(الصفحة 425)
ثمّ إنّ بعض المحقّقين أفاد في بيان حقيقة الكسر المشاع في رسالته في قاعدة اليد ما لفظه : لا ريب في أنّ الكسر المشاع يقابل الكلّـي في المعيّن ، وأمّا إرجاعه إليه فإنّما هو من باب الإلجاء وعدم الوقوف على حقيقته ، بل الكسر المشاع جزئيّ ، ولأجله ربما يشكل بأنّ الجزئية والشيوع والسريان لا يجتمعان ، وقد غفل عن أنّ الموجود الخارجي على قسمين : موجود بوجود ما بحذائه ، وموجود بوجود منشأ انتزاعه ، فما له مطابق بالذات وموجود بالفعل نفس منشأ الانتزاع . وأمّا الأمر الانتزاعي فموجود بالعرض والقوّة بنحو وجود المقبول بوجود القابل .
وعليه : فمفهوم النصف مثلا ربما يكون موجوداً بوجود ما بحذائه ; وهو نصف المعيّن في العين ، وربما يكون عنواناً لموجود بالقوّة لتساوي نسبته إلى جميع الأنصاف المتصوّرة في العين باختلاف كيفية التنصيف والتقسيم ، فهذا الموجود بالقوّة المتساوي النسبة جزئي بجزئية منشأ انتزاعه ، وله شيوع وسريان باعتبار قبوله لكلّ تعيّـن من التعيّنات الخارجيّة المفروضة ، ولأجله تكون القسمة معيّنة للاّمتعيّن من دون لزوم معاوضة ومبادلة بين أجزاء العين .
وعليه : فالمملوك لكلّ واحد من الشريكين أوّلا وبالذات هو النصف المشاع ، وليس لكلّ عين إلاّ نصفان على الإشاعة ، والعين الخارجية مورد لمملوكين بالذات ، فتكون مملوكة بالعرض ، على عكس من يملك عيناً واحدة بالذات ; فإنّه يملك كسور المشاعة بالعرض .
وممّا ذكرنا تعرف أنّ المملوك بالذات لكلّ من الشريكين ملك استقلاليّ اختصاصي ، فلذا لا يتوقّف التصرّف في نصفه المشاع على إذن من شريكه ، وما هو مورد للنصفين المشاعين ـ وهي العين ـ هي المنسوبة إليها الاشتراك وعدم الاستقلالية ، وليست في الحقيقة مملوكة بالذات لأحد ، بل من حيث المورديّة للنصفين منها ينسب إليها الملكية بالعرض ، فلم يلزم قيام فردين من الملكية
(الصفحة 426)
الحقيقية الذاتيّة بعين واحدة ، فتدبّر ; فإنّه حقيق به(1) .
وأورد عليه سيّدنا الأعظم الخميني ـ مدّ ظلّه العالي ـ بوجوه من الإيرادات :
منها : أنّ المراد من قوله : «إنّ مفهوم النصف مثلا ربما يكون موجوداً بوجود ما بحذائه ; وهو نصف المعيّن في العين» إن كان هو تحقّق ذلك المفهوم ووجوده بوجود ما بحذائه قبل لحوق التقسيم الحقيقي أو الوهمي الاعتباري للعين الخارجية ، بحيث يكون الموجود في الخارج واجداً للنصفين حقيقة وفعلا ، ولو لم تلحقه كثرة بعد ، فيرد عليه :
أنّ لازمه وجود الاُمور غير المتناهية فعلا في شيء محصور بين حاصرين ; ضرورة أنّ الكسور غير متناهية ، وكما أنّ النصف موجود يكون نصف النصف أيضاً موجوداً ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ; لبطلان الجزء غير القابل للتجزئة ، فالأمر المتناهي الذي هو العين الخارجية المحصورة بين الحاصرين يكون حينئذ واجداً حقيقة للاُمور غير المتناهية الموجودة بالوجود الحقيقي الذي له بحذاء في الخارج ، ومن المعلوم استحالة ذلك ، فلابدّ من أن يكون المراد من ذلك القول هو كون مفهوم النصف موجوداً بوجود ما بحذائه بعد عروض التقسيم للعين الخارجية حقيقة ، كما إذا انكسر الحجر الواحد وصار نصفين ، أو وهماً كما إذا قسمّ اعتباراً من دون أن يقع فيه تغيير .
