ج1
بمثل كونه ناهياً عن الفحشاء والمنكر، الذي(1) هو علّة صدور الأمر ومنمصالحه لم يعلم تحقّق تلك المصلحة عند ترك ما شكّ في جزئيّته لها، فلم يعلمتحقّق المأمور به في الخارج، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
وكذلك الأمر على الثاني، لأنّ الجامع لو كان ما اُشير إليه بمثل كونه أمراً إذقبل قبل ما سواه، وإذا ردّ ردّ ما سواه، الذي(2) هو أثر الصلاة لم يعلم تحقّقهذا الأثر عند ترك ما شكّ في جزئيّته لها، فلم يعلم تحقّق المأمور به أيضاً.
فلابدّ للصحيحي من القول بالاشتغال عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثرالارتباطيّين(3).
هذا حاصل كلام المحقّق النائيني رحمهالله ردّاً على صاحب الكفاية.
رأي الإمام الخميني«مدّ ظلّه» حول هذه الثمرة
وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بيّن أوّلاً إمكان التمسّك بالبراءة عندالشكّ في جزئيّة شيء للمأمور به بناءً على الجامع الذي ذكره، ثمّ استشكل فيإجراء البراءة بناءً على الجامع الذي صوّره المحقّق الخراساني بما مرّ من المحقّقالنائيني، فقال«مدّ ظلّه» ما حاصله:
إنّ ملاك القول بالبراءة إنّما هو انحلال العلم الإجمالي بالمأمور به المردّد بينالأقلّ والأكثر إلى العلم التفصيلي بالأقلّ والشكّ البدوي فيما زاد عنه، وعليهفالصحيحي يتمكّن من إجراء البراءة إذا قال بالجامع الذي تقدّم منّا، وهو أنّالصلاة مثلاً موضوعة للهيئة الخضوعيّة المأخوذة على النحو اللابشرط
- (3) أجود التقريرات 1: 66، وفوائد الاُصول 1 و 2: 78.
(صفحه348)
الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيحوالمريض بأقسامها، فإنّه لاينافي حكم العقل بالبراءة فيما إذا شكّ في جزئيّةالسورة مثلاً للصلاة، لأنّا نعلم بتعلّق الأمر بالأجزاء المعلومة ونشكّ في تعلّقهبهذا الجزء المشكوك، فتجري البراءة.
بخلاف ما ذهب إليه المحقّق الخراساني، فإنّ الجامع الذي تعلّق به الأمرعنده أمرٌ بسيط ملازم لعنوان «المطلوب»، فإذا شككنا في جزئيّة السورة لتجري البراءة، لعدم تصوّر الانحلال في البسيط، بل لابدّ من القول بالاشتغال،ولا يختصّ جريان الاشتغال بموارد الشكّ في المحصّل، بل يعمّ أيضاً ما إذا كانالمأمور به أمراً بسيطاً، وإن لم يكن من قبيل الشكّ في المحصّل(1).
هذا حاصل ما ذكره الإمام«مدّ ظلّه» في المقام.
مقتضى التحقيق في هذه الثمرة
أقول: ملاك القول بالبراءة في موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر وإن كانانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالأقلّ والشكّ البدوي فيما زاد عنه(2)،إلاّ أنّه لا مانع مع ذلك من جريانها على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني أيضاً،لأنّ الجامع عنده وإن كان أمراً بسيطاً ملزوماً لعنوان «المطلوب» إلاّ أنّه قالباتّحاده وجوداً مع المركّب الموجود في الخارج اتّحاد الطبيعي مع فرده، لا أنّ لهوجوداً آخر غيره، وعليه فهذا المركّب هو نفس ذلك الجامع البسيط، ولا فرقفي جريان البراءة بملاك الانحلال بين كون المأمور به أمراً مركّباً مردّداً بينالأقلّ والأكثر وبين كونه أمراً بسيطاً متّحداً مع ذلك الأمر المركّب.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 111.
- (2) هذا هو الملاك الذي ذكروه لجريان البراءة، ونحن لسنا الآن بصدد صحّته وسقمه. منه مدّ ظلّه.
ج1
نعم، يمكن الإشكال بأنّه كيف يمكن اتّحاد البسيط مع المركّب في الوجود؟!لكنّ المحقّق النائيني وسيّدنا الاُستاذ لم يوردا عليه بهذا الإشكال، فظاهرهمتسليم الاتّحاد الذي ذكره، ومع ذلك استشكلا عليه بأنّه لابدّ له من الاشتغالفي الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، وهو ممنوع.
والحاصل: أنّ جعل الثمرة بين القولين جريان البراءة على الأعمّيوالاشتغال على الصحيحي باطل، لإمكان القول بالبراءة على الصحيحيأيضاً، سواء كان الجامع ما ذكره الإمام«مدّ ظلّه» أو ما ذكره صاحب الكفاية،فمسألة البراءة والاشتغال ليست متفرّعة على ما نحن فيه، بل كلّ منالصحيحي والأعمّي هاهنا يتمكّن من الذهاب إلى البراءة أو الاشتغال هناك.
ثمرة مسألة الصحيح والأعمّ على رأي صاحب الكفاية
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ ثمرة النزاع إجمال الخطاب على قولالصحيحي وعدم جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شكّ في جزئيّة شيءللمأمور به وشرطيّته أصلاً، لاحتمال دخوله في المسمّى كما لا يخفى، وجوازالرجوع إليه في ذلك على قول الأعمّي في غير ما احتمل دخوله فيه ممّا شكّ فيجزئيّته أو شرطيّته. نعم، لابدّ في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه وارداً موردالبيان، كما لابدّ منه في الرجوع إلى سائر المطلقات(1)، إنتهى كلامه.
