(الصفحة 423)
وهو جواز منع الغير عنه ، فاجتماع استيلائين مستقلّين بعد مساوقة الاستقلال للاختصاص الموجب لجواز منع الغير ممّا لا يمكن ، كما يظهر ذلك بالتدبّر في نظائره . ألا ترى أنّ استقلال الملِك بالنسبة إلى مملكته ، والحاكم بالإضافة إلى بلده ، لا يتحقّق مع تصرّف الغير فيهما أيضاً ، فاتّصاف كلّ من اليدين بوصف الاستقلال ممّا لا وجه له أصلا .
ويبقى الكلام بعد ذلك في أنّ استيلاء شخصين أو أزيد على مال واحد هل يكون استيلاءً على المجموع ـ غاية الأمر كونه غير مستقلّ ـ أو استيلاء مستقلاًّ بالإضافة إلى النصف المشاع مثلا ، أو غير مستقلّ بالإضافة إليه؟ وقبل الخوض في ذلك ينبغي التكلّم في الكسر المشاع وإمكان الإشاعة وبيان حقيقتها ، فنقول :
أوّلا : أنّ الجهل بحقيقة الإشاعة على تقديره لا يمنع من الالتزام بوجودها بعد شيوعها بين العقلاء ; ضرورة أنّ المالكية بالاشتراك المعتبرة بين العقلاء فوق حدّ الإحصاء ، وبهذا يجاب عمّـا يقال ـ كما عن بعض الأعاظم من المعاصرين ـ : من ابتناء الإشاعة على القول ببطلان الجزء الذي لا يتجزّأ ; نظراً إلى أنّه لو انتهت التجزئة إلى حدّ غير قابل لها ، لا يبقى للإشاعة فيه ـ بعد عدم قبوله للتجزئة ـ مجال . وأمّا لو قيل بأنّ كلّ جزء متصوّر فهو قابل للتجزئة ، فلا مانع من الإشاعة حينئذ(1) .
والجواب : من الواضح أنّه لا تكون الإشاعة مبتنية على تلك المسألة العقلية التي هي مورد للخلاف بين الفلاسفة والمتكلّمين ; ضرورة أنّ المتكلّم القائل بعدم بطلان الجزء غير القابل للتجزّئ لا يأبى من الاشتراك في الملك ونحوه بداهة ، فالظاهر أنّه لا إشكال في شيوع الإشاعة بين جميع العقلاء ، والجهل بحقيقتها ـ على
- (1) منية الطالب في شرح المكاسب : 2 / 378 ـ 381 .
(الصفحة 424)
تقديره ـ لا يمنع عن التصديق بوجودها بعد تداولها بلا ريب ولا إنكار ، مضافاً إلى عدم كونها مجهولة ; لأنّ الظاهر أنّ الإشاعة أمر اعتباري عقلائي تتّصف بها العين الخارجيّة في الخارج وإن كان وعاء الاعتبار الذهن .
توضيح ذلك : أنّ الكسر المشاع لا يعقل أن يكون أمراً عينيّاً خارجيّاً ; ضرورة أنّ الموجود في العين يستحيل أن يكون مبهماً لا معيّناً ; لأنّ الوجود مساوق للتعيّـن الّذي هو نقيض الإبهام ، وتردّد الشبح الجائي من البعيد بين زيد وعمرو مثلا لا يستلزم الإبهام فيه ; لأنّه معيّن بحسب الواقع ، غاية الأمر هو مجهول لنا ، فالواقع المعيّن مردّد عندنا بين كونه زيداً أو عمراً ، لا أنّه مردّد واقعاً بينهما كما هو واضح ، فالكسر المشاع الذي هو أمر غير معيّن لا يعقل أن يكون أمراً خارجيّاً ، كما أنّه يستحيل أن يكون منتزعاً منه ; لأنّ المعيّن الذي لا تشوبه شائبة الإبهام لا يعقل أن يكون منشأً لانتزاع اللاّ معيّن الخالي من جميع شؤون التعيّـن .
فلابدّ من أن يقال : إنّ الكسر المشاع هو أمر اعتباري يعتبره العقلاء في وعاء الاعتبار الذي هو الذّهن وإن كان ظرف الاتّصاف به هو الخارج ، فالموجود الخارجي متّصف في الخارج بأنّه له نصفان مثلا وإن كان ظرف هذا الاعتبار هو الذهن ، ولا غرو في أن يكون العروض في الذهن وظرف الاتّصاف هو الخارج .
