(الصفحة 340)
هذا ، ومع ذلك كلّه لا يبعد القول ببطلان عبادة الكافر وإن كانت مشتملة على نيّة القربة ; لتماميّة بعض الوجوه المذكورة ، فتدبّر .
وأمّا الوقف والصدقة والعتق، فقد ذكر صاحب العناوين أنّ بعض من اعتبر قصد القربة فيها منع من صحّتها من الكافر(1) ، وجماعة منهم قالوا بصحّتها ، منهم: الشهيد (رحمه الله) في اللمعة ; فإنّه مع اشتراطه القربة في العتق قال : والأقرب صحّة العتق من الكافر(2) ، وخلافهم في هذه الثلاثة مع اتّفاقهم على بطلان سائر العبادات منه :
إمّا من جهة أنّ الدليل دلّ في هذه الاُمور على اعتبار إرادة وجه الله تعالى ، وهي ممكن من الكافر كما في الخبر : أنّه «لا عتق إلاّ ما اُريد به وجه الله تعالى»(3) . وليس كذلك سائر العبادات ، وقد علّل بذلك الشهيد الثاني (رحمه الله) (4) .
وإمّا من جهة تركّب هذه الثلاثة من جهة ماليّة وجهة عبادة ، ويرجّح من ذلك جانب الماليّة .
وإمّا من جهة أنّ هذه كلّها إخراج عن الملك ، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم ، فهو أولى بالفكّ .
وإمّا من جهة أنّ الكافر ليس بمالك في الحقيقة ، وإنّما هو صورة ملك لبقاء النّظم ، فإذا أخرجه ودفعه خرج عن ملكه وإن لم يترتّب عليه الآثار من الثواب ونحوه .
ثمّ قال : والتحقيق أنّ هذه الثلاثة أيضاً ليست صحيحة من جهة كونها عبادة ، ولذلك لا ثواب فيه . نعم ، هي صحيحة من جهة كونها معاملة وفكّ ملك ، غاية ما
- (1) السرائر : 3 / 20 ، شرائع الإسلام : 3 / 107 ، تحرير الأحكام : 4 / 189 ، قواعد الأحكام : 3 / 198 و 199 .
(2) اللمعة الدمشقية : 133 ، الخلاف : 6 / 371 مسألة 12 ، المبسوط : 6 / 70 ـ 71 .
(3) الكافي : 6 / 178 ح 1 ، الفقيه : 3 / 68 ح 228 ، تهذيب الأحكام : 8 / 217 ح 772 ، وعنها وسائل الشيعة : 23 / 14 ، كتاب العتق ب 4 ح 1 .
(4) الروضة البهية : 6 / 243 .
(الصفحة 341)
هناك أنّه يرد أنّ هاتين الجهتين مرتبطتان لاتنفكّ إحداهما عن الاُخرى ، ولذلك لو لم ينو المسلم القربة لم يصحّ عتقه أصلا .
ونجيب عن ذلك بأنّ الكافر والمخالف يُلزم بمعتقده ; فإنّ اعتقاده فيه الصحّة ، وهذا المقدار يصير حجّة عليه في الخروج عن الملك ، ويدخل في عموم «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»(1)(2) .
أقول : على تقدير القول ببطلان عبادة الكافر لابدّ من الالتزام بالبطلان في هذه الثلاثة أيضاً ; إذ لم يقم دليل على الصحة فيها حتى يوجّه بما ذكر ، وقاعدة الإلزام على تقدير جريانها في الكافر ـ مع أنّ موردها المخالف ـ تقتضي الحكم بصحّة سائر عباداته أيضاً ، إلاّ أن يقال بالفرق بينها وبين مثل الصلاة ، فتدبّر .
هذا تمام الكلام في قاعدة اشتراك الكفّار مع المؤمنين في التكليف .
12 ذي الحجّة الحرام 1408
- (1) تقدم في 167 ـ 168 .
(2) العناوين : 2 / 722 .