(الصفحة 220)
الحديث في شيء منها ، ومن البعيد أن يكون المحقق الثاني ، وكذا صاحب الجواهر وجداها فيها ، بل كان الإسناد مستنداً إلى ما هو المعروف ، وعليه : فيشكل الاعتماد عليها ; لأنّ الشهرة الجابرة لضعف الحديث إنّما يكون موردها صورة وجود الحديث والنقل عن المعصوم (عليه السلام) . غاية الأمر أنّ ضعفه بالإرسال أو بغيره يكون مجبوراً بموافقة الشهرة معه ، واستناد المشهور إليه .
وأمّا لو كان أصل وجود الحديث مشكوكاً ، ولم يعلم وجود النقل وعدمه ، فلا معنى للانجبار ، بل يرجع الكلام إلى حجية نفس تلك الشهرة أو الإجماع وعدمها ، كما لا يخفى ، إلاّ أن يقال : إنّ إسناد مثل صاحب الجواهر يكفي في تحقّق النقل ووجود الحديث ، غاية الأمر كونه بنحو الإرسال ، ولكنّه يبّعده أنّه لو كان المرسِل مثل الصدوق (قدس سره) من قدماء أصحابنا الإماميّة (رضوان الله تعالى عليهم) وقريب الزّمن إلى المعصوم (عليه السلام) لكان ذلك كافياً في تحقق الحديث ووجود النقل ، وأمّا مع بعد العهد وانحصار الطريق بكتب الحديث ، فلا مجال للاكتفاء به ، فالظاهر أنّ إسناده كما عرفت كان مستنداً إلى ما هو المعروف ، لا إلى الوجدان في بعض كتب الحديث .
الأمر الثاني : الرّوايات الواردة في الموارد الخاصّة الدالّة على رجوع المغرور فيما غرمه وتضرّر به إلى الغارّ ، مثل ما ورد في التدليس في باب النكاح ، وقد عقد صاحب الوسائل باباً لذلك ، عنوانه : أنّ المهر يلزم بالدخول إن كان بالمرأة عيب ، ويرجع به الزوج على وليّها إن كان دلّسها ، وإن لم يدخل بها فلا مهر لها ، وكذا إن كانت دلّست نفسها ، وحكم العدّة (1) .
ومن رواياته رواية أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في رجل تزوّج امرأة
- (1) وسائل الشيعة : 21 / 211 .
(الصفحة 221)
من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها ، قال : فقال : إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق ، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها ، فإن لم يكن وليّها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه وتردّ على أهلها . قال : وإن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له ، وإن لم يصب شيئاً فلا شيء له(1) ، الحديث . وتوصيف الوليّ بأنّه دلّسها ظاهر في عموم الحكم وجواز الرجوع في جميع موارد التدليس .
ويظهر من الرّواية بقرينة المقابلة أنّ التدليس يتحقّق بمجرّد العلم بالعيب وعدم إظهاره وبيانه ، فلو لم يكن عالماً بالعيب أصلا لا يتحقق هناك تدليس ، كما أنّه في صورة العلم لا يتوقّف تحقق عنوانه على إراءتها بنحو لا يكون عيب فيها ، بل يكفى مجرّد السكوت وعدم البيان ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية رفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) ـ إلى أن قال : ـ وسألته عن البرصاء؟ فقال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها ، وأنّ المهر على الذي زوّجها ، وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها ، ولو أنّ رجلا تزوّج امرأة وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء ، وكان المهر يأخذه منها(2) .
وهذه الرواية أظهر من السّابقة ; لصراحتها في أنّ استقرار المهر على الوليّ إنّما لأجل التدليس الواقع منه ، كما أنّ عدم التفصيل في الوليّ من جهة التدليس وعدمه إنّما هو لكون موردها البرصاء ، وهي عيب لا يكاد يخفى على الوليّ ، بخلاف الرواية
- (1) الكافي : 5 / 408 ح 14 ، تهذيب الأحكام : 7 / 425 ح 1699 ، الاستبصار : 3 / 247 ح 885 ، وعنها وسائل الشيعة : 21 / 211 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 2 ح 1 .
(2) الكافي : 5 / 407 ح 9 ، تهذيب الأحكام : 7 / 424 ح 1697 ، الاستبصار : 3 / 245 ح 878 ، مستطرفات السرائر : 36 ح 53 ، وعنها وسائل الشيعة : 21 / 212 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 2 ح 2، وفي البحار : 103 / 361 ح 1 عن مستطرفات السرائر .
(الصفحة 222)
السّابقة المشتملة على بعض العيوب التي يمكن عدم علم الوليّ بها ; كالإفضاء ونحوه .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : المهر لها بما استحلّ من فرجها ، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها(1) . والمراد من إنكاح الوليّ إيّاها ـ ولو بقرينة سائر الروايات ـ صورة التدليس لا مجرّد الإنكاح ولو كان بدونه .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : في كتاب عليّ (عليه السلام) : من زوّج امرأة فيها عيب دلّسه ولم يبيّن ذلك لزوجها ، فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها ، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوّجها ولم يبيّن(2) .
