(الصفحة 474)
ويرد عليه ما أفاده في ذيل كلامه من الفرق من جهة انحصار فائدة الشرط عرفاً في الحالة الخاصّة في الضّرب ، بخلاف تمليك الخمّـار ; فإنّه لا تنحصر فائدته عرفاً في التخمير ، ولو مع العلم بترتّبه عليه ، فالانحصار وعدمه هو الفارق بين المسألتين(1) .
فحاصل الكلام يرجع إلى أنّ العرف هو الفارق بين الفرضين ، وملاكه الانحصار العرفي وعدمه ، كما أنّ ثبوت الإعانة مع فرض القصد في غير هذه الصورة إنّـما هو لحكم العرف بذلك ; فإنّه يرى الفرق بين غارس النخل لأجل استفادة الخمر ، وبين الغارس لا لذلك . نعم ، يبقى الكلام في مثل قوله (صلى الله عليه وآله) : من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه(2) ، واللازم أن يقال ـ بعد ظهور عدم كونه في مقام الإخبار عن تحقّق الإعانة العرفية بذلك ـ : إنّ المراد هو تحقّق الإعانة تعبّداً وترتّب آثارها عليه كذلك ، ولا مانع من الالتزام به بعد دلالة الرّواية عليه ، ويمكن أن يقال بأنّه حيث يترتّب الموت غالباً على أكل الطين ، فآكل الطين لا يكاد ينفكّ عن القصد ، والإعانة إنّما هي بلحاظ ثبوت القصد، فتدبّر .
ثمّ إنّ الموارد المرتبطة بهذه القاعدة في الفقه كثيرة : مثل مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً ، وبيع الخشب ممّن يعلم أنّه يجعله صنماً ، وإجارة الدكّان لبيع الخمر ، أو الدار لصنعها ، وإجارة الدابّة أو السفينة لحمل الخمر ، وبيع السلاح من أعداء الدين ، وإن كان يحتمل فيه أن لا تكون حرمته من باب الإعانة ، بل من حيث نفسه .
والضابط في الموارد الخالية عن النصّ جوازاً أو منعاً مراعاة ما ذكرناه في معنى الإعانة من اعتبار أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ ، إمّا القصد إلى ترتّب
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الاعظم) : 1 / 140 .
(2) في ص 465 .
(الصفحة 475)
فعل الحرام عليه ; بمعنى كون الغرض من الفعل وإيجاد المقدّمة ترتّب الحرام عليه ووجوده في الخارج . وإمّا كون الفعل قريباً إلى الحرام وجزءاً أخيراً من العلّة التامّة ، الذي يوجب صدق الإعانة بنظر العرف وإن لم يكن في البين قصد أصلا .
الجهة الثالثة : في أنّه لا إشكال في صدق الإعانة فيما إذا كان هناك شخصان : أحدهما المعِين ، والآخر : المعان ، وأمّا بالإضافة إلى شخص واحد ، فهل تتحقّق الإعانة أم لا؟ فالمشتري في مثال بيع العنب إذا كان قاصداً باشترائه تخمير العنب المشترى ، وكان غرضه من الشراء ذلك ، هل يكون عمله حراماً بعنوان الإعانة أم لا؟ يظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) الثاني ، حيث إنّه ذكر أنّ محلّ الكلام فيما يعدّ شرطاً للمعصية الصادرة عن الغير ، فما تقدّم(1) من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستنداً إلى قوله (عليه السلام) : «من أعان على قتل مسلم . . .»(2) محلّ تأمّل ، إلاّ أن يريد الفحوى(3) .
ويؤيّد التعميم الرواية الواردة في لعن الغارس ; فإنّ حملها على كون المراد من الغرس تخمير الغير ، وعدم شمولها لما إذا كان المراد تخميره بنفسه في غاية البعد ، وكذا الرواية الواردة في أكل الطين ، الدالّة على أنّه إعانة على نفسه ولو بالمعنى الذي ذكرناه في معنى الرواية .
وبالجملة : إن كان مراد الشيخ (قدس سره) مدخليّة وجود الغير في معنى الإعانة عرفاً ، بحيث لا يكاد يتحقّق عندهم بدونه ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه ، خصوصاً بعد ما عرفت من الإطلاق في النصوص وبعض الفتاوى ، وإن كان مراده مدخليّته زائداً على المعنى العرفي ، فلا مجال له كما هو ظاهر .
- (1، 2) في ص 470 .
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 1 / 139 .
(الصفحة 476)
الجهة الرّابعة : في أنّه إذا صارت المعاملة محرّمة لأجل الإعانة على الإثم ـ كبيع العنب لأجل صرفه في التخمير ـ لا يوجب ذلك بطلان المعاملة وإن قلنا بأنّ النهي والتحريم المتعلّق بالمعاملة يوجب فسادها على خلاف ما هو مقتضى التحقيق ، كما بيّـن في محلّه ; وذلك لأنّ التحريم بمقتضى النصوص والفتاوى إنّـما تعلّق بعنوان الإعانة على الإثم والعدوان ، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يعقل أن يسري الحكم من متعلّقه إلى شيء آخر ، ولو كان بينهما اتّحاد في الخارج(1) .
وعلى هذا المبنى قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة الاُصولية ، وفي المقام بيع العنب في المثال المذكور وإن كان منطبقاً عليه عنوان الإعانة على الإثم ، إلاّ أنّه لا يكاد يسري الحكم من عنوان الإعانة إلى عنوان البيع ، فالمحرّم في جميع الحالات وفي جميع المقامات هو نفس هذا العنوان ، وأمّا عنوان البيع فهو محكوم بحكمه الأوّلي وهو الجواز ، فلا مجال لأن يصير باطلا لأجل الحرمة بعد كون متعلّقها هو عنوان الإعانة دون المعاملة .
هذا تمام الكلام في قاعدة حرمة الإعانة على الإثم .
28 محرم الحرام 1409 هـ
- (1) اُصول فقه الشيعة : 5 / 349 .