ج1
قلنا: «زيد كاتب» كان الكاتب بمعنى «زيد الذي له الكتابة» وإذا قلنا: «عمروكاتب» كان بمعنى «عمرو الذي له الكتابة» وهكذا، ولا يلتزم أحد بكون موضع له المشتقّ خاصّاً، بل الكلّ قائلون بعموم الوضع والموضوع له فيه.
على أنّ أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتقّ يستلزم إبهام معناه، لتردّدمعنى «الحسّاس» مثلاً بين «إنسان له الحسّ» و«فرس له الحسّ» وهكذا، مثلسائر المشتركات اللفظيّة، مع أنّ معناه واضح غير مبهم بقضاوة الوجدان.
وعلى هذا فالنزاع ينحصر في دخل مفهوم الشيء في المشتقّ.
نقد أدلّة القائلين بالبساطة
ثمّ استدلّ من قال ببساطته باُمور كلّها مدخولة:
منها: ما أفاده المحقّق الشريف، وقد عرفت جوابه.
ومنها: ما استدلّ به المحقّق الخراساني رحمهالله ، وهو أنّ التركّب مستلزم لتكرّرالموصوف في مثل «زيد الكاتب» وهو خلاف الضرورة(1).
وفيه: أنّ هذا المثال بناءً على التركّب يكون بمعنى «زيد الذي شيء لهالكتابة» ولم يتكرّر الموصوف فيه كما لا يخفى.
ومنها: أنّ التركّب مستلزم لتحقّق نسبتين في كلام واحد: إحداهما في تمامالقضيّة، والاُخرى في المحمول فقط.
وفيه: أنّ اجتماع نسبتين في كلام واحد لا يستحيل إلاّ فيما إذا كانتا تامّتين،في عرض واحد، متّحدتين موضوعاً ومحمولاً، ولم يتحقّق واحد من هذهالشروط الثلاثة في المقام، فضلاً عن جميعها، فإنّ النسبة التي في تمام القضيّة
(صفحه474)
تامّة والتي في جانب المحمول ناقصة، وهي متقدِّمة رتبةً على التي في تمامالقضيّة، وهما مع ذلك مختلفتان بحسب طرفيهما كما هو واضح.
التحقيق حول مسألة بساطة المشتقّ وتركّبه
والحقّ أنّ المفاهيم الاشتقاقيّة مركّبة لا بسيطة، لدخل مفهوم الشيء فيها،وذلك لانسباق الشيء المتلبّس بالمبدء إلى الذهن عند سماع المشتقّ، فمعناهمركّب من ثلاثة اُمور: 1ـ الشيء، 2ـ المبدأ، 3ـ تلبّسه به، وكيف يمكن القولببساطته مع تعدّد الوضع فيه؟! فإنّ له بحسب مادّته وضعاً، وبحسب هيئتهوضعاً آخر، فالهيئة تدلّ على المقيّد والتقيّد، أعني «الشيء» و«التلبّس» والمادّةتدلّ على القيد، أعني «المبدء» وهذا هو معنى التركيب.
وذهب بعض الأعلام أيضاً إلى التركيب، واستدلّ هو أيضاً عليه بالتبادروانسباق الذات المتلبّسة بالمبدء إلى الذهن(1).
وهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه لا يلائم ما ذهب إليه من أنّ مركز النزاع هوالبساطة والتركّب بتعمّل من العقل، فإنّ التبادر إنّما هو مربوط بمرتبة الإدراكوالتصوّر، لا بمرتبة التحليل العقلي كما هو واضح.
فاستدلاله على دعواه بالتبادر نحو تسلّم قهريّ لكون النزاع في البساطةوالتركّب اللحاظيّين، وهذا أقوى شاهد على أنّه بهذا المعنى يكون محلاًّ للنزاع،لا بالمعنى الذي ذكره بعض الأعلام.
والحاصل: أنّ مفهوم المشتقّ مركّب من الذات المتلبّسة بالمبدء، فمفهومالشيء والذات دخيل فيه، والدليل عليه هو التبادر.
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 298.
