(صفحه104)
استنتاج الأحكام مثل وجوب صلاة الجمعة الذي أخبر به زرارة مثلاً، كذلك«لا تنقض اليقين بالشكّ» أيضاً حكم مجعول من قبل الشارع لأجل استنتاجبقاء وجوبها الذي كان ثابتاً في زمن الحضور.
فالاستصحاب ليس حكماً ينظر فيه، بل حكم ينظر به غيره، فلا يخرجعن التعريف.
نعم، يرد عليه خروج مثل قاعدة الحلّيّة والطهارة(1)، فإنّ قوله عليهالسلام : «كلّشيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام»(2) و«كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّهقذر»(3) حكم استقلالي لا آلي، لأنّ الحكم بحلّيّة شرب التتن مثلاً باستناد«كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام» من قبيل التطبيق على المصداق،كتطبيق قاعدة «ما يضمن» على مصاديقه.
وهو«مدّ ظلّه» تنبّه لهذا الإشكال، ولذا قال:
وأمّا خروج بعض الاُصول العمليّة فلا غرو فيه على فرضه(4).
ولكنّ الالتزام بخروج هاتين القاعدتين عن الاُصول ودخولهما في الفقهمشكل جدّاً.
وأمّا ما أورده الشيخ محمّد حسين الاصفهاني على المحقّق الخراساني رحمهالله منعدم ترتّب أثرين على شيء واحد فلا يرد على الإمام«مدّ ظلّه»، لأنّ هذا من
- (1) أصالة الطهارة مسألة اُصوليّة، وعدم البحث عنها في الاُصول إنّما هو لقلّة مباحثها وكونها قاعدة مسلّمة.منه مدّ ظلّه.
- (2) راجع وسائل الشيعة 24: 235 ـ 236، كتاب الأطعمة والأشربة، الباب 64 من أبواب الأطعمة المحرّمة،وأيضاً راجع وسائل الشيعة 25: 117 ـ 120، كتاب الأطعمة والأشربة، الباب 61 من أبواب الأطعمةالمباحة، كي تطّلع على بعض روايات قاعدة الحلّيّة. م ح ـ ى.
- (3) مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، الباب 30 من أبواب النجاسات والأواني، الحديث 4.
ج1
خواصّ التأثير والتأثّر الواقعيّين.
نعم، هو وارد على المحقّق الخراساني رحمهالله حيث ذهب إلى أنّ العلوم أيضكذلك، أي لا يترتّب على علم واحد أكثر من أثر واحد.
وبالجملة: تعريف الإمام«مدّ ظلّه» أسدّ التعاريف المتداولة، وإن لا يخلو منبعض الإشكالات، منها ما تقدّم من خروج بعض الاُصول العمليّة عنه.
في المايز بين القاعدة الاُصوليّة والفقهيّة
ما هو المايز بين القاعدة الاُصوليّة والفقهيّة؟
بقي هنا شيء، وهو بيان الفرق بين القاعدة الاُصوليّة والفقهيّة، وفيه أقوال:
1ـ كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
قال المحقّق النائيني رحمهالله : إنّ المايز بين المسألة الاُصوليّة والقاعدة الفقهيّة بعداشتراكهما في أنّ كلاًّ منهما يقع كبرى لقياس الاستنباط، هو أنّ المستنتج منالمسألة الاُصوليّة لا يكون إلاّ حكماً كلّيّاً، بخلاف المستنتج من القاعدة الفقهيّة،فإنّه يكون حكماً جزئيّاً، وإن صلحت في بعض الموارد لاستنتاج الحكم الكلّيأيضاً، إلاّ أنّ صلاحيّتها لاستنتاج الحكم الجزئي هو المايز بينها وبين المسألةالاُصوليّة، حيث إنّها لا تصلح إلاّ لاستنتاج حكم كلّي، كما يأتي تفصيله فيأوائل مباحث الاستصحاب إن شاء اللّه(1)، إنتهى كلامه هنا.
وما ذكره في مبحث الاستصحاب لأجل الفرق بينهما أمران:
أحدهما: أنّ القواعد الفقهيّة تتعلّق بعمل آحاد المكلّفين بلا واسطة اُخرى،بخلاف المسائل الاُصوليّة، فإنّها لا تعلّق لها بعمل الآحاد ابتداءً إلاّ بعد تطبيق
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 19.
(صفحه106)
النتيجة على الموارد الخاصّة الجزئيّة، فإنّ الحكم الكلّي بما هو كلّي لا يرتبطبكلّ مكلّف، ولا يتعلّق بعمله إلاّ بتوسّط انطباقه عليه خارجاً.
وهذا لا يكون أمراً مستقلاًّ بل نتيجة ما تقدّم من كون المايز كلّيّة النتيجةفي المسألة الاُصوليّة وجزئيّتها في القواعد الفقهيّة.
وعليه فالاُصول العمليّة الجارية في الموضوعات لا تكون مسائل اُصوليّة،لجزئيّة موردها، بل قواعد فقهيّة، كما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاريوالمحقّق الخراساني أيضاً.
