(الصفحة 387)
إلى قريته الماء في غير هذا النهر ، المستلزم ذلك لتعطيل الرّحى ; حيث حكم (عليه السلام) بوجوب الاتّقاء من الله ، والعمل بالمعروف وعدم إضرار أخيه المؤمن .
هذا ، وقد صرّح المحقّق النراقي (قدس سره) في العوائد بعدم الشمول للمنافع ، بل مقتضى ذيل كلامه عدم تحقّق اليد والاستيلاء موضوعاً بالنسبة إلى المنافع ، فإنّه (قدس سره) بعد الاستدلال لعدم الشمول بالأصل ، وعدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان ، واختصاص الأخبار بها على اختلافها من حيث ظهورها في خصوص الأعيان ، أو إجمالها ، أو عدم دلالتها على ما هو المطلوب من الأمارية ، وبعد دعوى اختصاص صدق اليد حقيقة بالأعيان ; لأنّها المتبادرة عرفاً من لفظ اليد والاستيلاء ، قال :
بل وهنا كلام آخر ; وهو أنّ اليد والاستيلاء إنّما هو فى الأشياء الموجودة في الخارج ، القارّة . وأمّا الاُمور التدريجيّة الوجود غير القارّة كالمنافع ، فلو سلّم صدق اليد والاستيلاء عليها ، فإنّما هو فيما تحقّق ومضى لا في المنافع المستقبلة التي هي المراد هاهنا(1) .
والجواب عنه أوّلا : بالنقض بأصل الملكية ; فإنّه لو لم تكن المنفعة التي وجودها تدريجيّ قابلة لأن يتعلّق بها الاستيلاء ـ وتقع مورداً للسّلطة واليد باعتبار كون وجودها غير قارّ ـ لا تكون قابلة لأن تقع مملوكة أيضاً ; لعدم الفرق بين الملكية والاستيلاء من هذه الجهة أصلا ، مع أنّ تعلّق الملك بها مضافاً إلى بداهته لا يلتزم القائل باستحالته ، كما هو ظاهر .
وثانياً : بالحلّ ، وهو أنّ المراد بالاستيلاء المساوق لليد ليس هو الاستيلاء الحقيقي حتى يمنع تعلّقه بالأمر غير الموجود ، بل الاستيلاء الاعتباري الذي يعتبره العقلاء في موارده ، ويستتبعه الاختصاص ، وهذا لا مانع من أن يتعلّق بالأمر الذي لا يكون موجوداً بالفعل ، كما أنّ الملكية المتعلّقة به أمر اعتباري ، وإضافة معتبرة
(الصفحة 388)
عند العقلاء بين المالك والمملوك ، فالظاهر إمكان تحقّق الاستيلاء واليد بالإضافة إلى المنافع ، كما في الملكيّة ، بل قد عرفت شمول الأدلّة وعدم اختصاصها بالأعيان ، فالإشكال في هذه الجهة ممّا لا مجال له .
وأمّا ما قيل من أنّ المراد باليد هي السيطرة والاستيلاء الخارجي ; سواء كان هناك معتبر في العالم أم لا؟ إذ اليد بالمعنى المذكور من الاُمور التكوينيّة الخارجيّة ، وليست من الاُمور الاعتباريّة ، ولذلك تتحقّق اليد من الغاصب مع أنّه لا اعتبار لا من طرف الشارع ولا من طرف العقلاء ، والقول بأنّه باعتبار نفسه شطط من الكلام ، فيدفعه أنّ الاعتبار المفقود في الغاصب هو اعتبار الملكيّة ، لا اعتبار كونه في يده وهو مستول عليه .
كيف؟ وقد حكم الشارع بضمانه بقوله (صلى الله عليه وآله) : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1) فإنّه مع عدم اعتبار كونه مأخوذاً لليد وهي آخذته ، لا معنى للحكم بضمانه ، والإنصاف أنّها ليست من الاُمور التكوينيّة المتحقّقة مع قطع النظر عن الاعتبار ، بل أمر متحقّق به ، ولذا يختلف مواردها كما ذكرنا في أوّل بحث القاعدة .