وحينئذ يرد على ذلك أيضاً ـ مضافاً إلى أنّه بعد لحوق التقسيم خصوصاً في التقسيم الحقيقي لا يبقى مجال ومحلّ لعنوان النصف ـ أنّ النصف الموجود في الخارج كما يكون منطبقاً عليه عنوان النصف إذا لوحظ بالإضافة إلى المركّب منه ومن النصف الآخر ، كذلك ينطبق عليه عنوان الثلث أيضاً إذا لوحظ بالإضافة إلى المركّب منه ومن الأمرين الآخرين ; فإنّ حبّة من الحنطة مثلا إذا لوحظت
- (1) قاعدة اليد للمحقّق الإصفهاني ، المطبوع في آخر نهاية الدراية: 3 / 335 ، مكتبة المصطفوي .
(الصفحة 427)
بالإضافة إلى حبّتين تكون نصفاً منهما ، واذا قيست بالنسبة إلى ثلاث حبّات تكون ثلثاً منها ، وهكذا ، ويلزم حينئذ أن تكون الاُمور غير المتناهية التي هي عبارة عن الكسور غير المتناهية ـ على ما عرفت من بطلان الجزء الذي لا يتجزّأ ـ موجودة حقيقة بوجود حبّة من حنطة ، وهو محال على ما تقدّم .
فالتحقيق : أنّ الشيء الموجود في العين قبل لحوق التقسيم الحقيقي بالنسبة إليها لا يكون إلاّ واحداً ، كما هو المحقّق في محلّه ، من أنّ الوجود والتشخّص مساوق للوحدة ، وأنّ الكثرة بما هي كثرة تستحيل أن تتحقّق في الخارج ، فثبوت النصفين لها لا يكون إلاّ بحسب الاعتبار والوهم ، كما أنّ الشيء بعد عروض الانقسام عليه لا تكون أجزاؤه إلاّ بحيث يكون كلّ واحد منها وجوداً مستقلاًّ ، واتصافه بالجزئية للمجموع وكونه نصفاً مثلا منه لا يكون إلاّ بحسب الاعتبار ; ضرورة أنّ المجموع لا يبقى له وجود مستقلّ بعد الانقسام إلاّ اعتباراً ، فأجزاؤه بما أنّـها أجزاؤه أيضاً كذلك ; لتضايف الوصفين كما هو غير خفيّ .
ومنها : أنّ ما أفاده في الكسر المشاع ـ من أنّه عبارة عن موجود بالقوّة تتساوى نسبته إلى جميع الأنصاف مثلا المتصوّرة في العين ، وهو جزئيّ بجزئية منشأ انتزاعه ، وله شيوع وسريان باعتبار قبوله لكلّ تعيّن ـ محلّ نظر بل منع ; لأنّ المراد بالموجود بالقوّة إن كان هو الهيولى القابل للتصوّر بصور مختلفة والتشكّل بأشكال متعدّدة ، فيرد عليه : أنّ لازم ذلك أن يصير الموجود بالقوّة فعليّاً بعد عروض الانقسام له بوجه ، مع أنّا نرى بقاء الإشاعة في بعض الموارد ، كما إذا وقع الانقسام بغير رضا الشريكين ; فإنّه حينئذ لا يكون الهيولى قابلا للتصوّر بغير تلك الصّورة ; لتبدّل القوّة إلى الفعليّة ، مع وضوح بقاء الاشتراك في المجموع المقتضي للإشاعة .
هذا ، مضافاً إلى أنّه ربما يكون الاشتراك والإشاعة بالنسبة إلى الأشياء المنفصلة بالحقيقة ، كما إذا كان قفيز من برّ مشتركاً بين شريكين ; فإنّ كلّ واحد من
(الصفحة 428)
حبّات الحنطة وجود واحد مستقلّ منفصل عن الحبّة الاُخرى حقيقة ، فأين الهيولى القابل للتصوّر بصور مختلفة .
وإن كان المراد بالموجود هو الأمر المبهم القابل للانطباق على كل نصف يتصوّر في العين باعتبار اختلاف كيفية التنصيف والتقسيم ، فيرد عليه : أنّ انتزاع ما حقيقته الإبهام عن الموجود في العين الذي هو معيّن محض ، غير معقول على ما عرفت سابقاً ; لأنّ المعيّن الخالي من شوائب الإبهام كيف يمكن أن يصير منشأً لانتزاع ما لم تشمّ منه رائحة التعيّن؟ كما هو واضح .
