ج1
العموم، ثمّ وضعه لمصاديق ذلك المفهوم العامّ، فالفرق بين مفهوم «المخاطب»و«أنت» هو الفرق بين الطبيعي وأفراده.
ويؤيّده أنّه إذا سُمع من وراء الجدار لفظ «المخاطب» يفهم منه معنى عامّ،وإذا سُمع لفظ «أنت» أو «إيّاك» يفهم أنّ المراد مخاطب خاصّ، فيعلم أنّ الفرقبينهما هوالفرق بين الكلّي ومصاديقه.
وعليه يكون معنى ضمير المخاطب من المعاني الاسميّة، كما أنّه على الأوّلكان من المعاني الحرفيّة.
ويجري الوجهان أيضاً في ضمير المتكلّم، فإنّه إمّا وضع للإشارة إلى النفسأو الأنفس، ويؤيّده اقترانه بنحو من الإشارة العمليّة غالباً كحركة اليد، أوللمتكلّم الخاصّ ـ بناءً على إمكان الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ـ بالبيانالمتقدّم في ضمير المخاطب.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ ضمير الغائب وضع للإشارة إلى الغائب، كما أنّ أسماءالإشارة وضعت للإشارة إلى الحاضر، وضمير المخاطب والمتكلِّم إمّا وضعللمعنى الحرفي، وهو المخاطبة في الأوّل والإشارة إلى النفس في الثاني، أوللمعنى الاسمي، وهو المخاطب الخاصّ والمتكلّم الخاصّ.
ولا ضير في كون المعنى في بعض الضمائر حرفيّاً كضمير الغائب، وفي بعضهاسميّاً كضمير المخاطب والمتكلّم على أحد الوجهين.
هذا تمام الكلام في معنى الحروف وما يلحق بها من الأسماء.
بقي هنا شيء: وهو أنّ المعاني الحرفيّة والوجودات الرابطة وإن كانتأضعف الوجودات، إلاّ أنّها هي المقصودة بالتفهيم والتفهّم في المحاوراتالعرفيّة، فإنّا إذا قلنا: «زيد قائم» فالمقصود تفهيم الاتّحاد والهوهويّة بينهما كما
(صفحه232)
تقدّم، وهو معنى حرفي قائم بالطرفين، ونحن وإن أنكرنا تحقّق النسبة فيالقضايا الحمليّة لكن لم ننكر الهوهويّة التي هي أيضاً من المعاني الحرفيّة.
وهكذا القضايا المأوّلة نحو «زيد في الدار» ضرورة أنّ المقصود بها أيضتفهيم الهوهويّة بناءً على تقدير «كائن» ونحوه، وتفهيم الربط بين زيد والدار(1)بناءً على عدمه، وكلاهما من الوجودات الرابطة.
وهكذا الجمل الفعليّة، فإنّ المراد بقولنا: «ضرب زيد» تفهيم صدورالضرب من زيد، وهو معنى حرفي، لأنّ حقيقته الربط بين الضرب وزيد.
فالمعاني الحرفيّة مع كونها أضعف الوجودات مهمّة من هذه الجهة.
- (1) والربط هنا كون الدار ظرفاً لزيد. م ح ـ ى.
ج1
(صفحه234)
في استعمال اللفظ في المعنى المجازي
الأمر الثالث
في استعمال اللفظ في المعنى المجازي
نظريّة صاحب الكفاية في المقام
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : صحّة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هلهي بالوضع أو بالطبع؟ وجهان، بل قولان: أظهرهما: أنّها بالطبع، بشهادةالوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمالفيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحّته إلاّ حسنه(1)، إنتهى.
البحث حول ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله
وهو وإن كان صادقاً في دعواه، لأنّ صحّة استعمال الأعلام الشخصيّة فيالمعاني المجازيّة كاستعمال «حاتم» في الرجل الجواد لا يتصوّر كونها بترخيصالواضع، لعدم علم أبيه بصيرورته جواداً حتّى يجيز استعمال اسمه فيمن يشبههفي ذلك.
إلاّ أنّ الدليل الذي أقام عليه غير تامّ.
لأنّ صحّة الاستعمال لو كانت بمعنى حسنه لكانت في الاستعمالات الحقيقيّة
ج1
أيضاً بهذا المعنى، فصحّة الاستعمال سواء كان بنحو الحقيقة أو المجاز تكونبمعنى حسنه، وعلى هذا إن أراد بالحسن ما يقابل القبح يشمل الغلط أيضاً؛لأنّه وإن كان غلطاً إلاّ أنّه لا يكون قبيحاً، وإن أراد به ما يقابل عدم الحسنيشمل المجاز فقط دون الحقيقة، لأنّ الاستعمال في المعنى الحقيقي لا يكونحسناً مع كونه صحيحاً قطعاً.
في ماهيّة المجاز
وهذا البحث مبنيّ على كون المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له كما هوالمشهور، وأمّا إذا قلنا بكونه استعمالاً فيما وضع له استعارةً كان أو مجازمرسلاً، فلا مجال لهذا البحث أصلاً كما لا يخفى.
فالمهمّ هو التحقيق في هذه الجهة، فنقول:
مسلك السكّاكي حول الاستعارة
ذهب السكّاكي خلافاً للمشهور إلى أنّ الاستعارة حقيقة لغويّة وأنّ اللفظفي هذا القسم من المجازات يستعمل فيما وضع له، لكنّ العقل يتصرّف فيالموضوع له بتوسعته بحيث يكون أفراده على قسمين: حقيقي وادّعائي، فإذقلنا: «رأيت أسداً يرمي» استعمل لفظ «أسد» مع حفظ معناه الحقيقي وهوالحيوان المفترس في زيد، بادّعاء كونه أيضاً فرداً منه.
واستدلّ عليه بأنّ استعمال لفظ مكان لفظ آخر لا يصحّ إلاّ إذا كان مشتملعلى صناعة البيان أو البديع، وواضح أنّ تبديل كلمة «الشجاع» بـ «أسد» فيقولنا: «زيد أسد» خالٍ عن الظرافة واللطف لو لم يكن بلحاظ المعنى، فأينالصناعة؟!