(الصفحة 149)
في عهدة ذيها ، وأمّا اليد الثانية فهي ضامنة للعين المضمونة بما هي مضمونة ، وبعبارة اُخرى : المال الذي صار مغصوباً ووقع تحت اليد العادية يكون في ذمّة الغاصب بما له من الصفات والخصوصيات تكوينية أم اعتباريّة ، ولكن ما يقع تحت اليد الاُولى ليس إلاّ نفس العين بصفاتها التكوينية فقط ; لعدم ثبوت صفة اعتباريّة لها في هذا الحال .
وأمّا اليد الثانية فتقع العين تحتها بما هي مضمونة ، التي هي صفة اعتباريّة ، ففي اليد الثانية تزيد هذه الصّفة ، فكما أنّه لو كان للعين صفة خارجيّة تضمن اليد الواقعة عليها تلك الصّفة الخارجية ، كذلك تضمن الصفة الاعتبارية لها ، لو كانت لها ففي الغصب الثاني تكون ذات العين مع صفة كونها في ذمّة الغاصب الأوّل في ذمّة الغاصب الثاني ، وهكذا الحال لو وقع المال تحت يد ألف غاصب ، فضمان كلّ لاحق في طول ضمان سابقه ; لأنّ ضمان السابق بمنزلة الموضوع لضمان اللاّحق ، فلا يمكن أن يكونا في عرض واحد ، بل لا يمكن أن يكونا في زمان واحد ; لأنّ ضمان اللاّحق متأخّر عن السابق حتى زماناً ، وهو الذي اختاره المحقّق النائيني على ما في تقريراته ، حيث قال :
إنّ ذمّة اللاّحق مشغولة بما يجب خروجه عن ذمّة السّابق ; أي ذمّته مخرج لما يضمنه الأوّل فما يؤدّيه الأوّل يؤخذ من الثاني ; لاشتغال ذمّته للمالك بما له بدل ; أي عهدة في ذمّة الأوّل ، فإذا رجع المالك إليه فهو لا يرجع إلى السابق ; لعدم كونه مغروراً منه بالفرض . وأمّا لو رجع المالك إلى السّابق فهو يرجع إلى الثاني ; لأنّه ضمن شيئاً له بدل في ذمّة السّابق ، والبدل يجب أن يخرج من الثاني ، قال : وهذا هو المراد من البدل في كلام المصنف ; يعني الشيخ الأعظم الأنصاري ـ إلى أن قال : ـ وليس المراد من البدل بدل أصل المال نظير المنافع حتى يقال : إنّ الثاني وإن ضمن
(الصفحة 150)
ما له بدل ، إلاّ أنّ الأوّل كذلك أيضاً (1) .
والتحقيق أن يقال : إنّ مسألة تعدّد الضمان بالإضافة إلى مال واحد بنحو الاستقلال إن لوحظت بالنّسبة إلى أثره الذي هو جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد من السابق واللاّحق ، ويكون مخيّراً في ذلك من الابتداء ، فتصويرها بمكان من الإمكان ; لأنّه لا مانع في عالم الاعتبار من اعتبار ثبوت المال على عهدة شخصين ، والحكم بضمان اليدين ، وقياسه بالوجود الخارجي الذي لا يعقل فيه التعدّد مع فرض الوحدة ممنوع ، بل هو أشبه بالوجود الذهني ، من جهة أنّ زيداً الموجود في الخارج الذي يستحيل عروض التعدّد له بلحاظ هذا الوجود يمكن إيجاده في الذهن مرّة بعد اُخرى ، وكذلك لا مانع من اعتبار العين الشخصية الخارجية المتصفة بالوحدة لا محالة في ذمّة شخصين وعلى عهدة يدين ، ونحن لا نرى وجهاً للاستحالة في عالم الاعتبار بوجه .
