(الصفحة 233)
في الغرور ، وهو قد تحقّق بمجموع الشهادتين .
ضرورة عدم كفاية شهادة واحدة في جواز التصرّف في مال ، وفي هذه الصّورة يتحقق الاشتراك في الضمان ، ويمكن فرض الإجتماع على أن يكون فعل كلّ منهما علّة تامّة في الغرور ; كما لو فرض صدور السبب من كلّ منهما دفعة ، بحيث لو لم يكن أحدهما لكفى الآخر ، فيكون كلّ منهما علّة مستقلّة بهذا المعنى ، ولازم ذلك أيضاً الاشتراك في الضّمان .
المقام الرّابع : ظاهر كلام الفقهاء في مسألة تعاقب الأيدي في باب ضمان اليد أنّ الأيدي وإن كانت كلّها ضامنة ، ويجوز للمالك الرجوع إلى أيّة واحدة منها شاء ، إلاّ أنّ قرار الضمان واستقراره على من تحقّق التلف بيده بإتلافه أو بسبب آخر ، فاستقرار ضمان الغصب على الغاصب المتلف(1) مثلا ، وظاهر كلماتهم في هذا المقام ـ أي : قاعدة الغرور ـ أنّ قرار الضمان على الغارّ ، وأنّ المغرور يرجع إليه .
وحينئذ لو فرض غارّ ومغرور ومتلف لم يكن مغروراً ، كما إذا أخذ العين المغصوبة من يد المغرور قهراً عليه ثمّ أتلفها ; فإنّه يجوز للمالك الرجوع إلى كلّ واحد منهم ، فإذا رجع إلى المتلف وأخذ المثل أو القيمة منه ، فلا يجوز له الرجوع إلى واحد من الأوّلين ; لأنّ المفروض عدم كونه مغروراً من واحد منهما ، وكون الثاني مغروراً من قبل الأوّل لا يستلزم كون الثالث مغروراً بوجه ، بعد فرض أخذ العين من يده قهراً عليه .
ودعوى أنّه لو كان يعلم بأنّ المال لغيره ربما لا يقدم على الأخذ كذلك ، مدفوعة بأنّ مثل ذلك لا يوجب تحقق الغرور ، مع أنّ لازمه كون الثاني غارّاً بالإضافة إلى الثالث ، ولا مجال للالتزام به بوجه .
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 236 ـ 245 ـ 246 ، قواعد الأحكام : 2 / 224 ـ 245 ، مسالك الأفهام : 12 / 155 ـ 156 و 223 ـ 228 .
(الصفحة 234)
وإذا رجع المالك إلى المغرور الذي هو الثاني ، فالظاهر أنّ له الخيار ، فيمكن له الرجوع إلى الغارّ باعتبار قاعدة الغرور ، ويجوز له الرجوع إلى المتلف ; لأنّه أيضاً يستقرّ الضّمان عليه .
وإذا رجع المالك إلى الغارّ وأخذ المثل أو القيمة، فالظاهر أنّه لا يجوز له الرجوع إلى الآخرين . أمّا المغرور فواضح . وأمّا المتلف، فلأ نّه لا وجه للرّجوع إليه ، وعدم كونه غارّاً بالإضافة إليه لا يوجب جواز الرجوع ، ولكنّه يحتمل الجواز بملاحظة ما ذكرنا(1) في مسألة ضمان الأيدي المتعاقبة ; من أنّه إذا رجع المالك إلى السابق يجوز له الرجوع إلى اللاحق ما لم يكن غارّاً له ، والمفروض في المقام عدم كونه غارّاً بالنسبة إلى اللاّحق المتلف ، ومع ذلك فجواز الرجوع في هذه الصورة محلّ تأمّل وإشكال .
