(الصفحة 259)
بخصوص البالغين منهم ، بل الآية تعمّ الأطفال من كلا الطرفين ، فلا يجوز بيع العبد المسلم من أطفال الكفّار ، وكذا بيع طفل المسلم إذا كان عبداً من الكفّار ، وكذا إذا كان كلا الطرفين طفلا .
والدليل على عدم الاختصاص وحدة الملاك والمناط المستفاد من الآية ، وأنّ شرف الإسلام وعزّه مانع عن جعل السبيل للكافر على المؤمن . هذا إن لم نقل بصحّة استعمال اللفظين في غير البالغين كما ربما يدّعى . وأمّا إن قلنا بالصحّة فالآية تدلّ بالعموم اللفظي على ذلك وهو الظاهر ; لأنّ ولد المسلم مسلم حقيقة يترتّب عليه أحكام الإسلام ، وولد الكافر كافر كذلك يترتّب عليه أحكام الكفر ، وعلى كلا التقديرين فالآية لا تختصّ بالبالغين كما عرفت .
ثانيهما : أنّا وإن ذكرنا إباء سياق آية نفي السبيل عن التخصيص(1) ; نظراً إلى عدم ملاءمة لحنها ، خصوصاً مع استعمال كلمة «لن» فيها مع ورود التخصيص عليها ، إلاّ أنّه ربما يقال بأنّه استثني من القاعدة موارد لا بأس بالتعرّض لها :
منها : ما إذا كان الاشتراء سبباً للانعتاق ; أي كان المبيع ممّن ينعتق على المشتري ; لكونه أباً له مثلا ، نظراً إلى صحّة هذا الاشتراء ودخول العبد المسلم في ملك الكافر بسبب الشراء ; فإنّ هذه الملكية وإن كانت سبيلا ، لكنّها مستثناة من آية نفي السبيل .
وقد عرفت أنّ هذه الملكية ـ التي يكون الالتزام بها إنّما هو لأن يتحقّق موضوع الانعتاق ; لأنّه لا معنى لانعتاقه عليه إذا لم يدخل في ملكه ـ لا يكون سبيلا بوجه ، وعليه : فخروج هذا المورد إنّما هو بنحو التخصّص لا التخصيص(2) .
ومنها : من أقرّ بحريّة مسلم ثمّ اشتراه وهو كافر ; فإنّه يؤخذ بمقتضى إقراره ،
- (1) في ص 246 .
(2) في ص 253 .
(الصفحة 260)
ويحكم عليه بالحريّة ظاهراً .
وبعبارة اُخرى : يصحّ البيع ويحكم بحريّته بعده ، وإن كان بحسب الواقع عبداً ، ولا مجال لتوهّم العلم بفساد البيع ; لأنّه إن كان المبيع عبداً لا يجوز بيعه من الكافر ، وإن كان حرّاً لا يصحّ بيعه مطلقاً ، فالبيع فاسد على أيّ تقدير ، وجه بطلان التوهّم . أنّ إقراره بالحرّية لا يكون نافذاً قبل البيع ; لأنّه إقرار في حقّ عبد الغير ، فقبل البيع يكون محكوماً بالعبودية ، فلا مانع من تحقق البيع من هذه الناحية .
وأمّا بعد البيع من المقرّ فحيث يكون إقراره معتبراً ; لكونه في حقّ عبد نفسه ، يترتّب عليه آثاره فيصير حرّاً ، ومن المعلوم أنّه لا مانع من صحة بيعه منه والحال هذه ، ولكن ليس ذلك لأجل قيام دليل على التخصيص في مقابل الآية ، بل لما عرفت من عدم كون مثل ذلك سبيلا وعلوّاً ، فالخروج إنّما هو بنحو التخصّص .
ومنها : ما إذا قال الكافر لمولى العبد المسلم : أعتق عبدك عنّي ، فأعتقه عنه ، فإنّه حيث لا يمكن العتق عن الغير إلاّ بعد الدخول في ملكه ; لأنّه لا عتق إلاّ في ملك ، فالبناء على صحّة العتق المزبور كما هو المشهور يوجب الالتزام بالدخول في ملك الكافر وتحقق العتق عنه .
هذا ، ولكن ذلك لا يقتضي الالتزام بالتخصيص في مفاد الآية ; لوضوح أنّ الالتزام بالملكية لأجل توقّف صحّة العتق عليها لا يوجب تحقق السبيل والعلوّ ، بل خروجه بنحو التخصّص .
ومنها : ما إذا اشترط بائع العبد المسلم على الكافر المشتري عتقه ; فإنّ المحكي عن الدروس(1) والروضة(2) أنّه مستثنى عن عموم الآية والرّواية .
- (1) الدروس الشرعيّة : 3 / 199 .
(2) الروضة البهيّة : 3 / 244 .
(الصفحة 261)
والظاهر أنّه إن كان الشرط بنحو شرط الفعل لا شرط النتيجة ، لا دليل على الاستثناء ، فإنّ مجرّد التزام المشتري بأن يعتقه لا يخرجه عن السبيل المنفي ، ولا دليل على الخروج عن الحكم . نعم ، إذا كان بنحو شرط النتيجة يصير هذا المورد من قبيل كون المبيع ممّن ينعتق على المشتري .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا يوجد مورد يكون خروجه عن آية نفي السبيل بنحو التخصيص ، وأنّ الموارد الخارجة إنّما يكون خروجها بنحو التخصّص .
هذا تمام الكلام في قاعدة نفي السبيل .
19 ذي القعدة الحرام 1408 هـ