(الصفحة 30)
قبل الله دون المالك ، غير ظاهر .
ومنها : ما في الوسائل أيضاً عن قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ليس لك أن تأتمن من خانك ، ولا تتّهم من ائتمنت(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في الأبواب المتعدّدة من الوديعة والعارية واللقطة وغيرها ، الدالّة على عدم ثبوت ضمان على الأمين . نعم ، هنا بعض الروايات الظاهرة في الضمان ; مثل ما ورد في القصّار والصائغ :
كرواية يونس قال : سألت الرّضا (عليه السلام) عن القصّار والصائغ أيضمنون؟ قال : لايصلح إلاّ أن يضمنوا(2) .
ورواية الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمن القصّار والصائغ احتياطاً على الناس ، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأموناً(3) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمن الصبّاغ والقصّار والصائغ احتياطاً على أمتعة الناس ، وكان لا يضمن من الغرق والحرق والشيء الغالب ، الحديث(4) .
والظاهر أنّ المراد من التطوّل الذي تدلّ عليه رواية الحلبي هو التطوّل في مقام العمل ، مع جواز التغريم الذي هو متفرّع على ثبوت الضمان ، وعليه : فلا ينافي
- (1) قرب الإسناد : 72 ح 231 ، وعنه وسائل الشيعة : 19 / 81 ، كتاب الوديعة ب 4 ح 9 .
(2) الكافي : 5 / 243 ح 10 ، تهذيب الأحكام : 7 / 219 ح 958 ، الاستبصار : 3 / 132 ح 473 ، وعنها وسائل الشيعة : 19 / 144 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 9 .
(3) الكافي : 5/242 ح3، تهذيب الأحكام : 7/22 ح962، الإستبصار: 3/133 ح478، وعنها وسائل الشيعة: 19/142، كتاب الإجارة ب29 ح4 .
(4) الكافي : 5 / 242 ح 5 ، تهذيب الأحكام : 7 / 219 ح 956 ، الاستبصار : 3 / 133 ح 471 ، الفقيه : 3 / 162 ح 714 ، مستطرفات السرائر : 63 ح 43 ، وعنها وسائل الشيعة : 19 / 142 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 6 .
(الصفحة 31)
التضمين من ناحية أمير المؤمنين (عليه السلام) مطلقاً ، ويؤيّده بل يدلّ عليه مرسلة الصدوق ، أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال : كان أبي (عليه السلام) يضمّن الصائغ والقصّار ما أفسدا وكان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يتفضّل عليهم(1) . مع أنّ موردها صورة الإفساد والإتلاف التي يكون الحكم فيها الضمان بمقتضى القاعدة والنصوص الكثيرة(2)الواردة في صورة الإفساد ، فالتفضّل والتطوّل لا ينافي الضمان ، ولكنّه حيث يكون في المقام رواية اُخرى ظاهرة في عدم الضمان ، وهي :
رواية معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الصبّاغ والقصّار؟ فقال : ليس يضمنان(3) . ودلالتها على حكم صورة التلف ظاهرة .
وروايتان ظاهرتان في التفصيل في مثل القصّار في الضمان وعدمه بين صورتي الأمن والإتّهام :
إحداهما : رواية أبي بصير المشتملة على قول أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه لا يضمّن الصائغ ولا القصّار ولا الحائك إلاّ أن يكونوا متّهمين(4) .
وثانيتهما : رواية محمد بن الحسن الصفار قال : كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل دفع ثوباً إلى القصّار ليقصّره ، فدفعه القصّار إلى قصّار غيره ليقصّره ، فضاع الثوب ، هل يجب على القصّار أن يردّه إذا دفعه إلى غيره وإن كان القصّار مأموناً؟ فوقّع (عليه السلام) هو ضامن له إلاّ أن يكون ثقة مأموناً إن شاء الله(5) .
- (1) الفقيه : 3 / 161 ح 706 ، وعنه وسائل الشيعة : 19 / 47 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 20 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 141 ـ 147، كتاب الإجارة ب 29 .