وهذا نظير ما قاله الحكماء : من أنّ اتّصاف الماهيّة بالإمكان في الخارج وإن كان العروض في الذهن ، وإلاّ يلزم التسلسل ونحوه ، بل جميع الاُمور الاعتبارية العقلائيّة التي لها مساس بالخارج كذلك ; ضرورة أنّ الشيء يتّصف في الخارج بوصف المملوكيّة ، والإنسان يتّصف في الخارج بوصف المالكيّة ، مع أنّ المالكية والمملوكية أمران اعتباريان لا يكون لهما ما بحذاء في الخارج ، كما أنّ المرأة متّصفة في الخارج بوصف الزوجيّة، وكذا الزوج ، مع عدم ثبوت شيء زائد على ذاتهما في الخارج ، كما هو ظاهر .
(الصفحة 425)
ثمّ إنّ بعض المحقّقين أفاد في بيان حقيقة الكسر المشاع في رسالته في قاعدة اليد ما لفظه : لا ريب في أنّ الكسر المشاع يقابل الكلّـي في المعيّن ، وأمّا إرجاعه إليه فإنّما هو من باب الإلجاء وعدم الوقوف على حقيقته ، بل الكسر المشاع جزئيّ ، ولأجله ربما يشكل بأنّ الجزئية والشيوع والسريان لا يجتمعان ، وقد غفل عن أنّ الموجود الخارجي على قسمين : موجود بوجود ما بحذائه ، وموجود بوجود منشأ انتزاعه ، فما له مطابق بالذات وموجود بالفعل نفس منشأ الانتزاع . وأمّا الأمر الانتزاعي فموجود بالعرض والقوّة بنحو وجود المقبول بوجود القابل .
وعليه : فمفهوم النصف مثلا ربما يكون موجوداً بوجود ما بحذائه ; وهو نصف المعيّن في العين ، وربما يكون عنواناً لموجود بالقوّة لتساوي نسبته إلى جميع الأنصاف المتصوّرة في العين باختلاف كيفية التنصيف والتقسيم ، فهذا الموجود بالقوّة المتساوي النسبة جزئي بجزئية منشأ انتزاعه ، وله شيوع وسريان باعتبار قبوله لكلّ تعيّـن من التعيّنات الخارجيّة المفروضة ، ولأجله تكون القسمة معيّنة للاّمتعيّن من دون لزوم معاوضة ومبادلة بين أجزاء العين .
وعليه : فالمملوك لكلّ واحد من الشريكين أوّلا وبالذات هو النصف المشاع ، وليس لكلّ عين إلاّ نصفان على الإشاعة ، والعين الخارجية مورد لمملوكين بالذات ، فتكون مملوكة بالعرض ، على عكس من يملك عيناً واحدة بالذات ; فإنّه يملك كسور المشاعة بالعرض .
وممّا ذكرنا تعرف أنّ المملوك بالذات لكلّ من الشريكين ملك استقلاليّ اختصاصي ، فلذا لا يتوقّف التصرّف في نصفه المشاع على إذن من شريكه ، وما هو مورد للنصفين المشاعين ـ وهي العين ـ هي المنسوبة إليها الاشتراك وعدم الاستقلالية ، وليست في الحقيقة مملوكة بالذات لأحد ، بل من حيث المورديّة للنصفين منها ينسب إليها الملكية بالعرض ، فلم يلزم قيام فردين من الملكية
(الصفحة 426)
الحقيقية الذاتيّة بعين واحدة ، فتدبّر ; فإنّه حقيق به(1) .
وأورد عليه سيّدنا الأعظم الخميني ـ مدّ ظلّه العالي ـ بوجوه من الإيرادات :
منها : أنّ المراد من قوله : «إنّ مفهوم النصف مثلا ربما يكون موجوداً بوجود ما بحذائه ; وهو نصف المعيّن في العين» إن كان هو تحقّق ذلك المفهوم ووجوده بوجود ما بحذائه قبل لحوق التقسيم الحقيقي أو الوهمي الاعتباري للعين الخارجية ، بحيث يكون الموجود في الخارج واجداً للنصفين حقيقة وفعلا ، ولو لم تلحقه كثرة بعد ، فيرد عليه :
أنّ لازمه وجود الاُمور غير المتناهية فعلا في شيء محصور بين حاصرين ; ضرورة أنّ الكسور غير متناهية ، وكما أنّ النصف موجود يكون نصف النصف أيضاً موجوداً ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ; لبطلان الجزء غير القابل للتجزئة ، فالأمر المتناهي الذي هو العين الخارجية المحصورة بين الحاصرين يكون حينئذ واجداً حقيقة للاُمور غير المتناهية الموجودة بالوجود الحقيقي الذي له بحذاء في الخارج ، ومن المعلوم استحالة ذلك ، فلابدّ من أن يكون المراد من ذلك القول هو كون مفهوم النصف موجوداً بوجود ما بحذائه بعد عروض التقسيم للعين الخارجية حقيقة ، كما إذا انكسر الحجر الواحد وصار نصفين ، أو وهماً كما إذا قسمّ اعتباراً من دون أن يقع فيه تغيير .