نعم ، يبقى الإشكال في أنّ الاستيلاء المتعلّق بالمنافع هل هو استيلاء مستقلّ في قبال الاستيلاء المتعلّق بالأعيان ، بحيث يكون لمالك العين والمنفعة استيلاءان في عرض واحد ، يكشف كلّ منهما عن ملكيّة المستولي بالنسبة إلى المستولى عليه ، الذي هو العين في أحدهما والمنفعة في الآخر ، أو أنّ يد صاحب المنافع عليها تبعيّة في طول الاستيلاء المتعلّق بالأعيان ، أو أنّه لا يكون هنا إلاّ استيلاء واحد متعلّق بالأعيان ، غاية الأمر أنّه يكشف عن ملكيّة العين والمنفعة جميعاً ، أو أنّه لا يكشف إلاّ عن ملكيّة العين ، غاية الأمر أنّ ملكية العين تكشف عن ملكية المنافع ، فهي
(الصفحة 389)
مكشوفة لا بأصل الاستيلاء المتعلّق بالعين ، بل بالملكية المتعلّقة بالعين المنكشفة بسبب الاستيلاء المتعلق بها؟ وجوه واحتمالات متصوّرة بحسب التصوّر الابتدائي والنظر البدوي .
ولكنّ الظاهر هو الاحتمال الثاني ; لابتناء الأخيرين على عدم تعلّق الاستيلاء بالمنافع ، وقد عرفت وقوعه فضلا عن إمكانه ، وأمّا الاحتمال الأوّل فهو أيضاً خلاف ما هو المعتبر عند العقلاء ; فإنّهم لا يعتبرون الاستيلاء بالنسبة إلى المنافع إلاّ تبعاً للاستيلاء المتعلّق بالأعيان ، كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه فصّل المحقق البجنوردي (قدس سره) في المنافع من جهة جريان القاعدة فيها بما حاصله : أنّه تارة يكون المدّعي هو المالك باعتراف ذي اليد ، بأن يقول مثلا : يا زيد المدّعي هذه الدار التي الآن في يدي ملكك ، ولكن في إجارتي إلى سنة مثلا ، واُخرى يكون المدّعي أجنبيّاً ، أي ليس بمالك ، مثل أن يدّعي شخص آخر ويقول : في إجارتي لا في إجارتك ، ففي الثاني تكون اليد حجّة في مقابل الأجنبي دون الأوّل ، أي في مقابل المالك ; نظراً إلى أنّ المدّعي لو كان هو المالك ، فحيث إنّ ذا اليد معترف بأنّ يده أمانيّة ومن قبل المالك ، ففي الحقيقة يده يد المالك ، فلا مجال للمخاصمة مع المالك بمثل هذه اليد ; لأنّه أسقطها عن الاعتبار بالإضافة إلى المالك باعترافه أنّ يده أمانيّة .
وأمّا بالنسبة إلى الأجنبي فلا ، من جهة أنّ اليد موجودة على الفرض ، ولم يصدر عن ذي اليد اعتراف يضرّ بأماريتها بالنسبة إلى الأجنبي . نعم ، يبقى مطالبة الدليل على اعتبار مثل هذه اليد التبعية ، ثمّ اختار أنّه لو كان المدرك هو الأخبار أو الإجماع ، فاثبات الاعتبار مشكل في الأوّل ، ومعلوم العدم في الثاني ، ولو كان المدرك هو بناء العقلاء يتعيّن التفصيل المذكور(1) .
- (1) القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي : 1 / 150 ـ 152 .
(الصفحة 390)
أقول : قد مرّ(1) أنّ يد المستأجر إنّما هي يد المؤجر ، كما أنّه قد مرّ(2) أنّ اليد على المنافع والاستيلاء عليها إنّما هو بتبع اليد على العين وفي طولها ، لكنّ المراد بالأوّل هو ما إذا كانت اليد ملحوظة بالإضافة إلى أصل ملكية العين ; بمعنى أنّ يد المستأجر كاشفة عن ملكيّة المؤجر للعين المستأجرة ، كما أنّ يد المؤجر كاشفة عنها .
