(الصفحة 429)
يعقل بدونه(1) .
وقد بان من جميع ذلك أنّه لا محيص في تفسير الإشاعة وبيان حقيقتها عمّا ذكرنا من أنّها أمر اعتباريّ عقلائي ليس له ما بحذاء في الخارج ، كما أنّه لا ينتزع منه ، بل الاتّصاف به إنّما هو في الخارج على حذو سائر الاُمور الاعتبارية العقلائية ، كالملكية والزوجية ونحوهما ، فالعين الخارجية متّصفة في الخارج بأنّ لها نصفين قابلين لتعلّق الملكية بهما ، غاية الأمر أنّ وعاء الاعتبار إنّما هو الذهن ، ومع قطع النظر عن اعتبار المعتبرين لا واقعية للكسر المشاع أصلا ، بل لا يكون الموجود في الخارج إلاّ أمراً وحدانيّاً شخصيّاً لا تكثّر فيه بوجه من الوجوه .
والفرق بين الإشاعة وبين الكلّي في المعيّن هو أنّ الكلّي في المعيّن أمر كلّي كسائر الاُمور الكلّية والطبائع المتكثّرة ، غاية الأمر أنّ دائرة صدقه صارت بسبب التقييد مضيّقة ; فإنّ تقييد طبيعة الحنطة مثلا بالحنطة من هذه الصبرة الموجودة في الخارج ليس إلاّ كتقييدها بكونها جيّدة مثلا ، فكما أنّ مثل التقييد الثاني لا يُخرج الطبيعة المقيّدة عن كونها كلّية ، غاية الأمر قلّة أفرادها بالإضافة إلى الطبيعة المطلقة كذلك ـ مثل التقييد الأوّل ـ لا يُخرج الطبيعة المقيّدة عن كونها كلّية ، فتقييد العالم الذي يجب إكرامه بكونه من أهل البلد الفلاني ، كتقييده بكونه عادلا ، بلا فرق بينهما أصلا .
وأمّا الكسر المشاع ; فهو أمر جزئي ملحوظ بالنسبة إلى العين الخارجية ، غاية الأمر أنّه أمر اعتباري لا يكون له ما بحذاء في الخارج ولا منشأ للانتزاع ; لأنّ حقيقته الإبهام ، والتعيّن ينافيه ، فلا يعقل إتّحادهما ولا كون المعيّن منشأ لانتزاعه ، فافهم واغتنم .
- (1) الرسائل في الاُصول : 1 / 275 ـ 277 .
(الصفحة 430)
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى أصل المقصود ونقول ـ بعد الفراغ عن استحالة اجتماع استيلائين مستقلّين على عين واحدة ، كاستحالة اجتماع ملكيتين مستقلّتين عليها ـ : إنّه يحتمل تصوّراً أن يكون مرجع استيلاء أزيد من واحد على عين واحدة إلى ثبوت استيلائين مثلا على المجموع ، غاية الأمر كونهما ناقصين ، وأن يكون مرجعه إلى ثبوت استيلائين تامّين بالنسبة إلى النصف المشاع ، وأن يكون مرجعه إلى ثبوت استيلائين ناقصين بالنسبة إلى النصف المشاع أيضاً ، وعلى التقدير الأوّل يحتمل أن يكون الاستيلاء الناقص بالنسبة إلى المجموع كاشفاً عن الملكيّة الناقصة بالإضافة إليه ، ويحتمل أن يكون أمارة على الملكيّة التامّة على النصف المشاع .
والظاهر من الاحتمالات الثلاثة هو الاحتمال الأوسط ، على ما هو المعتبر عند العقلاء الذين هم المرجع في مثل الباب كما عرفت(1) ; إذ لا معنى لثبوت الاستيلاء على المجموع وإن كان ناقصاً بعد أن لم يكن المجموع ملكاً للمستولي ; لأنّ مرجعه إلى الاستيلاء على مال الغير ، وما هو مستولى عليه له .