وحينئذ يرد على ذلك أيضاً ـ مضافاً إلى أنّه بعد لحوق التقسيم خصوصاً في التقسيم الحقيقي لا يبقى مجال ومحلّ لعنوان النصف ـ أنّ النصف الموجود في الخارج كما يكون منطبقاً عليه عنوان النصف إذا لوحظ بالإضافة إلى المركّب منه ومن النصف الآخر ، كذلك ينطبق عليه عنوان الثلث أيضاً إذا لوحظ بالإضافة إلى المركّب منه ومن الأمرين الآخرين ; فإنّ حبّة من الحنطة مثلا إذا لوحظت
- (1) قاعدة اليد للمحقّق الإصفهاني ، المطبوع في آخر نهاية الدراية: 3 / 335 ، مكتبة المصطفوي .
(الصفحة 427)
بالإضافة إلى حبّتين تكون نصفاً منهما ، واذا قيست بالنسبة إلى ثلاث حبّات تكون ثلثاً منها ، وهكذا ، ويلزم حينئذ أن تكون الاُمور غير المتناهية التي هي عبارة عن الكسور غير المتناهية ـ على ما عرفت من بطلان الجزء الذي لا يتجزّأ ـ موجودة حقيقة بوجود حبّة من حنطة ، وهو محال على ما تقدّم .
فالتحقيق : أنّ الشيء الموجود في العين قبل لحوق التقسيم الحقيقي بالنسبة إليها لا يكون إلاّ واحداً ، كما هو المحقّق في محلّه ، من أنّ الوجود والتشخّص مساوق للوحدة ، وأنّ الكثرة بما هي كثرة تستحيل أن تتحقّق في الخارج ، فثبوت النصفين لها لا يكون إلاّ بحسب الاعتبار والوهم ، كما أنّ الشيء بعد عروض الانقسام عليه لا تكون أجزاؤه إلاّ بحيث يكون كلّ واحد منها وجوداً مستقلاًّ ، واتصافه بالجزئية للمجموع وكونه نصفاً مثلا منه لا يكون إلاّ بحسب الاعتبار ; ضرورة أنّ المجموع لا يبقى له وجود مستقلّ بعد الانقسام إلاّ اعتباراً ، فأجزاؤه بما أنّـها أجزاؤه أيضاً كذلك ; لتضايف الوصفين كما هو غير خفيّ .
ومنها : أنّ ما أفاده في الكسر المشاع ـ من أنّه عبارة عن موجود بالقوّة تتساوى نسبته إلى جميع الأنصاف مثلا المتصوّرة في العين ، وهو جزئيّ بجزئية منشأ انتزاعه ، وله شيوع وسريان باعتبار قبوله لكلّ تعيّن ـ محلّ نظر بل منع ; لأنّ المراد بالموجود بالقوّة إن كان هو الهيولى القابل للتصوّر بصور مختلفة والتشكّل بأشكال متعدّدة ، فيرد عليه : أنّ لازم ذلك أن يصير الموجود بالقوّة فعليّاً بعد عروض الانقسام له بوجه ، مع أنّا نرى بقاء الإشاعة في بعض الموارد ، كما إذا وقع الانقسام بغير رضا الشريكين ; فإنّه حينئذ لا يكون الهيولى قابلا للتصوّر بغير تلك الصّورة ; لتبدّل القوّة إلى الفعليّة ، مع وضوح بقاء الاشتراك في المجموع المقتضي للإشاعة .
هذا ، مضافاً إلى أنّه ربما يكون الاشتراك والإشاعة بالنسبة إلى الأشياء المنفصلة بالحقيقة ، كما إذا كان قفيز من برّ مشتركاً بين شريكين ; فإنّ كلّ واحد من