(الصفحة 370)
نقول : إنّ هذا النذر إذا كان لغرض إيجاب العمل على نفسه ، نظراً إلى أنّ حكمه وجوب الوفاء به ، فهذا الغرض لا يترتّب عليه ; لأنّ الحكم الوجوبي مرفوع عن الصّبي أيّاً ما كان ، وإن كان لغرض آخر ، فلا يكون هناك غرض آخر متصوّر .
وبالجملة : إذا لم يؤثّر النذر أثراً زائداً فلا معنى لانعقاده وصحّته ، إلاّ أن يقال : إنّ تعلّق النذر به يوجب تأكّد استحبابه ، وهو يصير داعياً إلى العمل به ، فإنّ النذر يوجب أن يكون الوفاء به مستحبّاً بالإضافة إليه ، فتصير صلاة الليل بعنوانها مثلا مستحبة نفساً ، والإتيان بها بما أنّه وفاء بالنذر مستحبّ آخر ، فيتحقق استحبابان ، فيتاكّد الداعي إلى الإتيان بها بحيث لو لم يكن هنا نذر لما كان استحباب صلاة الليل بنفسه وبمجرّده داعياً له إلى الإتيان بها ، كما لا يخفى .
فالعمدة حينئذ هو الإجماع . أو يقال : إنّ النذر من الانشائيات ويعتبر فيها القصد ، وقد عرفت أنّ قصد الصّبي كلا قصد ، فلا يتحقّق منه الإنشاء .
هذا تمام الكلام في قاعدة مشروعية عبادات الصبي .
17 ذي الحجّة الحرام 1408 هـ
(الصفحة 373)قاعدة أماريّة اليد
وهي أيضاً من القواعد الفقهية المعروفة ، وتحقيق الكلام فيها يقتضي البحث في جهات :
الجهة الاُولى : في المراد من اليد في هذه القاعدة ، وأنّ اليد التي تكون موضوعاً للأحكام والآثار عند العقلاء ، وقد وقع التعبير بها في بعض النصوص الواردة عن العترة الطاهرة عليهم آلآف الثناء و التحيّة ماذا اُريد بها؟ فنقول :
الظاهر أنّ المراد بها هو الاستيلاء الخارجي والسلطة الفعليّة على شيء خارجاً ، والتعبير عن الاستيلاء باليد لأجل كونه ملازماً لليد بمعنى الجارحة المخصوصة ، غاية الأمر اختلاف مناشئ الاستيلاء وتعدّد مباديه باختلاف الموارد والأشخاص ، فالاستيلاء على الخاتم مثلا إنّما هو بكونه في يد المستولي وكونه محيطاً بأصبعه ، أو كونه في جيبه أو صندوقه مثلا ، والاستيلاء على الدار إنّما هو بكونه متصرّفاً فيها بما شاء من التصرف ، كما أنّ الاستيلاء على الأراضي إنّما هو بالزرع والغرس فيها ، والاستيلاء على الدكان إنّما هو بالكسب و التجارة فيه ، أو
(الصفحة 374)
بأن يكون بابه مغلقاً والمفتاح في يده ، و هكذا .
كما أنّ الاستيلاء يختلف باختلاف الأشخاص ، فاستيلاء الرّعية لا يتجاوز حدود داره وعقاره مثلا ، وأمّا السلطان فهو مستول على المملكة بأسرها ، فالتصرّف في شيء من أراضيها وغيرها ولو كان هي القطعة من السماء المختصّة بها المعبّر عنها بالحريم الفضائي ، تصرّف فيما هو تحت يده واستيلائه .
نعم ، ربما يتزاحم بعض الجهات الموجبة للاستيلاء مع البعض الآخر ، كما إذا كان أحد الشخصين راكباً على الدابّة وزمامها بيد الآخر ، وفرض إدّعاء كلّ منهما ملكية تمامها ، ولابدّ حينئذ من المراجعة إلى العرف ، وأنّه إن حكم بتقدّم أحد الاستيلائين فهو ، وإلاّ فيسقط كلاهما عن الاعتبار .
وبالجملة : لا شبهة في أنّ المراد باليد هو الاستيلاء الفعلي والسلطة الخارجية الملحوظة عند العرف والعقلاء ، ومجرّد القدرة على تحصيل هذا الاستيلاء لا يوجب تحقّق اليد .
ودعوى أنّ اليد بهذا المعنى تارة : تكون مسبّبة عن الملكية ، كما في موارد البيع والصلح والإرث الذي هو سبب قهريّ ، واُخرى : تكون سبباً لحصولها ، كما في باب الحيازة .
مدفوعة بأنّه إن كان المقصود من هذه الدعوى كون اليد عبارة اُخرى عن الملكية التي هي أمر اعتباري ، فيردّه ـ مضافاً إلى منع اقتضاء السببية والمسببية لذلك كما هو واضح ـ : أنّ المراد باليد كما عرفت هو الاستيلاء الخارجي المعتبر عند العرف ، المتوقّف على مباد واقعية ومقدّمات خارجية ، وهو يغاير الملكية التي هي أمر اعتباري محض ; فإنّ الاستيلاء وإن كان أمراً اعتباريّاً ، ولا مجال لدعوى كونه من الاُمور التكوينية ; ضرورة أنّ ما يكون في الخارج هو تصرّف المستولي على الدّار مثلا بما شاء ، إلاّ أنّ كون هذا التصرّف استيلاءً ويداً عليها منوط باعتبار