ثمّ على فرض صحّة هذا الاحتمال ، إن قلنا بكون الاستيلاء الناقص يكشف عن الملكية الناقصة بالنسبة إلى المجموع ، فهو لا معنى له ; لعدم معقوليّة اجتماع ملكين على المجموع ولو كانا ناقصين ، وإن قلنا بكونه كاشفاً عن الملكيّة بالنسبة إلى الكسر المشاع ، يلزم عدم تطابق الكاشف والمكشوف بوجه ، وهو باطل ; لأنّ الاستيلاء على المجموع كيف يمكن أن يكشف عن ملكيّة النصف المشاع ، فهذا الاحتمال ساقط رأساً .
وأمّا الاحتمال الثالث ، فيبعّده أنّه بعد كون كلّ منهما مالكاً للنصف المشاع ، يكون كلّ واحد مستقلاًّ في التصرّف في ملكه ; ضرورة أنّه يجوز لكلّ من
(الصفحة 431)
الشريكين نقل حصّته إلى الغير بالبيع أو الهبة أو غيرهما ، ولو لم يطّلع الآخر ، بل لم يجز على تقدير اطّلاعه ، غاية الأمر ثبوت حقّ الشفعة للآخر في بعض الموارد ، وهذا معنى تمامية الاستيلاء وعدم نقصه .
نعم ، لا يجوز لكلّ منهما ـ مع قطع النظر عن رضا الآخر ـ التصرّف في العين بالتصرّفات العينيّة الخارجية ، ولكن ذلك ليس لأجل نقص في الاستيلاء أو قصور في الملكية ، بل لأجل استلزام التصرّف فيه التصرّف في مال الغير ، وهو حرام بدون إذنه ، كما ربما يمكن تصويره في المالين المفروضين اللذين كان أحدهما ملكاً لزيد والآخر لعمرو ، وكان التصرّف الخارجي في أحدهما مستلزماً للتصرف في الاخر ، كمصراعي باب غير مفتوح ; فإنّه لا إشكال في استقلال استيلاء كلّ منهما بالنسبة إلى ماله ، بحيث يجوز له النقل والانتقال ولو مع عدم رضا الآخر ، مع أنّ التصرّف الخارجي في أحدهما يستلزم التصرّف في مال الغير ، فإنّ حرمة التصرّف حينئذ ليس لأجل نقص أو قصور ، بل لمجرّد الاستلزام المزبور .
فانقدح من ذلك أنّه لا محيص عن الاحتمال الأوسط ، وهو استقلال كل واحد من الاستيلائين بالنسبة إلى النصف المشاع ، وكون كلّ منهما كاشفاً عن الملكية بالإضافة إليه ، فاشتراك اثنين في الاستيلاء على العين كاشف عن ملكية كلّ واحد منهما لواحد من النصفين ، ولازمها الاشتراك والإشاعة . وعليه : فلو ادّعى كلّ منهما ملكية التمام تكون دعواه بالإضافة إلى النصف مقبولة فيما إذا لم تكن هناك بيّنة ، ويترتّب على ذلك فروع كثيرة في باب القضاء .
بقي الكلام في قاعدة اليد في مباحث : مثل جواز الشهادة والحلف مستنِداً إلى اليد الظاهرة في الملكية ، وكذا حجّية قول ذي اليد بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة ، وكذا حلّية اللحم المأخوذ منه إذا كان مسلماً ، ولكنّها لا ترتبط بما هو محطّ البحث في القاعدة ; وهي الأمارية والكاشفية عن الملكيّة ، فاللازم إرجاع البحث في تلك
(الصفحة 432)
المباحث إلى محالّها من كتاب الشهادات ، وكتاب الطهارة وغيرهما فراجع .
هذا تمام الكلام في قاعدة أماريّة اليد .
11 محرّم الحرام 1409 هـ