المقام الخامس : أنّه لو كان المدرك للقاعدة غير الروايات المتقدّمة الواردة في موارد خاصّة ، لكانت القاعدة جارية في جميع أبواب الفقه ممّا له ارتباط بها ، خصوصاً باب المعاملات والمعاوضات والضمانات . وأمّا لو كان المدرك هي الروايات السّابقة ، فقد عرفت(2) الإشكال في استفادة العموم منها لغير مواردها ، وإن كان فيها إشعار به . ويستفاد من كلماتهم إجراء القاعدة في غير تلك الموارد ، ولا بأس بالإشارة إلى بعض الموارد ، فنقول :
منها : ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في باب بيع الفضولي; من أنّ المشتري إذا لم يخبره الفضولي بأنّ هذا مال الغير موهماً أنّه ماله ، ثمّ بعد ذلك تبيّن للمشتري أنّه مال الغير ، وأنّ المالك الأصيل أخذ العين من يده وغرّمه أيضاً ، بأن أخذ اُجرة سكنى الدّار سنين مثلا ، وقد يتّفق في بعض الصّور ذهاب العين مع الثمن
- (1) في ص 146 ـ 161 .
(2) في ص 224 .
(الصفحة 235)
الذي بذله للبائع الفضولي لهذه الدار مثلا ، وهذه الخسارة حصلت له من ناحية البائع الفضولي ، وتغريره إيّاه ; بعدم ذكره أنّ المبيع ليس له .
وقد قال : إنّ رجوع المشتري إلى الفضولي في خساراته التي لم يحصل له نفع في مقابلها إجماعيّ للغرور ، فإنّ البائع مغرّر للمشتري وموقع إيّاه في خطرات الضمان ومتلف عليه ما يغرمه ، فهو كشاهد الزور ; أي يضمن كما يضمن شاهد الزّور(1) .
ومنها : ما ذكروه في باب الغصب من أنّه لو قدم الغاصب طعاماً إلى شخص بعنوان ضيافته له ، فتبيّن أنّه ملك الغير ، فالمالك الأصلي إذا رجع إلى الآكل نظراً إلى أنّه مباشر للإتلاف أو إلى وقوع يده على ماله والمفروض كونها يد ضمان ، فيجوز للآكل الرجوع إلى الغاصب لقاعدة الغرور ، بل ذكروا أنّ الغاصب لو قدّم مال المالك إليه بعنوان أنّه مال الغاصب لا المالك ، وكان المالك جاهلا بذلك ، يكون الغاصب ضامناً ; لهذه القاعدة (2) .
ومنها : ما ذكروه في باب الإجارة من أنّه لو قال للخياط مثلا : إن كان يكفي هذا قباءً فاقطعه ، فقال : يكفي ، وقطعه فلم يكف ، فسقط عن القيمة أو قلّت قيمته ، فيرجع صاحب الثوب إلى الخياط بما نقص ; لأنّه غرّه وقال : يكفي(3) .
ومنها : ما ذكروه في باب العارية من أنّه لو أعاره مال الغير بعنوان أنّه مال نفسه ، ثمّ تبيّن أنّه مال الغير ، ورجع ذلك الغير الذي هو المالك الى المستعير ببدل ما انتفع من ماله بعنوان العارية ، فللمستعير الرجوع إلى المعير ; لأنّه غرّه(4) .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 493 ـ 494 .
(2) شرائع الإسلام : 3 / 242 ، مسالك الأفهام : 12 / 205 ـ 206 ، جواهر الكلام : 37 / 142 ـ 145 .
(3) المبسوط : 2 / 383 ، الخلاف : 3 / 506 ـ 507 مسألة 34 ، المهذّب : 1 / 493 ، السرائر : 2 / 474 ـ 475 .
(4) شرائع الإسلام : 2 / 172 ، مسالك الأفهام : 5 / 141 ـ 142 ، رياض المسائل : 9 / 182 ـ 183 .
(الصفحة 236)
ومنها : غير ذلك من الموارد التي تظهر للمتتبع في أبواب الفقه(1) .
هذا تمام الكلام في قاعدة الغرور .
12 ذي القعدة الحرام 1408 هـ
- (1) كالاستناد بهذه القاعدة في كتاب الجعالة من الجواهر : 35 / 200 وكتاب الغصب من الجامع المقاصد : 6 / 226 ـ 228 .