ودعوى عدم إمكان تحقّق الغاية وهو الأداء من كليهما ، فإذا فرض أداء واحد منهما يكون الضمان باقياً بالإضافة إلى الآخر ; لاستحالة تحقّق الغاية منه ، مدفوعة بأنّ الغاية هي طبيعة الأداء لا خصوص أداء ذي اليد ، ولذا لو فرض وصول العين إلى المغصوب منه من غير طريق الغاصب يرتفع ضمان الغصب بذلك ، فالغاية هي الطبيعة ، وهي في الصورة المفروضة في الدعوى متحققة ، فأداء أحدهما كما هو رافع لضمانه رافع لضمان الآخر أيضاً وهذا في غاية الوضوح لو فرض كون الغاية مذكورة في الحديث بصورة «حتّى تؤدّي» الظاهر في أنّها عبارة عن أداء العين لا أداء ذي اليد لها ، حيث إنّها حينئذ بصيغة المبني للمفعول والنائب للفاعل هو العين .
نعم ، لو كان المذكور فيه بصورة «حتى تؤدّيه» بصيغة المبني للفاعل والفاعل هو اليد لا يكون فيه هذا الوضوح ، وبالجملة : لا مجال للإشكال من جهة أصل
- (1) منية الطالب في شرح المكاسب : 2 / 187 ـ 188 .
(الصفحة 151)
تعدّد الضمان لا من جهة المغيّى ولا من جهة الغاية أصلا . هذا كلّه بالإضافة إلى جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد منهما شاء ، ومنه ينقدح أنّه مع الرجوع إلى واحد منهما واستيفاء حقّه منه لا مجال له للرجوع إلى الآخر ; لارتفاع الضمان رأساً بتحقّق غايته ، فلا يجوز له الرجوع إلى الآخر أصلا .
وأمّا جواز رجوع السابق إلى اللاّحق إذا رجع المالك إلى السابق واستوفى حقّه منه ، والمفروض عدم تحقّق التلف في يده وعدم كونه غارّاً بالنسبة إلى اللاّحق ، فقد عرفت توجيهه من طريق الطولية الراجعة إلى كون الثاني ضامناً للعين بوصف كونها مضمونة التي هي صفة اعتبارية ، ومعنى ضمان الضمان كون اللاّحق ضامناً للخسارة والبدل الذي يعطيه السّابق ويدفعه إلى المالك ، وقد اختاره سيّدنا الاُستاذ الإمام الخميني ـ أدام الله ظلّه الشريف ـ في كتابه في البيع ، حيث قال :
إنّ وصف «كونه مضموناً» أمر قابل لوقوع اليد عليه كسائر الأوصاف تبعاً للعين ، وتصحّ فيه العهدة وكونه على الآخذ ، وعهدة وصف المضمون على الضامن الثاني للضامن الأوّل ، ترجع عرفاً إلى ضمان الخسارة الواقعة عليه من قبل ضمانه ، وليس معنى ذلك أنّ المضمون له هو المالك ، بل المضمون له هو الضامن لما ضمنه للمالك . ثمّ قال : وبالجملة : إطلاق «على اليد . . .» يقتضى شموله لكلّ ما يصدق فيه «أنّها عليه» بوجه ، والمضمون له غير مذكور ومحوّل إلى فهم العرف والعقلاء .
وفي المقام يكون الضامن مضموناً له بالنسبة إلى ضمانه ، ولا يوجب ذلك الضمان رفع ضمان الضامن الأوّل ونقله إلى الضامن الثاني ; لأنّ موضوع ضمان الثاني هو ضمان الأوّل ، ولا يعقل رفع الموضوع بالحكم ، وليس الضمان بالنسبة إلى المالك حتى يقال : معناه النقل أو الأداء عند عدم أداء الأوّل ، بل لازم ضمان الثاني للأوّل
(الصفحة 152)
ليس إلاّ جبر خسارته ، وغاية هذا الضمان إرجاع المال المضمون إلى الضامن الأوّل ، فإنّه أداء للوصف المأخوذ . قال : ولعلّ كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) يرجع إلى ذلك وإن كان بعيداً من ظاهره(1) ، إنتهى موضع الحاجة .
ويرد على الطولية أوّلا : أنّ محذور تعدّد الضمان لمال واحد عرضاً كما هو المفروض في أصل الإشكال يأتي في الطولية أيضاً ، لأنّ زمان الضمان الثاني وإن كان متأخّراً عن زمان الضمان الأوّل ، إلاّ أنّه يجتمع في الزمان الثاني ضمانان لا محالة .
