(الصفحة 138)
وأمّا أنّ القيمة المضمونة والثابتة على العهدة قيمة أيّ يوم ، فلا دلالة للرواية عليه أصلا . نعم ، ظاهرها حينئذ أنّ الثابت على العهدة في غصب القيمي بمجرّد تحقّق الأخذ هي القيمة ، مع أنّ ظاهر قاعدة ضمان اليد كما عرفت(1) هو ثبوت نفس العين المأخوذة على اليد ، فيقع بينهما التنافي من هذه الجهة ، ولكن لابدّ من توجيه الرواية ; لأنّه لا معنى لثبوت القيمة على العهدة مع وجود العين وعدم تلفها ، بحيث يكون مجرّد غصب القيمي موجباً لثبوت القيمة على عهدة الغاصب ، فلابدّ من توجيهها بما يرجع إلى مفاد القاعدة ، كما لا يخفى .
وبالجملة : إذا كان «يوم خالفته» قيداً للقيمة ومتعلقاً بها ، فبلحاظ كون الجواب إنّما هو عن السؤال عن صورة وقوع التلف ، وفرض أنّ البغل عطب أو نفق ، يكون مرجع قوله : «نعم» إلى لزوم القيمة المقيّدة بالقيد المذكور بعد فرض التلف ، فلا دلالة للجواب حينئذ على ما يلزمه بمجرّد الأخذ والمخالفة أصلا .
وأمّا لو كان القيد راجعاً إلى «نعم» أو الفعل المقدّر بعده ، فالجواب وإن كان عن السؤال المذكور المفروض فيه صورة التّلف ، إلاّ أنّ ظاهره ثبوت القيمة ولزومها عليه بمجرّد الأخذ والمخالفة مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا تحقّق التلف بعده ، وما إذا لم يتحقّق ; لأنّه لا مجال للتفكيك بين الصورتين ، والحكم بأنّه في صورة التلف يكون اللازم عليه يوم الغصب هي القيمة ، فلا ينافي كون اللازم في صورة العدم من حين الأخذ هي غير القيمة ، بل الظاهر أنّ المستفاد من الرّواية حينئذ كون اللازم هي القيمة مطلقاً ، وعليه : فلابدّ من توجيه الرواية بما يرجع إلى مفاد قاعدة اليد ، فتدبّر .
وبذلك يجاب عمّا عن بعض الأعاظم (قدس سره) (2) : من أنّ ضمان القيمة لو كان يوم
- (1) في ص 129 .
(2) المكاسب والبيع (تقريرات أبحاث الميرزا النائيني) : 1 / 360 ـ 361 .
(الصفحة 139)
المخالفة ـ أي يوم الغصب ـ بمعنى تعلّق القيمة بالعهدة واشتغال الذمّة بها في ذلك اليوم ، فلازمه كون المضمون هي قيمة يوم المخالفة أيضاً ; لأنّه لا معنى لأن تكون قيمة اليوم المتأخّر عن يوم المخالفة ـ وهو يوم التلف أو يوم الردّ ـ ثابتة على العهدة في يوم المخالفة .
وعليه : فلو كان الظرف راجعاً إلى «نعم» أو الفعل المقدّر بعده ، تكون هذه الفقرة دالّة أيضاً على كون المعتبر هي قيمة يوم المخالفة . وقد ذكرنا أنّه حيث لا معنى لتعلّق القيمة بالعهدة واشتغال الذمّة بها ، مع فرض وجود العين بحيث كان الحكم المغيّى راجعاً إلى ثبوت القيمة ، والغاية دالّة على أداء العين ، ضرورة أنّه لا معنى لأدائها ـ أي القيمة ـ مع فرض وجود العين وإمكان ردّها ، فلابدّ من التوجيه بما يرجع إلى مفاد القاعدة ; وهو ثبوت العين على العهدة في عالم الاعتبار الذي يتّفق فيه العقلاء والشارع ، غاية الأمر أنّه مع فرض التلف وكون العين قيمية ، لا يمكن أن يتحقّق الأداء إلاّ بأداء القيمة التي هي الجهة المهمّة في باب الماليّات ، والملحوظة في أبواب الضمانات والغرامات .