(3) تهذيب الأحكام : 7 / 220 ح 964 ، الاستبصار : 3 / 132 ح 477 ، وعنهما وسائل الشيعة : 19 / 145 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 14 .
(4) تهذيب الأحكام : 7 / 218 ح 951 ، الفقيه : 3 / 163 ح 715 ، وعنهما وسائل الشيعة : 19 / 144 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 11 .
(5) تهذيب الأحكام : 7 / 222 ح 974 ، الفقيه : 3 / 163 ح 720 ، وعنهما وسائل الشيعة : 19 / 146 ، كتاب الإجارة ب 29 ح 18 .
(الصفحة 32)
يكون مقتضى الجمع بين الروايات المتعارضة في المقام هو التصرّف في المطلقات منها ، وحملها على الرواية المفصِّلة التي يكون مقتضاها ثبوت الضمان مع التهمة وعدم كونه مأموناً ، وعدمه مع كونه كذلك ، وعليه تتحقّق المخالفة مع الروايات المتقدِّمة الظاهرة في عدم ضمان الأمين مطلقاً ، فاللازم أن يقال : إنّ الروايات الدالّة على الضمان في المقام خارجة عن محلّ البحث ; لأنّ موردها صورة الشك في تحقّق التلف في يد الصائغ والقصّار ومثلهما .
والدليل عليه ـ مضافاً إلى التعليل بكون تضمين أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما هو لأجل الاحتياط على أمتعة الناس ـ ذيل رواية السكوني الدالّ على أنّه لم يكن يضمّن من الغرق والحرق والشيء الغالب ; فإنّ مقتضاه أنّه مع العلم بثبوت التلف واستناده إلى أمر آخر دون مثل الصائغ ، لم يكن هناك تضمين أصلا ، فالتضمين الثابت في الصدر إنّما هو في مورد الشك في تحقّق التلف أو الشكّ في الاستناد إلى العامل واحتمال كونه هو المتلف .
ومنه يظهر أنّ مورد الرواية المفصِّلة أيضاً إنّما هو خصوص صورة الشكّ ، ويؤيّده بل يدلّ عليه أنّ نفس هذا التفصيل لا يلائم إلاّ مع هذه الصورة ; فإنّ الإتّهام وعدمه لا يرتبطان إلاّ بما إذا كان هناك شكّ ، وإلاّ فمع العلم بثبوت التلف وعدم الاستناد إلى العامل لا يكون فرق بين المتّهم وغيره ، فالإنصاف أنّ الروايات الدالّة على عدم الضمان محكّمة .
هذا ما ورد في باب الإجارة ، وقد ورد في أبواب اُخر بعض ما يدلّ على الضمان ; مثل ما ورد في باب المضاربة بمال اليتيم ، وأنّ العامل ضامن(1) . وما ورد في
- (1) وسائل الشيعة : 9 / 83 ـ 89 ، كتاب الزكاة ، أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 و 2 و ج 19 / 27 : كتاب المضاربة ب 10 .
(الصفحة 33)
العارية ممّا يدلّ على ضمان عارية الدرهم والذهب والفضة(1) . وما ورد في الوصيّ ممّا يدلّ على ضمانه في الجملة(2) . وما ورد في باب اللقطة وأنّه إذا تلفت فالواجد ضامن لها(3) ، ولكنّها على تقدير عدم إمكان حملها على ما لا ينافي الروايات المتقدّمة ، يكون مفادها ضمان الأمين في الجملة ، ولا بأس به ; لأنّ قاعدة عدم ضمان الأمين قابلة للتخصيص ، ولا مجال للالتزام بابائها عنه أصلا .