الثاني: ما أخذه من كلام الشيخ رحمهالله في مبحث الاستصحاب من الرسائل(1)،من أنّ نتيجة المسألة الاُصوليّة إنّما تنفع المجتهد ولا حظّ للمقلّد فيها، ومن هنليس للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة، فلا يجوز له أن يفتي في الرسائلالعمليّة بحجّيّة خبر الواحد القائم على الأحكام الشرعيّة مثلاً؛ لأنّ تطبيقالنتيجة على الخارجيّات ليس بيد المقلّد، بل هو وظيفة المجتهد، وأمّا النتيجةفي القاعدة الفقهيّة فهي تنفع المقلّد، ويجوز للمجتهد الفتوى بها، ويكون أمرتطبيقها بيد المقلّد، كما يفتي بقاعدة التجاوز والفراغ والضرر والحرج وما ليضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، وبالعكس، وغير ذلك من القواعد الفقهيّة.
فالبحث عن حجّيّة الاُصول العمليّة الجارية في الشبهات الحكميّة مسألةاُصوليّة، لعدم انتفاع المقلّد بها بعد إثبات حجّيّتها، فإنّ استصحاب وجوبصلاةالجمعة مثلاً لايجري إلاّ بعدالفحص واليأس منالظفر بدليل على وجوبهوعلىعدمه، وهذامختصّبالمجتهد، بخلاف الاُصول العمليّة الجاريةفي الموضوعات، فإنّها بعد إثبات حجّيّتها تنفع المقلّد أيضاً، فهي
ج1
من المسائل الفقهيّة(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله في مبحث الاستصحاب.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله
وأورد عليه بعض الأعلام بأنّ بعض القواعد الفقهيّة أيضاً لا ينتفع بها إلالمجتهد، كقاعدة نفوذ الصلح والشرط باعتبار كونهما موافقين للكتاب أو السنّةأو غيرالمخالفين لهما(2)، فإنّ تشخيص كونالصلح أو الشرط فيمواردهما موافقلأحدهما أو غير مخالف ممّا لا يكاد يتيسّر للعامّي. وكقاعدتي «ما يضمن»و«ما لايضمن»، فإنّ تشخيص مواردهما وتطبيقهما عليها لا يمكن لغير المجتهد.
إلى غير ذلك من القواعد التي لا يقدر العامّي على تشخيص مواردهوصغرياتها ليطبّق القاعدة عليها(3).
2ـ نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المسألة
وذهب بعض الأعلام إلى أنّ المايز بينهما هو الاستنباط والتطبيق، فإنّالأحكام المستفادة من القواعد الفقهيّة إنّما هي من باب تطبيق مضامينهبأنفسها على مصاديقها، بخلاف الأحكام المستفادة من المسائل الاُصوليّة،فإنّها من باب الاستنباط والتوسيط(4).
- (1) فوائد الاُصول 4: 309.
- (2) الترديد إنّما هو باعتبار اختلاف التعابير، فإنّ في بعضها: الصلح جائز إذا وافق الكتاب والسنّة، وفيبعضها: الصلح جائز إذا لم يخالف الكتاب والسنّة، وهكذا قاعدة: «المؤمنون عند شروطهم». منه مدّ ظلّه.
- (3) محاضرات في اُصول الفقه 1: 13.
(صفحه108)
البحث حول ما أفاده السيّد الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
واُورد عليه بأنّ مثل قاعدة الطهارة قاعدة فقهيّة، مع كون الأحكامالمستفادة منها من قبيل الاستنباط لا التطبيق.
وفيه أوّلاً: عدم تسليم كونها قاعدة فقهيّة، بل هي مسألة اُصوليّة، كقاعدةالحلّيّة، فإنّ كون قاعدة الحلّيّة من المسائل الاُصوليّة أمر مسلّم، حيث إنّهميبحثون عنها في الاُصول، والفرق بينهما بجعل إحداهما اُصوليّة والاُخرىفقهيّة غير مقبول.
وثانياً: ما الفرق بين قاعدة الطهارة وقاعدة «ما يضمن» حيث سمّىاستفادة الأحكام من الاُولى استنباطاً ومن الثانية تطبيقاً؟ الظاهر عدم الفرقبينهما من هذه الجهة.
فكما أنّ الحكم بتحقّق الضمان بالبيع الفاسد باستناد «كلّ ما يضمنبصحيحه يضمن بفاسده» يكون من قبيل تطبيق الكلّي على مصاديقه، فكذلكالحكم بطهارة الكحول(1) باستناد «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر».
فما يرد على بعض الأعلام عكس ما في كلام هذا المستشكل، وهو أنّ مثلقاعدة الطهارة مع كونها مسألة اُصوليّة يكون استفادة الأحكام منها من بابالتطبيق لا الاستنباط.
3ـ قول آخر للمايز بين المسألة الاُصوليّة والقاعدة الفقهيّة
وقيل: إنّ المايز بينهما أنّ القاعدة الاُصوليّة جارية في أكثر أبواب الفقه،بخلاف الفقهيّة، فإنّها تجري في باب منها دون الأبواب الاُخرى، ألا ترى أنّ
- (1) يقال له بالفارسيّة: «الكل». م ح ـ ى.