وقد انقدح بما ذكرنا أنّه لم تثبت دلالة هذه الفقرة من الرواية على خلاف ما استظهرنا من القاعدة من ثبوت القيمة يوم الدفع والأداء .
ثانيهما : قوله (عليه السلام) «أويأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك» . والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «حين اكترى» هو يوم الغصب ; لأنّه لا وجه لضمان يوم الاكتراء بعنوانه أصلا ، والعدول عن التعبير بيوم الغصب إلى يوم الاكتراء ـ مضافاً إلى اتّحاد اليومين في مورد الرواية ; لأنّ الظاهر أنّ اكتراء الدابّة خصوصاً في تلك الأزمنة إنّما كان يقع في نفس اليوم الذي يريد ركوبها والاستفادة منها ، والمفروض في الرواية تحقّق الغصب في الساعة الاُولى من الحركة والركوب ; لأنّه وقع الاكتراء في الكوفة التي هي ساحل الشطّ ، ووقع الغصب
(الصفحة 140)
والمخالفة قرب قنطرة الكوفة حين ما خبّر بتوجّه غريمه إلى النيل ، وعدم كونه في قصر ابن هبيرة ـ إنّما هو لأجل أنّ تحصيل الشهود حين الاكتراء أسهل من حال الغصب ; لأنّ محلّ الاكتراء غالباً محلّ اجتماع المكارين العارفين بقيمة البغال .
وأمّا حين الغصب الواقع في أثناء الطريق لا طريق نوعاً إلى تحصيل الشهود على معرفة قيمته في ذلك الوقت ، وعليه : تكون هذه الفقرة صريحة في أنّ المدار في ضمان القيمي هو قيمة يوم الغصب والمخالفة .
هذا ، ويمكن منع دلالة هذه الفقرة أيضاً ; نظراً إلى أنّه يمكن أن يكون التعبير بيوم الاكتراء الذي يراد به يوم الغصب على ما مرّ إنّما هو لأجل عدم تفاوت قيمة البغل في الأيّام القليلة المفروضة في مورد الرواية ، التي لا تتجاوز عن خمسة عشر يوماً ; فإنّه كما لا يختلف البغل في هذا المقدار من الزمان من جهة السمن والهزال نوعاً ، كذلك لا يختلف من جهة القيمة السّوقية خصوصاً في تلك الأزمنة ، والتعبير به بدلا عن يوم الدفع والأداء إنّما هو لأجل ما ذكر من أنّه لا طريق غالباً إلى تحصيل الشهود على معرفة قيمة يوم الدفع ، خصوصاً بعد عدم وجود العين ، ولا مجال لتعيين القيمة مع التلف .
ومن الواضح أنّ الخصوصيات التي عليها الدابّة لها دخل في القيمة جدّاً ، وذكرها لا يكفي في مقام التقويم ، بل لابدّ من المشاهدة وإن كان التوصيف يكفي في مقام البيع والمعاملة ، إلاّ أنّ للتقويم مقاماً غير مقام المعاملة ، فتدبّر .
ويؤيّد ما ذكرنا من عدم دلالة الرواية على ضمان القيمة يوم الغصب قوله (عليه السلام) في الذيل : «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه» بناءً على وجود كلمة اليوم ; لما عرفت(1) من الجواهر من عدم وجودها في النسخة المصحّحة من التهذيب الموجودة عنده ، وعلى أن يكون الظرف متعلّقاً بالقيمة ; بمعنى أنّه يجب
(الصفحة 141)
عليك قيمة يوم الردّ بالإضافة إلى ما بين الصحة والعيب .
وأمّا بناءً على تعلّق الظرف بـ «عليك» بلحاظ كون معناه الفعل ; وهو : أنّه يلزم عليك ، فمعناه أنّ الثابت على العهدة في يوم الردّ والأداء هي القيمة ، فيمكن أن يقال بظهوره أيضاً في كون الثابت هي القيمة في ذلك اليوم وإن كان يمكن المناقشة فيه بأنّ غاية ما تدلّ عليه حينئذ هو كون الثابت في يوم الردّ هي القيمة ، وأمّا أنّ القيمة قيمة أيّ يوم فالرواية ساكتة عنه .