ومنها : أنّ ما أفاده في ذيل كلامه ـ من أنّ المملوك لكلّ واحد من الشريكين أوّلا وبالذات هو النصف المشاع ، والعين الخارجية مورد لمملوكين بالذّات ، فهي مملوكة بالعرض على عكس من يملك عيناً واحدة ـ ممنوع أيضاً ; فإنّه لا فرق في نظر العرف والعقلاء من حيث اتّصاف العين بالمملوكية بين ما كان المالك لها واحداً أو متعدّداً ، وكما أنّها في الصورة الاُولى تكون مملوكة بالذات ، كذلك في الصورة الثانية .
وكيف يمكن دعوى عدم كون العين في الصورة الثانية مملوكة فيما لو كان مالكها واحداً ، ثمّ نقل نصفها المشاع إلى غيره ، فإنّه يسأل حينئذ عن السبب الذي صار موجباً لخروج العين عن الملكية رأساً كما هو المفروض ، مع أنّ الناقل لم ينقل إلاّ نصفها ، ثمّ عن السبب الموجب لانتقال النصف المشاع إلى الناقل للنصف مع أنّه لم يكن مالكاً له ولم يتحقّق السبب النّاقل ، كما هو ظاهر .
كما أنّ ما أفاده من أنّ القسمة مرجعها إلى تعيين اللاّ معين ، من دون لزوم مبادلة ومعاوضة بين أجزاء العين لا يستقيم ; ضرورة أنّ مرجع الإشاعة إلى الاشتراك في كلّ جزء متصوّر ، فالتقسيم لا محالة يساوق التبادل بين الأجزاء ولا
(الصفحة 429)
يعقل بدونه(1) .
وقد بان من جميع ذلك أنّه لا محيص في تفسير الإشاعة وبيان حقيقتها عمّا ذكرنا من أنّها أمر اعتباريّ عقلائي ليس له ما بحذاء في الخارج ، كما أنّه لا ينتزع منه ، بل الاتّصاف به إنّما هو في الخارج على حذو سائر الاُمور الاعتبارية العقلائية ، كالملكية والزوجية ونحوهما ، فالعين الخارجية متّصفة في الخارج بأنّ لها نصفين قابلين لتعلّق الملكية بهما ، غاية الأمر أنّ وعاء الاعتبار إنّما هو الذهن ، ومع قطع النظر عن اعتبار المعتبرين لا واقعية للكسر المشاع أصلا ، بل لا يكون الموجود في الخارج إلاّ أمراً وحدانيّاً شخصيّاً لا تكثّر فيه بوجه من الوجوه .
والفرق بين الإشاعة وبين الكلّي في المعيّن هو أنّ الكلّي في المعيّن أمر كلّي كسائر الاُمور الكلّية والطبائع المتكثّرة ، غاية الأمر أنّ دائرة صدقه صارت بسبب التقييد مضيّقة ; فإنّ تقييد طبيعة الحنطة مثلا بالحنطة من هذه الصبرة الموجودة في الخارج ليس إلاّ كتقييدها بكونها جيّدة مثلا ، فكما أنّ مثل التقييد الثاني لا يُخرج الطبيعة المقيّدة عن كونها كلّية ، غاية الأمر قلّة أفرادها بالإضافة إلى الطبيعة المطلقة كذلك ـ مثل التقييد الأوّل ـ لا يُخرج الطبيعة المقيّدة عن كونها كلّية ، فتقييد العالم الذي يجب إكرامه بكونه من أهل البلد الفلاني ، كتقييده بكونه عادلا ، بلا فرق بينهما أصلا .
وأمّا الكسر المشاع ; فهو أمر جزئي ملحوظ بالنسبة إلى العين الخارجية ، غاية الأمر أنّه أمر اعتباري لا يكون له ما بحذاء في الخارج ولا منشأ للانتزاع ; لأنّ حقيقته الإبهام ، والتعيّن ينافيه ، فلا يعقل إتّحادهما ولا كون المعيّن منشأ لانتزاعه ، فافهم واغتنم .
- (1) الرسائل في الاُصول : 1 / 275 ـ 277 .