(الصفحة 301)
ضامن للمالك إذا ظهر بعد التصدّق وعلم به ولم يرض(1) ، مع أنّ الملتقط لا يكون في عمله هذا إلاّ محسناً محضاً ، فكيف يكون ضامناً؟
واُجيب عنه بأنّ الشارع حكم بجواز التصدّق مع الضمان إن ظهر صاحبه ، فالتصدّق إحسان مع هذا القيد ، فصرف التصدّق بدون هذا القيد لا يكون إحساناً ; إذ لا يمكن أخذ مال الناس والتصدّق به عنهم استناداً إلى أنّه إحسان ، فالتصدّق المقيّد مصداق للإحسان ، وهذا الحكم لا يكون مختصّاً باللقطة ، بل يجري في كلّ ما هو مجهول المالك ، كالأموال المسروقة الواقعة في يده التي لا يعلم صاحبها ، والدين المجهول صاحبه ، والقُراضة في دكّان الصائغ وأمثالها .
وربما يستشكل فيها أيضاً بحكمهم بضمان الطبيب مطلقاً ، أو في خصوص ما إذا باشر العلاج بنفسه(2) ، مع أنّه لا شبهة في كونه محسناً وغرضه علاج المريض ، فكيف يكون ضامناً؟
إلاّ أن يقال بأنّ الحكم بالضمان في مثله مستند إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها الضمان(3) ، وهذه الروايات تكون بمنزلة المخصّص لقاعدة الإحسان ، وفيه تأمّل ; لإباء سياقها عن التخصيص ، كما لا يخفى .
هذا تمام الكلام في قاعدة الإحسان .
29 ذي القعدة الحرام 1408 هـ
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 292 ، تحرير الأحكام : 4 / 463 ، مسالك الأفهام : 12 / 517 ـ 518 .
(2) نكت النهاية : 3 / 420 ـ 421 ، اللمعة الدمشقية : 180 ، الروضة البهية : 10 / 108 ـ 110 ، جواهر الكلام : 43 / 46 .
(3) وسائل الشيعة : 29 / 260 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 24 .
(الصفحة 305)قاعدة الاشتراك
وهي أيضاً من القواعد الفقهية المعروفة ، ويترتّب عليها فروع كثيرة ، بل قلّ ما تخلو مسألة في الفقه من الحاجة إليها والابتناء عليها ; إذ معظم الأدلّة لم يرد بعنوان قضية كلّية حتى تشمل الأشخاص والأزمان والأحوال ، بل وردت في وقائع خاصّة دعت الحاجة المكلّفين إلى السؤال عنها ، فلا عموم فيها ، والمقصود منها أنّه إذا ثبت حكم لواحد من المكلّفين أو لطائفة منهم ، ولم يكن هناك ما يدلّ على مدخليّة خصوصية لا تنطبق إلاّ على شخص خاصّ ، أو طائفة خاصّة ، أو زمان خاصّ كزمان حضور الإمام (عليه السلام) ، فالحكم مشترك بين جميع المكلّفين رجالا ونساءً إلى يوم القيامة ; سواء كان ثبوته بخطاب لفظي أو دليل لبّي من إجماع أو غيره ، والكلام في هذه القاعدة أيضاً يقع في مقامات :
المقام الأوّل : في مدركها ومستندها ، وهي اُمور متعدّدة :
الأوّل : الاتّفاق القطعي من الأصحاب على اشتراك الجميع في الحكم المتوجّه إلى بعض آحاد المكلّفين(1) ، ويشهد به استدلالهم بالخطابات الخاصّة في إثبات
- (1) العناوين : 1 / 23 ، القواعد الفقهية للمحقق البجنوردي : 2 / 54 .