وأمّا بالإضافة إلى المنفعة التي هي ملك للمستأجر بسبب الإجارة ، فلا مجال لتوهّم كون يده يده كما هو ظاهر ، كما أنّ المراد بالثاني ما إذا كانت العين تحت يد المالك ; فإنّه حينئذ يكون الاستيلاء على المنافع بتبع الاستيلاء على العين وفي طولها ، وأمّا إذا كانت العين تحت يد المستأجر فلا تكون هذه التبعية ، بل تصير مثل أصل الملكية ; فإنّ تبعيّة ملكية المنافع لملكية العين إنّما هي فى مورد المالك للعين .
وأمّا بالإضافة إلى المستأجر ، فالملكية متحقّقة من دون أن يكون هناك تبعيّة أصلا ، وعلى ما ذكرنا لا يبقى مجال للتفصيل المذكور ; فإنّ اليد كاشفة عن ملكية المنافع ; سواء كانت المخاصمة مع المالك أو مع الأجنبي ، وأمّا الإشكال في شمول الأخبار لليد على المنافع فقد عرفت الجواب عنه ، وأنّ بعض الروايات واردة في خصوص المنفعة ، فلا فرق بين أن يكون المدرك هي الأخبار أو بناء العقلاء .
نعم ، قد عرفت المناقشة(3) في أصل اعتبار الإجماع في القاعدة ، بأنّه لا أصالة له ولا يكشف عن موافقة المعصوم (عليه السلام) بوجه ، فراجع .
الثاني من موارد الخلاف : جريان القاعدة بالإضافة إلى نفس صاحب اليد إذا شك في أنّ ما بيده ملك له أو لغيره ، ولم يكن في مقابله مدّع أصلا ، والظاهر هو
- (1) في ص 41 .
(2) في ص 113 ـ 114 .
(3) في ص 376 ـ 377 .
(الصفحة 391)
الجريان ; لإطلاق قوله (عليه السلام) في موثّقة يونس المتقدّمة (1): «ومن استولى على شيء منه فهو له»، ولكنّه ربما يناقش في الاستدلال بها بأنّ الظاهر من هذه الرواية أ نّه (عليه السلام) في مقام مخاصمة الزوج مع الزوجة حكم بأنّ كلّ واحد منهما إذا كان مستولياً على شيء من متاع البيت فهو له ، فلا إطلاق لها يشمل صورة عدم التنازع وعدم وجود مدّع في البين .
ويدفع هذه المناقشة ـ مضافاً إلى أنّ المفروض فيها موت أحد الزوجين ، فلا معنى للمخاصمة بينهما ـ : أنّه على تقدير التصحيح بأنّ المراد مخاصمة ورثة الميّت مع أحد الزوجين لم يفرض في الرواية التخاصم والتنازع بوجه ، بل قد عرفت(2) أنّ ذيل الرواية إنّما هو في مقام إفادة قاعدة كلّية وضابطة عامّة ، وهي تشمل صاحب اليد أيضاً كما لا يخفى .
نعم ، لا مجال للاستدلال بموثّقة مسعدة بن صدقة المتقدّمة(3) ، لا لأنّ مساق تلك الرواية في بيان قاعدة الحلّ ولا ربط لها بباب اليد أصلا ; فإنّك عرفت(4) تماميّة دلالتها على قاعدة اليد ، بل لأجل أنّ موردها اعتبار يد الغير بالنسبة إلى ملكيّة ما في يده ، ولا دلالة لها على اعتبار اليد في حقّ نفس ذي اليد .
وربما يستدلّ على(5) الخلاف بصحيحة جميل بن صالح المتقدمة(6) ; حيث إنّه (عليه السلام) حكم فيها في ما وجده الرجل في داره من الدينار مع دخول الغير فيها أحياناً ، بأنّه ليس له مع ثبوت اليد والاستيلاء عليه ، وأيضاً علّل (عليه السلام) كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره من عدم إدخال غيره يده فيه أصلا .
- (1، 2) في ص 377 ـ 378 .
(3، 4) في ص 383 ـ 385 .
(5) المستدلّ هو المولى أحمد النراقي في عوائد الأيّام : 743 .
(6) في ص 379 .