(الصفحة 523)
فقال : إذا كان مضموناً فلا بأس(1) .
نظراً إلى أنّ المراد من الضمان هو الإخبار والإعلام بالتذكية ، لا التعهّد المتضمّن لقبول الخسارة ، والظاهر حينئذ أنّ عدم البأس مشروط بالإعلام .
والجواب : أنّه مع ظهور الروايات المتقدّمة ، بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال والاستعلام من البائع ـ ومن الواضح أنّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار الجواب والإعلام ، وإلاّ فلابدّ من الاستعلام ـ لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية ، فلابدّ من الحمل على الاستحباب ، والفرق بين صورتي الإعلام وعدمه من هذه الجهة كما لا يخفى ، وقد مرّ ذلك في المقام الخامس ، فراجع .
المقام التاسع : لا شبهة في تقدّم هذه القاعدة على استصحاب عدم التذكية بناءً على جريانه ، أمّا على تقدير الأمارية فواضح ; لتقدّم الأمارة على الاستصحاب . وأمّا على تقدير كونها أصلا ، فلما عرفت(2) من أنّ لازم عدم التقدّم لغويّة هذه القاعدة ; لثبوت المعارضة الدائمية بينها وبين الاستصحاب المذكور . وأمّا تقدّمها على البيّنة إذا كانت على خلافها فممنوع ولو فرض كونها أمارة ; وذلك لأنّ البيّنة من أقوى الأمارات ، ولذا جعلها الشارع في باب القضاء مقدّمة على اليد التي تكون أمارة على ملكيّة ذيها .
هذا ، مضافاً إلى وضوح اختصاص مورد الروايات المتقدّمة على كثرتها بصورة عدم وجود البيّنة ، فلا دليل على حجيّتها مع وجودها ، كما لا يخفى .
المقام العاشر : هل المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية مطلقاً ، ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم ، أو أنّها أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع ، أو أنّها ليست أمارة في عرض يد المسلم ، بل هي أمارة على الأمارة
- (1) تقدمت في ص 516 .
(2) في ص 515 .
(الصفحة 524)
كسوق المسلمين ، على ما عرفت(1) من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً ، وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرّواية الواردة في هذا الباب ، وهي رواية إسحاق بن عمار ـ المعتبرة ـ عن العبد الصالح (عليه السلام) أنّه قال : لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس(2) .
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريّتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام(3) ، ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها ، كما رجّحه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بـ«على»(4) .
فعلى الأوّل : ـ الذي مرجعه إلى أنّ الأمارة أرض الإسلام ; أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورئاستهم ، بضميمة كون الغلبة العدديّة مع أفراد المسلمين ـ تكون الأمارة هي يد المسلم ، وما ذكر أمارة على الأمارة ; لأنّ الأكثريّة طريق إلى استكشاف مجهول الحال ، وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة ، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا .
وعلى الثاني : إن كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصّانع غير مسلم ، فتصير المصنوعية أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم . وإن كان المراد هو أنّ المصنوعية فيها أمارة على كون الصانع
- (1) في ص 510 .
(2) تهذيب الأحكام : 2 / 368 ح 1532 ، وعنه وسائل الشيعة : 3 / 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ب 50 ح 5 .
(3) روض الجنان : 2 / 571 و مسالك الأفهام: 1/285.
(4) نهاية التقرير : 1 / 299 ـ 301 .
(الصفحة 525)
مسلماً ; لأنّه يبنى على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام ، فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية . غاية الأمر أنّ الأمارة على الأمارة على هذا مجرّد المصنوعية في أرض الإسلام ، وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين ، كما لا يخفى .
هذا ، والظاهر ما قاله الشهيد (قدس سره) ; لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام ، وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام ، ولا يكون أمراً زائداً عليها ; لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين ، فلا يكون الجواب دالاًّ على أمر آخر بوجه .
وبعبارة اُخرى : الضمير في قوله (عليه السلام) : «إذا كان الغالب عليها» ، يرجع إلى أرض الإسلام ، لا مطلق الأرض ، ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها ، وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً ، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد ، وهو لا ينطبق إلاّ على تفسير الشهيد ، وقد عرفت أنّ مقتضاه أنّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام ، بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً . نعم ، مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع ، من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً ، وبين أن لا يكون كذلك .
المقام الحادي عشر : هل المطروحية في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على المطروح أو على الأمارة عليه ، أو أنّها لا تكون أمارة أصلا إلاّ إذا كان عليه أثر استعمال المسلم ، وجريان يده عليه؟ ومن المعلوم أنّه حينئذ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريّتها .
والدليل في هذا المقام رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها ، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ; لأنّه
(الصفحة 526)
يفسد وليس له بقاء ، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن . قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا(1) ، ويجري في معنى الرّواية احتمالات :
أحدها : أن تكون الرّواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة ، ومنشأ الشك عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسيّ من جهة ملاقاة المجوسي ، وعليه : فالمراد بقوله (عليه السلام) : «هم في سعة حتّى يعلموا» ، هي التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة .
ثانيها : أن تكون الرّواية بصدد إفادة أمارية المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة ، ومنشأ الشك احتمال كونها لمجوسي ، وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الاسلام ، ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللّحم ; لعدم الشك فيه من هذه الجهة ، كما هو ظاهر .
ثالثها : أن تكون الرواية بصدد بيان أنّ الحكم في مورد الشك في الحلّية مطلقاً هي الحلية والإباحة ، ومنشأ الشك احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها .
إذا ظهر لك هذه الاحتمالات فاعلم أنّ الاستدلال بالرواية على الأمارية متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني ، ومن الواضح عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره ; لما مرّ من عدم ملائمته لذكر مثل الخبز والبيض ، إلاّ أن يقال بأنّ السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محطّ النظر في السؤال الأوّل ، بل يمكن أن يكون من شخص آخر لا من السائل الأوّل . وعليه : فيمكن دعوى كون الثاني ناظراً إلى خصوص اللحم من جهة التذكية وعدمها ، فالحكم بالتوسعة إلى
- (1) الكافي : 6 / 297 ح 2 ، المحاسن : 2 / 239 ح 1737 ، وعنهما وسائل الشيعة : 24 /90 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب 38 ح 2 ، وبحار الأنوار : 65 / 39 ح 15 .
(الصفحة 527)
أن يعلم بكونه من مجوسيّ دليل على أماريّة المطروحيّة في أرض الإسلام .
ولكن هذه الدّعوى لا توجب ظهور الرّواية فيها ، وإن كانت تصلح لأن يجاب بها عن الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث ; وهو أنّه يوجب طرح الرّواية ; إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشك فيها من هذه الجهة ، فإنّ الإباحة حينئذ إنّما هي لأجل وجود الأمارة لا لمجرّد الشك ، كما لا يخفى .
هذا تمام الكلام في قاعدة حجّية سوق المسلمين .
وكان الفراغ في ليلة الجمعة الثانية عشر من جمادي الآخرة 1409