ج1
كون المضارع مستعملاً في السؤال والجواب في الحال.
بل ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى أنّه وضع للحال واستعماله في الاستقبال مجازبمعونة القرينة كالسين وسوف، وما اشتهر من أنّه بمعنى الحال والاستقبال منالاشتباهات، فإنّ ظهوره الأوّلي هو التلبّس بالحال، كما هو الظاهر من قولهتعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً»(1) فإنّ الظاهر منه أنّهم حال نزولالآية كانوا يقولون: لست مرسلاً(2).
وفيه: أنّه كثيراً ما يستعمل في الاستقبال أيضاً من دون قرينة المجاز،واستعماله في الآية في الحال لا يدلّ على كونه مجازاً في الاستقبال، إذ غاية ميقتضيه أنّه حقيقة في الحال، وأمّا أنّه مجاز في الاستقبال فلا.
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله بكونه مشتركاً معنويّاً بينهما، وظاهر كلامهاعتراف النحويّين بذلك أيضاً، وجعل هذا مؤيّداً لعدم دلالة الفعل على الزمان،فراجع تفصيل كلامه في الكفاية(3).
وذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله على ما في تقريرات بحثه بقلم بعضالأجلّة إلى أنّه مشترك لفظي بينهما، إلاّ أنّ الوضع بالنسبة إلى الاستقبال تعيينيوبالنسبة إلى الحال تعيّني، فالأوّل مقدّم على الثاني(4).
ولايبعد عنديأنّهما كانافيمرتبة واحدةليس بينهماتقدّموتأخّر أصلاً، فوضعالمضارع للارتباط الصدوري أو الحلولي الحالي تارةً والاستقبالي اُخرى.
وكيف كان، فلا ثمرة لهذا النزاع فلا نطيل الكلام فيه.
- (2) فوائد الاُصول 1 و 2: 102.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 154.
(صفحه440)
الخامس: في منشأ اختلاف المشتقّات
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ ـ وكون المبدء فيبعضها فعليّاً كالضارب، وفي بعضها قوّة واستعداداً كالمثمر، وفي بعضها ملكةكالمجتهد، وفي بعضها حرفة كالتاجر، وفي بعضها صناعة كالنجّار والصائغ ـ ليوجب اختلافاً في دلالتها بحسب الهيئة أصلاً(1).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في منشأ اختلاف المشتقّات
وفيه: أنّه لو كان اختلافها مستنداً إلى مباديها من دون أن يرتبط بالهيئةأصلاً لكانت التجارة في قوله تعالى: «لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْتَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»(2) بمعنى حرفة التجارة، مع أنّ المراد بها هوالتجارة الفعليّة بلا إشكال، وأيضاً إذا نذرت ترك الخياطة مثلاً، فلا ريب فيتحقّق الحنث بخياطة واحدة، وإن لم تصر حرفة أو صنعة لك، وأيضاً لو كانالقوّة والشأنيّة داخلة في معنى الإثمار لكان إضافة لفظ الشأنيّة إليه في قولنا:«الشجرة المثمرة هي التي لها شأنيّة الإثمار» لغواً زائداً، بل مخلاًّ بالمعنى.
ج1
نعم، لا ريب في أنّ الاجتهاد يكون بمعنى ملكة الاستنباط، إلاّ أنّ هذهمعناه الاصطلاحي عند الفقهاء، وأمّا بحسب اللغة فهو بمعنى الجدّ والجهدالفعلي، والنزاع إنّما هو في معنى المشتقّ لغةً لا اصطلاحاً.
وبالجملة: لا فرق في مبادئ هذه المشتقّات المختلفة في كونها متّخذة بنحوالفعليّة، فلا يرتبط اختلافها بالموادّ، ويؤيّده ظهور الماضي والمضارع في الفعليّةفي مثل «اتّجر» و«يتّجر» لا في الحرفة، مع اشتمالهما على مادّة لفظ «التّاجر».
فماذا نقول في المقام، سيّما في مثل «الضارب» و«التاجر» الّذين كلاهما علىهيئة الفاعل، فلا يمكن القول باتّخاذ الأوّل بنحو الفعليّة والثاني بنحو الحرفة،إذ لا تعدّد في هيئتهما.
نقد احتمال تعدّد الوضع في المشتقّات
واحتمال تعدّد الأوضاع بأن يقال: هيئة الفاعل وضعت تارةً لمن اشتغلبالمادّة بالفعل، واُخرى لمن اتّخذها حرفةً له وإن لم يشتغل بها فعلاً، بعيد لنلتزم به كما قال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره .
ثمّ إنّه رحمهالله قال: إنّ ما يدلّ على الصنعة والحرفة قد استعمل في تلك المعانيأوّلاً بنحو المجاز حتّى صارت حقيقةً، إمّا باستعمال الموادّ في الصنعة والحرفة،أو استعمال مجموع المادّة والهيئة مجازاً، باعتبار أنّ المشتقّات كأنّها كلمة واحدةمادّةً وهيئةً كسائر العناوين البسيطة، ولكن هذا أيضاً لا يخلو من بُعد(1)،إنتهى كلامه.
أقول: وأبعد منه جريان هذا الاحتمال في اسمي الآلة والمكان، كالمفتاح
- (1) تهذيب الاُصول 1: 156.
(صفحه442)
والمسجد، ضرورة صدق هذين العنوانين على آلة الفتح ومحلّ عبادة المسلمينحقيقةً قبل تحقّق الفتح والسجود فيهما، فلا يمكن القول بتحقّق الوضع التعيّنيفيهما.
تناقض كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في منشأ اختلاف المشتقّات
والعجب من بعض الأعلام«مدّ ظلّه» حيث ذهب في صدر كلامه إلى كوناختلاف المشتقّات كلّها مربوطاً بالموادّ، وفي وسطه إلى كونه في اسم المكانوالآلة ناشئاً عن الهيئة(1)، فإنّه تناقض ظاهر.
نقد القول باستناد اختلاف المشتقّات بجريها على الذوات
وقيل: إنّ الشأنيّة والحرفة والصناعة وغيرها ناشئة من جري المشتقّ علىالذات وحمله عليها، وأمّا نفسه بلا جري يكون بمعنى الفعليّة، فلفظ «المثمر»و«التاجر» يكونان بمعنى ما له الثمرة بالفعل، ومن له التجارة كذلك، وأمّا إذقلنا: «هذه الشجرة مثمرة» أو «زيد تاجر» يكونان بمعنى ما له شأنيّة الإثمارومن له حرفة التجارة، فالخصوصيّات المذكورة لا ترتبط بموادّ المشتقّات ولبهيئاتها، بل بالجري والحمل.
وهذا نظير ما احتمل في كلمة «الجاري» في الفقه، فإنّ فيه خصوصيّة النبعمن الأرض، حيث فسّر الفقهاء الماء الجاري بالنابع السائل، مع عدم دخلهذه الخصوصيّة في معناه اللغوي، لصدق قولنا: جرى الماء من الإبريق، أو منالميزاب، من دون تجوّز.
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 263.
ج1
فقيل في حلّه: لفظ «الجاري» وحده يكون بمعنى السائل، سواء كان نابعمن الأرض أم لا، وأمّا إذا اُخذ وصفاً للماء، وقيل: «الماء الجاري» كان فيهخصوصيّة النبع منها.
وفيه: أنّ الحمل يفيد الاتّحاد والهوهويّة بين الموضوع والمحمول من دون أنيغيّرهما عن معناهما، فكيف يكون كلمة «التاجر» وحدها بمعنى من لهالتجارة بالفعل، وإذا صار محمولاً وقلنا: «زيد تاجر» صار معناه من له حرفةالتجارة؟!
على أنّ لفظ «التاجر» مجرّداً عن الحمل أيضاً يفيد معنى الحرفة، ويشهدعليه أنّك لو سُئلتَ عن معناه لم تفصّل بين ما إذا كان مجرّداً وإذا كان جاريعلى الذات، بل تقول: معناه من له حرفة التجارة.
وأمّا ما احتمل في لفظ «الجاري» فلا يكون مؤيّداً له، لأنّه أيضاً في جميعموارد استعماله يكون بمعنى السائل، ولم يؤخذ النبع في معناه اللغوي وإن اُخذوصفاً للماء.
نعم، إذا اُخذ في عبارات الفقهاء وصفاً له وقيل: «الماء الجاري» أرادوا بهالنابع السائل، لكنّه اصطلاح فقهي لا يرتبط بالمعنى اللغوي.
بيان الحقّ في منشأ اختلاف المشتقّات
ويمكن أن يقال: إنّ الموادّ اُخذت بنحو الفعليّة في جميع المشتقّات، لكن هيئةاسم الآلة وضعت لما اُعدّ لتحقّق المبدء بالفعل به، فالمفتاح يكون بمعنىالوسيلة المعدّة لأن يتحقّق الفتح الفعلي بها، وإن لم يتحقّق بعد، بل ولا يتحقّقفي الاستقبال أيضاً أصلاً، فهذه الوسيلة ما دامت معدّة للفتح صالحة له، تكون