ولكنّ الظاهر عدم تعلّق الظرف بـ «عليك» وإن كان متضمّناً لمعنى الفعل ; لأنّه إن كان المراد باللزوم هو لزوم الأداء والدفع فلا فائدة في ذكر الظرف أصلا ; لأنّه يصير حينئذ أمراً واضحاً لا حاجة إلى بيانه ; لوضوح أنّ أداء القيمة إنّما يقترن مع أداء العين ، وردّها مع وصف كونها معيوبة . وإن كان المراد باللزوم هو الثبوت على العهدة ، فلا خفاء في أنّ الثبوت الكذائي إنّما يتحقّق بنفس عروض العيب ، وصيرورة الدابّة معيبة في يد الغاصب ، فلا وجه لجعل الظرف متعلقاً به حتى يصير معناه أنّ الثبوت إنّما يكون زمانه يوم الردّ والأداء .
ويحتمل أن يكون الظرف متعلّقاً بالعيب ; بمعنى أنّه لابدّ في العيب من ملاحظة يوم الأداء ; إذ ربما يمكن أن يكون العيب في أوّل عروضه قليلا ثمّ ازداد بعده ، وفي هذه الصّورة لابدّ من ملاحظة ما عليه العيب من الكثرة والشدّة في يوم ردّ العين معيبة ، ولازم ذلك أنّه لو فرض العكس وصيرورة العيب قليلة أو خفيفة لكان اللازم ملاحظة وقت الأداء دون وقت العروض .
وبالجملة : فالرواية على التقدير الأوّل الذي يكون الظرف متعلّقاً بالقيمة تؤيّد عدم دلالتها في الجملات السابقة على هذه الجملة على كون المراد هي القيمة يوم الغصب .
ثمّ إنّه ربما يستشكل الأخذ بهذه الصحيحة بأنّها مخالفة للقواعد العامّة
(الصفحة 142)
والضوابط القطعية المقرّرة في كتاب القضاء للمدّعي والمنكر ; وهي أنّ البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر ، والتفصيل قاطع للشركة ، فالمدّعي وظيفته إقامة البيّنة والمنكر اليمين . نعم ، يمكن له ردّ اليمين إلى المدّعي في فرض عدم ثبوت البيّنة له ، مع أنّ الصحيحة ظاهرها تخيير المالك ابتداءً بين الحلف وبين إقامة البيّنة ، غاية الأمر أنّه مع عدم الحلف وعدم البيّنة تصل النوبة إلى حلف الغاصب . وهذا لا ينطبق على قواعد باب القضاء وفصل الخصومات بوجه .
وربما يوجّه ذلك ; بأنّ الاختلاف يمكن أن يكون باختلاف كيفية انشاء دعويهما ، وبعبارة اُخرى : لا يجتمع الأمران في مورد واحد وفي مصبّ دعوى كذلك ، بل لهما موردان ، فإنّه إن كان مصبّ الدعوى تنزّل القيمة التي يجب عليه أداؤها من القيمة السّابقة بحيث كان الغاصب مدّعياً للتنزّل والمالك منكراً له ، تكون وظيفة المالك حينئذ اليمين مع عدم ثبوت البيّنة للمنكر على التنزّل لأنّ الأصل عدم التنزل .
وإن كان مصبّ الدعوى نفس القيمة الثابتة من غير اتفاق على القيمة السّابقة ، بل ومن دون اطّلاع عليها ، بل كان النزاع في مجرّد القيمة من حيث الزيادة وعدمها ، فالقول قول الغاصب ; لإنكاره الاشتغال بالزائد عمّا يدّعيه من القيمة ، وعلى المالك إقامة البيّنة لكونه مدّعياً في هذه الصورة فلم يجتمع الأمران في مورد واحد .
وهذا التوجيه وإن كان يؤيّد عدم دلالة الرواية على كون المدار هي القيمة يوم المخالفة ; لأنّ لازمه الإتّفاق في المورد الأوّل على القيمة قبل الغصب الذي لا تكون العين بيد الغاصب وتحت استيلائه ، وهذا في غاية البعد ، بخلاف ما لو كان مدلول الرواية هي القيمة يوم الدفع ; فإنّ الإتّفاق على القيمة قبل يوم الدفع كيوم الأخذ والغصب أمر عاديّ لا بعد فيه أصلا ، إلاّ أنّه في نفسه مستبعد . وأبعد منه حمل