ودعوى تغاير المتعلقين لأنّ ضمان اليد الاُولى متعلّق بنفس العين ، وضمان الثانية متعلّق بضمان العين في ذمّة اليد الأولى وهكذا ، مدفوعة بأنّه إن اُريد بالتغاير مجرّد كون العين مضمونة في اليد الاُولى خالية عن الصفة الاعتبارية وهي المضمونية ، وفي اليد الثانية مشتملة عليها ، فلا محالة قد اجتمع في العين ضمانان وإن كان المضمون في الثاني واجداً لخصوصية زائدة أيضاً ، وإن اُريد بالتغاير اختلاف المضمونين بالمرّة ، كما هو ظاهر تعبير الدعوى ، فيردّه ـ مضافاً إلى منعه ـ أنّ مقتضاه عدم جواز رجوع المالك إلى اللاّحق أصلا ، كما لا يخفى .
وثانياً : منع كون صفة المضمونية صفة اعتبارية داخلة في دائرة الضمان ، بحيث كان مرجع ضمانها إلى لزوم أداء المثل أو القيمة إلى الاُولى مع رجوعه إلى الثانية ، فإنّها ليست من الصّفات الرّاجعة إلى العين ، وبعبارة اُخرى : الضمان إنّما هو حكم ثابت على العهدة ، واضافته إلى العين إنّما هو لمجرّد افتقاره إلى المضمون .
وامّا كون المضمونية صفة داخلة في دائرة الضمان ، كسائر الصفات الدخيلة فيها لكونها مرهونة مثلا ، فممنوع والشاهد ملاحظة العقلاء ، حيث إنّهم لا يفرّقون بين الغاصب الأوّل والغاصب الثاني فيما يرجع إلى غصب العين أصلا ، ولا يرون اختلافاً بينهما من جهة ما هو المضمون والثابت على العهدة بوجه ، فكما أنّ
- (1) كتاب البيع للإمام الخميني : 2 / 502 .
(الصفحة 153)
المضمون في الغصب الأوّل إنّما هي نفس العين بسائر صفاتها ، فكذلك المضمون في الغصب الثاني ، ولا فرق بين المضمونين .
وثالثاً : أنّه لو سلّمنا كون المضمونيّة داخلة في دائرة ضمان العين ، فهل المراد منه كون الغاصب الثاني ضامناً لشخصين : أحدهما : المالك ، وثانيهما : الغاصب الأوّل ، أو المراد منه كونه ضامناً للمالك فقط ، غاية الأمر كون المضمون هي العين مع صفة المضمونيّة ، فعلى الأوّل يكون لازمه جواز رجوع الغاصب الأوّل إلى الثاني وإن لم يرجع المالك إليه بعد أو بالكليّة ; لكون الثاني ضامناً له على ما هو المفروض ، وعلى الثاني لا يبقى مجال لجواز رجوع الأوّل إلى الثاني أصلا ، والتفكيك بين الموصوف والصفة في الضمان قد عرفت أنّ لازمه عدم جواز رجوع المالك إلى الغاصب الثاني ، مع أنّه مخالف لقاعدة «على اليد» الحاكمة بتعدّد الضمان بنحو القضية الحقيقية ، كما لا يخفى .
والعجب تصريحه ـ دام ظلّه ـ بأنّ أداء العين إلى الغاصب الأوّل يوجب رفع الضمان بالكلّية من الغاصب الثاني ، كما لا يخفى .
وهنا وجوه اُخر لهذه الجهة ـ التي هي من مشكلات مسائل الفقه ; لأنّه لا يعرف لها وجه مع كون كلّ واحد من السابق واللاّحق عادياً غير مغرور كما هو المفروض ـ :
منها : ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في كتاب الغصب ممّا لفظه : أنّ ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وإن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمّته به ، فيملك حينئذ من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة ، قال : وبذلك اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الّذي خطابه بالأداء شرعيّ لا ذمّيّ ، إذ لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد ،