(الصفحة 466)
سبعون ألف ذراع ، فيسلّطها الله عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً(1)(2) .
وهذه الروايات وإن وردت في إعانة الظالم في ظلمه ، ولا دلالة لها في نفسها على كون حرمة هذه الإعانة لأجل كونها من مصاديق الإعانة على الإثم حتّى يستفاد منها العموم ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال : بأنّ ضمّ الآية المتقدّمة إليها ، لعلّه يوجب دلالتها على التعميم أيضاً ، وذلك لدلالة الآية على تساوي الإثم والعدوان من هذه الجهة ، فاذا كان المراد بالعدوان هو الظلم كما هو المحتمل ، يكون مقتضى تساويه مع الإثم ثبوت هذا الحكم في مطلق الإثم أيضاً ، فتدبّر .
ومنها : ما ورد في مورد إجارة داره لأن يباع فيها الخمر ، مثل خبر جابر قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟ قال : حرام أجره(3) ، ولكن حرمة الاُجرة كاشفة عن بطلان الإجارة ، وهو لا يستلزم حرمتها كما لا يخفى ، والتحقيق في محلّه .
ومنها : ما رواه الكليني بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخمر عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه ، وبائعها ومشتريها ، وآكل ثمنها(4) ، مع أنّ ما عدا الشارب لا ينطبق عليه إلاّ عنوان الإعانة والمعين على الإثم وتحقّق المعصية . نعم ، قد عرفت في الرواية المتقدّمة أنّ حرمة أكل الثمن إنّما هي من أجل بطلان المعاملة ; لإلغاء الشارع مالية الخمر ، فأكل الثمن أكل للمال بالباطل .
- (1) عقاب الأعمال : 335 ، وعنه وسائل الشيعة : 17 / 181 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 14 .
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2 / 53 ـ 54 .
(3) الكافي : 5 / 227 ح 8 ، تهذيب الأحكام : 7 / 134 ح 593 و ج 6 / 371 ح 1077 ، الاستبصار : 3 / 55 ح 179 ، وعنها وسائل الشيعة : 17 / 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1 .
(4) الكافي : 6 / 429 ح 4 ، الخصال : 444 ح 41 ، عقاب الأعمال : 291 ح 11 ، وعنها وسائل الشيعة : 25 / 375 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ب 34 ح 1 .
(الصفحة 467)
ومنها : غير ذلك من الروايات التي لا يبعد أن يستفاد من المجموع حرمة الإعانة على الإثم بعنوانها(1) ، كما لا يخفى .
الثالث : حكم العقل بقبح الإعانة على الإثم ; لأنّها مساعدة على إتيان ما هو مبغوض للمولى ، كحكمه بقبح نفس المخالفة والمعصية ; لكونها مبغوضة للمولى ومشتملة على المفسدة اللازمة الترك ، غاية الأمر أنّ دائرة الإعانة والمساعدة لا تشمل ما إذا هيّأ له مقدّمات بعيدة ، لا بقصد ترتّب المعصية وصدور ما هو المبغوض ، بل كما سيأتي إن شاء الله تعالى في معنى الإعانة ومفهومها اختصاص ذلك بالمقدّمات القريبة ، أو البعيدة التي تكون مقرونة بقصد ترتّب المعصية وتحقّقها ، فانتظر . وفي هذه الدائرة لا مجال لإنكار حكم العقل بالقبح الكاشف عن الحرمة الشرعية ; لقاعدة الملازمة وإن كان حكمه بقبح نفس المعصية ، والمخالفة لا تكون كاشفة عن ثبوت الحرمة الشرعية لها ، كما لا يخفى وجهه .
الرّابع : الإجماع واتّفاق الأصحاب على حرمة الإعانة على الإثم(2) ، وهذا الأمر مفروغ عنه عندهم ويرسلونه إرسال المسلّمات ، ولكنّا قد ذكرنا مراراً أنّه لا أصالة لمثل هذا الإجماع بعد دلالة الكتاب والسنّة ، بل وحكم العقل على ما عرفت ، فلا يكون دليلا مستقلاًّ في مقابلها .
الجهة الثانية : في المراد من القاعدة ، فنقول :
أمّا الإثم ، فهو في القاعدة بمعنى مطلق المخالفة والمعصية ; سواء كان في التكليف الوجوبي أو التحريمي وإن كان المراد به في الآية بلحاظ عطف العدوان عليه معصية ، خاصّة على ما عرفت من مجمع البيان ، إلاّ أنّه لا مجال للإشكال في أنّ المراد به في القاعدة هو مطلق المخالفة .
- (1) وسائل الشيعة : 17 / 223 ـ 225 ب 55 و ج 25 / 375 ـ 377 ب 34 .
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2 / 53 ، مفتاح الكرامة : 4 / 60 عوائد الأيّام : 75 ، العناوين : 565 .
(الصفحة 468)
وأمّا الإعانة التي هي العمدة ، فهي لغة بمعنى المساعدة ، يقال : أعانه على ذلك ، أي : ساعده عليه ، وعليه : فالمُعِين للإنسان هو المساعد له في جهة خاصّة أو سائر الجهات . ولكنّ الظاهر عدم اختصاص المساعدة بالمساعدة العملية ، بل تعمّ المساعدة الفكرية ، وإراءة الطريق والإرشاد إلى ما هو مطلوبه ومقصده ، وعليه : فالإعانة على الإثم معناها مساعدة الآثم وإعانته في جهة تحقّق الإثم وصدور المعصية ; سواء كانت مساعدة عملية ، أم مساعدة فكرية إرشاديّة ، والظاهر أنّه لا كلام في ذلك ، إنّما الكلام في أمرين :
أحدهما : أنّه هل يتوقّف صدق الإعانة على الإثم على قصد ترتّب الإثم وتحقّق المعصية ، بحيث لو لم يكن المُعِين قاصداً لترتّبها وصدورها من الآثم لم تتحقّق الإعانة أصلا ، أو لا يتوقّف صدقها على قصد صدور المعصية منه بوجه؟
ثانيهما : هل يتوقّف الصدق المذكور على تحقّق الحرام في الخارج وصدور الإثم من الآثم ، أم يتحقّق ولو لم يصدر المعصية منه في الخارج أصلا؟
قد يقال بلزوم كلا الأمرين من القصد وتحقّق الحرام في الخارج ، وقد يقال بعدم لزوم شيء من الأمرين ، بل بمحض إيجاد المقدّمة تتحقّق الإعانة ; سواء قصد ترتّب الحرام أم لا ، وسواء تحقّق الحرام في الخارج أم لا ، وقد يقال بالتفصيل بين الأمرين ; نظراً إلى اعتبار الأمر الأوّل دون الثاني ، أو العكس ، فيتحصّل أربعة احتمالات ، بل أقوال ، واللاّزم البحث في كلّ واحدة من الصّور الأربع ، فنقول :
أمّا الصورة الاُولى : وهي التي كانت مقرونة بالقصد وترتّب الحرام عليها خارجاً ، فلا إشكال في صدق الإعانة على الإثم فيها وإن كان العمل الصّادر من المعِين مقدّمة بعيدة ، كالغرس في الرواية النبوية المتقدّمة ، فإنّ غرس شجر العنب إن كان بقصد أن يصنع الخمر من عنبه ، وترتّب هذا القصد عليه في الخارج ، يكون
(الصفحة 469)
إعانة على الإثم ، ويصير الغارس ملعوناً كما في الرواية .
كما أنّ الصورة الثانية ـ وهي عكس الصورة الاُولى ـ تكون فاقدة للقصد والترتّب معاً ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها إعانة وإن قيل بالصدق فيها أيضاً . ولعلّ مستنده إطلاق الغارس في الرواية النبويّة ، حيث لم يقيّد بالقصد أو الترتّب أصلا ، ولكنّ الظاهر أنّه لامجال للالتزام به ، وإلاّ يلزم أن يكون أكثر الأفعال محرّمة بعنوان الإعانة ; لصلاحيتها لاستفادة المعصية منها وترتّب الحرام عليها .
ويمكن أن يقال : إنّ إضافة الغارس إلى الخمر في الرّواية ـ مع عدم قابليّة الخمر للمغروسية ، وإنّما القابل هو النخل وشجر العنب ـ إنّما تصحّ على تقدير كون الغرض من الغرس ذلك ، وإلاّ فمطلق غرس النخل لا يصحّح إطلاق غرس الخمر ، فالرواية حينئذ لا دلالة لها ولو بظاهرها على حرمة مطلق الغرس واللّعن عليه ، كما لا يخفى .
وأمّا الصورة الثالثة : فهي ما إذا كان هناك قصد ، ولكنّه لا يكون ترتّب وصدور إثم وعدوان ، والظاهر أنّه لا مجال لتوهّم صدق الإعانة على الإثم والعدوان هنا ، بعد عدم تحقّق إثم ومعصية في الخارج حتّى يعان عليها . نعم ، لو كان المعِين قاطعاً بتحقّق الحرام وترتّبه عليه بالقطع الوجداني أو الحكمي ، يصدق عليه عنوان المتجرّي ; لقطعه بأنّ عمله إعانة على الإثم مع عدم كونه في الواقع كذلك ، كما أنّه يمكن أن يقال بالحرمة لا من جهة الإعانة بل من جهة اُخرى غيرها ، وأمّا الإعانة فلا مجال لتوهّمها بوجه .
والعجب من الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) ، حيث إنّه يظهر منه في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً ، بل يصرّح بتقوّم الإعانة بالقصد والإتيان بالفعل بقصد حصول المعان عليه ; سواء حصل أم لم يحصل ، حيث إنّه ذكر في مقام الجواب عن بعض المعاصرين ، القائل باعتبار القصد وباعتبار وقوع المعان عليه في تحقّق
(الصفحة 470)
مفهوم الإعانة في الخارج ، وتخيّله أنّه لو فعل فعلا بقصد تحقّق الإثم الفلاني من الغير فلم يتحقّق منه ، لم يحرم من جهة صدق الإعانة ، بل من جهة قصدها ، بناءً على ما حرّره من حرمة الاشتغال بمقدّمات الحرام بقصد تحقّقه ، وأنّه لو تحقّق الفعل كان حراماً من جهة القصد إلى المحرّم ، ومن جهة الإعانة(1) ، أنّ فيه تأمّلا ، قال :
فإنّ حقيقة الإعانة على الشيء هو الفعل بقصد حصول الشيء ; سواء حصل أم لا ، ومن اشتغل ببعض مقدّمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصّل إليه ، فهو داخل في الإعانة على الإثم ، ولو تحقّق الحرام لم يتعدّد العقاب(2) .
وجه التعجّب أنّ كون المعان عليه إثماً ومعصية لا يوجب التغيير في معنى الإعانة ، ومن الواضح أنّه مع عدم تحقّق المعان عليه في الخارج كيف يعقل تحقّق الإعانة عليه؟ فاذا لم يتحقّق التزويج مثلا لمانع ، هل يجوز دعوى أنّ زيداً أعان عمراً على التزويج ، ولو كان هناك إطلاق فهو مبنيّ على التسامح ، وإلاّ فالإطلاق الحقيقي لا يكون له وجه أصلا .
وأمّا الصورة الرّابعة : فهي عكس الصورة الثالثة ، وهي ما إذا كان هناك ترتّب وصدور معصية ، ولكنّه لم يكن في البين قصد ، والظاهر أ نّ المسألة خلافية ، فقد استظهر الشيخ من الأكثر عدم اعتبار القصد ، وحكى عن الشيخ في المبسوط الاستدلال على وجوب بذل الطّعام لمن يخاف تلفه بقوله (صلى الله عليه وآله) : من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيس من رحمة الله(3) .
وعن العلاّمة في التذكرة : أنّه استدلّ على حرمة بيع السّلاح من أعداء الدين بأنّ فيه إعانة على الظّلم(4) . وعن المحقّق الثاني : أنّه استدلّ على حرمة بيع العصير
- (1) عوائد الأيّام : 79 .
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 1 / 133 .
(3) المبسوط : 6 / 285 .
(4) تذكرة الفقهاء : 12 / 139 .