وهذه أيضاً تدلّ على الرجوع في صورة التدليس ، وتدلّ أيضاً على أ نّ المراد بالتدليس مجرّد العلم وعدم البيان ، ولم يفرّق في الرواية بين الوليّ وغيره .
ويؤيّد هذه الروايات ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل وهي رتقاء؟ قال : يفرّق بينهما ولا مهر لها(3) ; فإنّ عدم ثبوت المهر مع سببية الدخول له
- (1) الفقيه : 3 / 273 ح 1299 ، تهذيب الأحكام : 7 / 426 ح 1701 ، الاستبصار : 3 / 247 ح 886 ، وعنها وسائل الشيعة : 21 / 213 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 2 ح 5 ، وفي البحار : 103 / 364 ح 18 ، ومستدرك الوسائل : 15 / 45 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 1 ح 1 عن نوادر ابن عيسى : 78 ذ ح 171 .
(2) تهذيب الأحكام : 7 / 432 ح 1723 ، وعنه وسائل الشيعة : 21 / 214 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 2 ح 7 ، وأخرجه في البحار : 103 / 365 ح 21 عن نوادر ابن عيسى : 79 ح 174 .
(3) قرب الإسناد : 249 ح 984 ، وعنه وسائل الشيعة : 21 / 214 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ب 2 ح 8 والبحار : 103 / 362 ح 8 .
(الصفحة 223)
إنّما هو للتدليس الحاصل من ناحية الزوجة نفسها .
ومثل الروايات الواردة في شاهد الزور ، الدالّة على رجوع المحكوم عليه به إذا رجع عن شهادته وكذّب نفسه ، مثل :
صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شهادة الزور إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإلاّ ضمن بقدر ما أتلف من مال الرّجل(1) .
ورواية محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شاهد الزور ما توبته؟ قال : يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ، إن كان النصف أو الثلث ، إن كان شهد هذا وآخر معه (2) .
ومرسلة جميل، عن أحدهما (عليهما السلام) قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل : ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرّموا الشهود شيئاً(3) .
ومرسلة ابن محبوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزّنا ، ثمّ رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، قال : إن قال الرابع(4) أو همت ضرب الحدّ واُغرم الدّية ، وإن قال : تعمّدت قتل (5) .
- (1) الكافي 7 : 384 ح 6 ، تهذيب الأحكام : 6 / 260 ح 688 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 328 ، كتاب الشهادات ب 11 ح 3 .
(2) الكافي : 7 / 383 ح 2 ، تهذيب الأحكام : 6 / 260 ح 687 ، عقاب الأعمال : 269 ح 5 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 327 ، كتاب الشهادات ب 11 ح 1 .
(3) الكافي : 7 / 383 ح 1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 259 ح 685 ، الفقيه : 3 / 37 ح 124 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 326 ، كتاب الشهادات ب 10 ح 1 .
(4) في التهذيب : الراجع .
(5) الكافي : 7 / 384 ح 4 ، تهذيب الأحكام : 6 / 260 ح 691 و ج 10 / 311 ح 1162 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 328 ، كتاب الشهادات ب 12 ح 1 .
(الصفحة 224)
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة شهد عندها شاهدان بأنّ زوجها مات فتزوّجت ، ثمّ جاء زوجها الأوّل ، قال : لها المهر بما استحلّ من فرجها الأخير ، ويضرب الشاهدان الحدّ ، ويضمنان المهر لها عن(1) الرجل ، ثمّ تعتدّ وترجع إلى زوجها الأوّل(2) .
ورواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السّارق ، وليس الذي قطعت يده ، إنّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر(3) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ، ولكنّ الظاهر أنّ استفادة القاعدة الكلية منها في غاية الإشكال وإن كان لا يخلو بعضها عن الإشعار بها ، كما لا يخفى .
ومثل ما ورد في الأمة المبتاعة أو المزوّجة ، مثل :
رواية جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يشتري الجارية من السّوق فيولدها ، ثمّ يجيء مستحق الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي اُخذت منه(4) .
- (1) في الفقيه : بما غرّا لها الرجل ، وفي التهذيب : بما غرّا الرجل .
(2) الفقيه : 3 / 36 ح 119 ، تهذيب الأحكام : 6 / 286 ح 791 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 330 ، كتاب الشهادات ب 13 ح 2 .
(3) الكافي : 7 / 384 ح 8 ، تهذيب الأحكام : 6 / 261 ح 692 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 332 ، كتاب الشهادات ب 14 ح 1 .
(4) تهذيب الأحكام : 7 / 82 ح 353 ، الاستبصار : 3 / 84 ح 285 ، وعنهما وسائل الشيعة : 21 / 205 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ب 88 ح 5 .