واُورد على هذه الثمرة بوجوه ثلاثة:
1ـ أنّه كما يتمسّك الأعمّي بإطلاق الخطاب عند الشكّ في جزئيّة شيءللمأمور به أو شرطيّته، كذلك نرى أنّ الصحيحي أيضاً يتمسّك به في الفقه،
(صفحه350)
ولذا يتمسّك جميع الفقهاء حتّى من قال بالصحيح في المقام بإطلاق صحيحة(1)حمّاد التي وردت في مقام بيان الأجزاء، وبيّن الإمام الصادق عليهالسلام فيها جميعأجزاء الصلاة من التكبيرة والقراءة والركوع والسجود ونحوها، وحيث لم يبيّنفيها الاستعاذة مثلاً فيتمسّك بإطلاقها على عدم وجوبها، فلا فرق في ذلك بينقول الصحيحي والأعمّي.
وفيه: أنّ الصحيحي لو تمسّك بإطلاق مثل «أقيموا الصلاة» عند الشكّ فيجزئيّة شيء لها لكان من قبيل التمسّك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة لنفسه،وهذا مع القطع ببطلانه لم يقل به أحد من الاُصوليّين أيضاً.
ولا علم لنا بتمسّك الصحيحي بإطلاق الخطاب أوّلاً، ولو كان لكان لأجلنسيانه مبناه في بحث الصحيح والأعمّ ثانياً، وإلاّ فلم يعقل الجمع بين القولبالصحيح هاهنا والتمسّك بإطلاق الخطاب في الفقه لمن كان متذكّراً لمبناه.
وأمّا الاستشهاد على ذلك بتمسّك الفقهاء حتّى القائلين بالصحيح بإطلاقصحيحة حمّاد فهو خلط بين الإطلاق المقامي واللفظي، فإنّ إطلاق الصحيحةإطلاق مقاميّ، وهو أجنبيّ عن الإطلاق اللفظي المتقوّم بإحراز صدق المفهومعلى المورد المشكوك فيه، والذي لا يتمكّن الصحيحي من التمسّك به هوالإطلاق اللفظي، وأمّا الإطلاق المقامي فالتمسّك به مشترك فيه بين القولين،والسرّ في ذلك أنّ المعتبر في الإطلاق اللفظي أن يرد الحكم في القضيّة علىالطبيعي الجامع القابل للانطباق على حصص عديدة أو حصّتين، وبعد ذلكتصل النوبة إلى إحراز بقيّة المقدّمات من كون المتكلِّم في مقام البيان، وعدمإتيانه بالقرينة على إرادة الخلاف، ولأجل ذلك لا يسع القائل بوضع الألفاظ
- (1) وسائل الشيعه 5: 459، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 1.
ج1
للصحيح أن يتمسّك بالإطلاق، وذلك للشكّ في صدق المفهوم على الفاقد لميحتمل دخله في المسمّى، وأمّا الإطلاق المقامي فلا يعتبر فيه ذلك، بل المعتبرفيه سكوت المتكلِّم عن البيان في مقام عدّ الأجزاء والشرائط، أو الأفراد، مثلإذا كان المولى في مقام بيان ما يحتاجه اليوم من اللحم، والخبز، والاُرز، واللبن،وغيرها من اللوازم، فأمر عبده بشرائها، ولم يذكر الدهن مثلاً، فبما أنّه كان فيمقام البيان ولم يذكر ذلك فيستكشف منه عدم إرادته له، وإلاّ لبيّنه، ولا نحتاجفي هذا النحو من الإطلاق إلى وجود لفظ مطلق في القضيّة، والإطلاق فيالصحيحة من هذا القبيل، فإنّه عليهالسلام كان في مقام بيان أجزاء الصلاة، فكلّما لميبيّنه نستكشف عدم دخله فيها.
والحاصل: أنّ أحد الإطلاقين أجنبيّ عن الإطلاق الآخر رأساً، وجوازالتمسّك بأحدهما لا يستلزم جواز التمسّك بالآخر، فلا فرق في جواز الأخذبالإطلاق المقامي بين القائل بالصحيح والقائل بالأعمّ، وأمّا الإطلاق اللفظيفلا يجوز التمسّك به إلاّ للقائلين بالأعمّ، فلا يرد هذا الإشكال على هذه الثمرة.
2ـ أنّه ليس في الكتاب والسنّة إطلاق يحتجّ به، لأنّ أدلّة العبادات الواردةفيهما كلّها مجملة، إذ لم يرد شيء منها في مقام البيان.
وأجاب عنه بعضهم بأنّ غاية ما يقتضيه هذا الإشكال عدم المصداق لهذهالثمرة، لا عدم ترتّبها على النزاع.
وفيه: أنّه كيف يمكن رمي الأكابر بصرف العمر في هذا البحث الطويلالذيل، مع عدم ترتّب ثمرة فعليّة عليه، لمجرّد الثمرة الفرضيّة.
نعم، يمكن أن يُجاب عنه أوّلاً: بأنّ دعوى إجمال جميع أدلّة العبادات فيالكتاب والسنّة مكابرة، لعدم صحّة هذه الدعوى إلاّ بعد إمعان النظر في جميع