع اليد عن الكفر(1) ، وهذا الغرض موجود في هذا المقام ، مع أنّ الشارع إذا أسقط الزكاة والخمس ـ مع ثبوت حقّ الفقراء والسّادة ـ ترغيباً وتشويقاً إلى الإسلام ، فإسقاط هذه الأسباب عن السببيّة يكون بطريق أولى ، ومع أنّ رواية البحار المتقدّمة(2) قد دلّت على عدم كون التطليقة الواحدة الواقعة في حال الشرك جزء سبب للتحريم حتى تنكح زوجاً غيره ، وللتحريم المؤبّد ، ولا فرق بينها وبين سائر الأسباب ، خصوصاً مع ذكر القاعدة الكلية قبل الحكم بعدم اعتبار التطليقة في حال الشرك ، فمن هذه الرواية يستفاد إسقاط جميع الأسباب عن السببيّة .
وأمّا الوجه الثاني : فيبتني على عدم ثبوت إطلاق معتدّ به لهذه القاعدة ، ولم يعلم العمل بها في هذه الموارد ، بل هذه الموارد تكون كالحقوق المختصّة بالمخلوقين كالديون وضمان الغصب والإتلاف وأشباهها ، ورواية البحار ضعيفة غير مجبورة حتى بالإضافة إلى صدور القاعدة من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلا مجال للاعتماد عليها ، فيبقى الحكم في هذه الموارد على طبق القاعدة الأوّلية المقتضية لتأثير هذه الأسباب في مسبّباتها وترتّب أحكامها عليها ، كما لا يخفى .
وأمّا التفصيل ، فيظهر من المحقق البجنوردي (قدس سره) في قواعده الفقهية ; حيث
- (1) في ص 269 ـ 273 .
(2) في ص 267 .
(الصفحة 279)
اختار في مثل الوطء في العدّة أو لذات البعل وكذا اللواط عدم كونه سبباً لتحقّق التحريم ; لجريان القاعدة فيه ، وفي مسألة الأحداث الموجبة للغسل أو الوضوء أو التيمّم عدم جريانها ، نظراً إلى أنّ الشارع جعل الطهارة شرطاً لأشياء كالصلاة والطواف ومسّ المصحف مثلا ، وتلك الأحداث حيث لا ترتفع آثارها إلاّ بإحدى الطهارات الثلاث ، فبعد إسلامه إذا أراد إيجاد ما هو مشروط بالطهارة ، لابد وأن يتطهّر من ذلك الحدث ; لعدم إمكان امتثال ما هو مشروط بالطهارة بدونها ، ولا وجه لإجراء القاعدة هنا ; لأنّه لا أثر لها لإثبات الشرط .
كما أنّ الرضاع الحاصل في حال الكفر يوجب حصول أحد العناوين المحرّمة ; كالاُمومة والبنتيّة والاُختيّة ، ومع حصول أحد هذه العناوين لا يمكن أن يكون إسلامه رافعاً للحرمة عن اُخته الرّضاعي مثلا ، وكما أنّه لم يتوهّم أحد أنّ هذه العناوين إذا حصلت في حال الكفر عن النسب فإسلامه لا يوجب التحريم ، فكذلك الرضاع .
والسرّ في ذلك أنّ هذه العناوين إضافات تكوينيّة قد تحصّل بواسطة الولادة ، وقد تحصّل بواسطة الرضاع ، وقد جعلها الشارع موضوعاً لحرمة نكاحهنّ ، وإذا وجد الموضوع واُحرز وجوده وجداناً أو تعبّداً فيترتّب عليه الحكم قهراً(1) .
ونقول : أمّا مسألة الأحداث ، فيظهر من كثير من الفقهاء عدم ارتفاع آثارها بالإسلام ، قال الشيخ في محكيّ الخلاف : الكافر إذا تطهّر أو اغتسل عن جنابة ثمّ أسلم لم يعتدّ بهما ، وبه قال الشافعي(2) ، وقال أبو حنيفة : إنّه يعتدّ بهما(3) ، دليلنا ما بيّناه من أنّ هاتين الطهارتين تحتاجان إلى نيّة القربة ، والكافر لا يصحّ منه نيّة
- (1) القواعد الفقهية للمحقّق البجنوردي : 1 / 55 ـ 56 .
(2) المهذّب في فقه الشافعي : 1 / 119 ، المجموع شرح المهذّب : 2 / 171 ـ 172 .
(3) المغني لابن قدامة : 1 / 206 ، نيل الأوطار : 1 / 224 .
(الصفحة 280)
القربة في حال كفره ; لأنّه غير عارف بالله تعالى ، فوجب أن لا يجزئه(1) ; فإنّ التعبير بعدم الاعتداد في الصدر ، وبعدم الإجزاء في الذيل ، يدلّ على لزوم الوضوء والغسل عليه بعد الإسلام ، كما أنّ مراده بالتطهّر في الصدر هو الوضوء بقرينة اعتبار قصد القربة فيه .
وقال الشهيد الثاني في المسالك في باب غسل الجنابة : إنّه يمكن أن يقال : على هذا يحكم عند الإسلام بسقوط وجوب الغسل عنه إن كان الإسلام في غير وقت عبادة مشروطة به ; لأنّ الوجوب من باب خطاب وضع الشرع ، ثمّ إذا دخل وقتها أو كان حاصلا وقت الإسلام حكم عليه بوجوب الغسل إعمالا للسبب المتقدّم ، كما لو أجنب الصبيّ بالجماع ; فإنّه يجب عليه الغسل بعد البلوغ في وقت العبادة(2) .
وقال في مفتاح الكرامة في البحث عن سقوط قضاء الصلاة عن الكافر : واستثنى المحقّق الثاني في حاشيته حكم الحدث كالجنابة وحقوق الآدميّين ، قال : والمعلوم أنّ الذي يسقط ما خرج وقته(3) ، وكذلك الشهيد الثاني(4) ، وفي الذخيرة : أنّ ذلك محلّ وفاق(5) ، وكذا مجمع البرهان ، قال : إنّ حقوق الآدميّين مستثنى بالإجماع(6)(7) .
وقال صاحب الجواهر في كتاب الطهارة : فإذا أسلم وجب عليه الغسل عندنا بلا خلاف أجده ، ويصحّ منه لموافقته للشرائط جميعها ; إذ الظاهر أنّ المراد بكونه
- (1) الخلاف : 1 / 127 مسألة 70 .
(2) مسالك الأفهام 1 : 51 .
(3) حاشية الإرشاد للمحقّق الثاني : 125 .
(4) روض الجنان : 2 / 948 و 961 .
(5) ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد : 388 .
(6) مجمع الفائدة والبرهان : 3 / 236 .
(7) مفتاح الكرامة : 9 / 597 ط ج.
(الصفحة 281)
«يجبّ ما قبله» إنّما هو بالنسبة إلى الخطابات التكليفية البحتة ، لا فيما كان الخطاب فيه وضعيّاً كما فيما نحن فيه ، فإنّ كونه جنباً يحصل بأسبابه ، فيلحقه الوصف وإن أسلم(1) .
وقال صاحب مصباح الفقيه : لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل عليه بعد أن أسلم وإن لم نقل بكونه مكلّفاً به حال كفره ; إذ غايته أنّه يكون كالنائم والمغمى عليه وغيرهما ممّن لا يكون مكلّفاً حين حدوث سبب الجنابة ، ولكنّه يندرج في موضوع الخطاب بعد اجتماع شرائط التكليف ، فيعمّه قوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}(2) وقوله (عليه السلام) : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة(3) .
ولا ينافي ذلك ما ورد من أنّ «الإسلام يجبّ ما قبله» ; لأنّ وجوب الغسل لصلاته بعد أن أسلم من الاُمور اللاّحقة ، فلا يجبّه الإسلام .
وحدوث سببه قبله لا يجُدي ; لأنّ الإسلام يجعل الأفعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية الله تعالى كأن لم تكن ، لا أنّ الأشياء الصادرة منه حال كفره ترتفع آثارها الوضعية ، خصوصاً إذا لم يكن صدورها على وجه غير محرّم ، كما لو بال أو احتلم ; فإنّه كما لا ترتفع نجاسة ثوبه وبدنه المتلوّث بهما بسبب الإسلام ، كذلك لا ترتفع الحالة المانعة من الصلاة الحادثة بسببهما ـ إلى أن قال: ـ وكيف كان ، فلا مجال لتوهّم ارتفاع الحدث بالإسلام ، كما لا يتوهّم ذلك بالنسبة إلى التوبة التي روي فيها أيضاً أنّها تجبّ ما قبلها(4) .
وهذه العبارات وإن اشتركت في عدم سقوط الغسل بالإسلام ، إلاّ أنّها كانت
- (1) جواهر الكلام : 3 / 40 .
(2) سورة المائدة : 5 / 6 .
(3) تهذيب الأحكام : 2 / 140 ح 546 ، الفقيه : 1 / 22 ح 67 ، وعنهما وسائل الشيعة : 1 / 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب 4 ح 1 .
(4) مصباح الفقيه : 3 / 276 ـ 277 .
(الصفحة 282)
مختلفة في بيان الوجه له ، فيظهر من بعضها أنّ عدم السقوط إنّما هو بنحو الاستثناء من القاعدة ، كعدم سقوط حقوق الآدميّين ، ومن بعضها الآخر أنّ عدم السقوط لأجل عدم شمول القاعدة للآثار والأحكام الوضعيّة ، وبعضها غير متعرّض للدّليل .
أقول : أمّا الاستثناء فلابدّ له من دليل ، ولا مجال للأخذ به بدونه ، والظاهر عدم وجود الإجماع الذي له أصالة عليه ، وإن ادّعى صاحب الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه ; لأنّ حكمه بعده بعدم شمول دليل القاعدة للأحكام الوضعية ظاهر في أنّ الدليل هو قصور دليل القاعدة ، لا الإجماع .
وأمّا عدم شمول القاعدة للأحكام الوضعيّة ، فيردّه أنّ لازم ذلك بطلان العقود والايقاعات الصادرة من الكافر إذا لم تكن واجدة لجميع الشرائط المعتبرة في الإسلام ، مع أنّ مقتضاها جعل السببيّة لها والحكم بترتّب الآثار التي هي أحكام وضعية كالملكية والزوجية والفراق وأشباهها ، كما أنّ لازم ذلك ترتّب الحدّ أو التعزير على ما صدر منه في حال الكفر ; لأنّ شرب الخمر مثلا سبب لوجوب حدّه ، وهكذا سائر الموجبات للحدّ أو التعزير ، فلا مجال للمناقشة في عموم القاعدة للأحكام الوضعيّة .
نعم ، يمكن الاستدلال على وجوب الغسل أو الوضوء على الكافر .
إمّا من طريق ما مرّت الإشارة إليه في كلام بعض الأجلّة ; وهو أنّ المستفاد من آية الوضوء والغسل والتيممّ أنّ هذه الاُمور شروط يجب تحصيلها ، فمعنى قوله تعالى : {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(1) إلى آخر الآية ، أنّه عند إرادة الصلاة لابدّ من الوضوء أو مثله ، وإن لم يعلم بكونه محدثا ولم يثبت ذلك ولو ظاهراً ، كما في مورد تعارض استصحابي الطهارة والحدث ; فإنّه لابدّ له من تحصيل