ثمّ إنّه مع ما عرفت من وجود روايات متكثرة واردة في المسألة ، وأنّ الأمين لا يكون ضامناً إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، يشكل الاستدلال في مقابل عموم قاعدة ضمان اليد ـ على تقديره ـ بإجماع الفقهاء وإرسالهم المقام إرسال المسلّمات ; فإنّه مع وجود روايات متكثّرة دالّة على عدم الضمان ، وثبوت حجيّة بعضها من جهة السّند أيضاً ، لا يبقى مجال للإجماع ولا لدعوى كونه دليلا مستقلاًّ في مقابل الروايات ، كما لا يخفى . نعم ، لو كانت الروايات بأجمعها قاصرة من حيث السّند ، لكان الإجماع كاشفاً عن الاعتبار وجابراً للضعف من جهة السّند .
وكيف كان ، فالعمدة على تقدير شمول قاعدة ضمان اليد هي الرّوايات الواردة في عدم ضمان الأمين . هذا كلّه من جهة الدليل على القاعدة .
وأمّا من سائر الجهات ، فيقع الكلام في اُمور :
الأمر الأوّل : أنّ الضمان المنفي هنا هو الضمان الثابت في قاعدة اليد ، وهو كون المال في ذمّة ذي اليد وفي عهدته ، الذي هو أمر اعتباري عند العقلاء والشرع وإن كان بينهما اختلاف في بعض الموارد ، وهو أي ثبوت المال في العهدة ـ وبتعبير الرواية «على اليد» ـ يستمرّ إلى أن يتحقّق أداء نفس المال مع وجوده وإمكان أدائه
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 96 ، كتاب العارية ب 3 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 348 ، كتاب الوصايا ب 37 .
(3) وسائل الشيعة : 25 / 460 ، كتاب اللقطة ب 14 .
(الصفحة 34)
أو أداء مثله أو قيمته عند تلفه أو ما بحكمه ، فمرجع الضمان المنفي هنا إلى عدم ثبوت المال التالف على عهدة الأمين وفي ذمّته ، فلايجب عليه أداء مثله أو قيمته ، وقد عبّر في مرسلة أبان المتقدّمة بأنّه ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً(1) .
الأمر الثاني : أنّ المراد من الأمين هو مقابل الخائن الذي إذا وقع مال الغير تحت يده وفي اختياره لا يأبى من الخيانة فيه الموجبة لتلفه أو لحصول منقصة فيه ، وهل المراد من الأمين من كان غير خائن في نفسه وبحسب وصفه الواقعي ، كما اشتهر توصيف النبيّ (صلى الله عليه وآله) به قبل البعثة ; حيث كانوا يخاطبونه (صلى الله عليه وآله) بأنّه أمين ، أو أنّ المراد منه في المقام هو المؤتمن الذي ائتمنه صاحب المال بالنسبة إلى ماله الذي أوقعه تحت يده؟
وعلى التقدير الثاني ، هل المراد بالمؤتمن من كان مورداً لوثوق صاحب المال ، واطمئنانه بأنّه يكون محفوظاً عنده بجميع أجزائه وأوصافه ، ولا يتحقّق منه الخيانة بالنسبة إليه أصلا . أو أنّ المراد بالمؤتمن من كان طبع جعل المال في اختياره مقتضياً لعدم خيانته ; مثل ما إذا كان بصورة الوديعة التي غرضها حفظ المال ، أو العارية التي يكون غرضها الانتفاع مع بقاء المال بجميع شؤونه وإن لم يكن مورداً للوثوق بوجه أصلا؟
لابدّ للوصول إلى ما هو المراد من الأمين في القاعدة المبحوث عنها في المقام ، من ملاحظة عدم اختصاصها بالأمانة المالكيّة وشمولها للأمانة الشرعية التي يكون الإذن فيها من قبل الشارع ، ومن الواضح عدم تحقّق الأمانة في مقابل الخيانة بحسب الوصف الواقعي في كثير من مواردها ، كما أنّه لا معنى لتحقّق الإئتمان في جميعها بمعنى الوثوق بأنّه لا يتحقّق منه الخيانة ولا يصدر منه الخلاف .