ج1
(صفحه476)
في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
الثاني: في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
البحث حول ما اختاره أهل المعقول في المقام
المشهور بين الفلاسفة أنّ الفرق بين المشتقّ ومبدئه إنّما هو باعتبار «لبشرط» و«بشرط لا» ووقع البحث في مرادهم من هاتين الكلمتين ـ لبشرط وبشرط لا ـ .
ففسّر صاحب الفصول رحمهالله مرادهم منهما بما يراد في بحث المطلق والمقيّد،وهو أنّ الماهيّة إذا قيست إلى العوارض والطوارئ الخارجيّة مرّةً تلاحظ لبشرط بالإضافة إليها واُخرى بشرط شيء وثالثة بشرط لا، فعلى الأوّلتسمّى الماهيّة مطلقة ولا بشرط، وعلى الثاني بشرط شيء، وعلى الثالثبشرط لا.
ثمّ أورد عليهم بأنّ صحّة الحمل وعدمها لا تختلف من حيث اعتبار شيءلا بشرط أو بشرط لا، لأنّ العلم والحركة وما شاكلهما، ممّا يمتنع حملها علىالذوات، وإن اعتبرت لا بشرط، فإنّ ماهيّة الحركة أو العلم بنفسها آبية عنالحمل على الشيء حقيقةً، فلا يقال: «زيد علم أو حركة» إلاّ بنوع من العنايةوالتجوّز، ومجرّد اعتبارها لا بشرط لا يوجب انقلابها عمّا كانت عليه، فمذكروه من الفرق بين المشتقّ ومبدئه لا يرجع إلى معنى صحيح.
ج1
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
وذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ كلام الفلاسفة يرجع إلى الفرق الذاتيبينهما، فإنّه قال: الفرق بين المشتقّ ومبدئه مفهوماً أنّه بمفهومه لا يأبى عنالحمل على ما تلبّس بالمبدء، ولا يعصي عن الجري عليه، لما هما عليه منالاتّحاد، بخلاف المبدء، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك، بل إذا قيس ونسب إليه كانغيره، لا هو هو، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتّحاد والهوهويّة،وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما، من أنّ المشتقّ يكونلا بشرط، والمبدء يكون بشرط لا، أي يكون مفهوم المشتقّ غير آبٍ عنالحمل ومفهوم المبدء يكون آبياً عنه(1).
ثمّ اعترض على صاحب الفصول رحمهالله بقوله:
وصاحب الفصول رحمهالله حيث توهّم أنّ مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذينالاعتبارين بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجيّة مع حفظ مفهوم واحدأورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك، لأجل امتناع حمل العلم والحركة علىالذات وإن اعتبرا لا بشرط، وغفل عن أنّ المراد ما ذكرنا، كما يظهر منهم منبيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادّة والصورة، فراجع(2)، إنتهى كلامه.
نقد ما فسّر به صاحب الكفاية كلام مشهور الفلاسفة في المقام
ونوقش(3) في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ ما نسبه إلى أهل المعقول من أنّ
- (3) المناقشة مربوطة بما نسبه إلى أهل المعقول، وأمّا أصل كلامه فتلقّوه بالقبول، فإنّ المحقّق الاصفهاني رحمهالله قال: وأمّا «ما أفاده اُستاذنا العلاّمة«أدام اللّه أيّامه» في المتن، من أنّ الفرق بين المشتقّ ومبدئه أنّه بمفهومه ليأبى عن الجري والحمل بخلاف المبدء، فإنّه يأبى عنه، وأنّه إلى ذلك يرجع ما أفاده أهل المعقول منالفرق بينهما بلا بشرط وبشرط لا، لا حفظ مفهوم واحد وملاحظة الطوارئ» فهو وإن كان صحيحاً فينفسه حيث إنّهما كذلك كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى، إلاّ أنّ إرجاع كلمات أهل المعقول إلى ذلك لعلّهلحسن ظنّه بهم، وإلاّ فكلماتهم صريحة... نهاية الدراية 1: 226. م ح ـ ى.